قبطان الفنار علي مشارف الغروب، يتصاعد خوار الماشية علي مقربة من تل النمل الأبيض الذي تسلقته مع أخي وأطلقنا عليه اسم الفنار. نراقب بحراً من الأعشاب الخضراء، تغطيه سُحب من الغبار وتداهمنا دوامات من الأتربة، مثل الأعاصير. نحن عمال الفنار، والماشية هي السفن. نلقيها عليها أحجاراً؛ كأنها ضوء إن اقتربت من الشاطئ؛ حيث نقف. يقف تافارا علي قمة التل، ويتحدث بلغة البحارة انتبه أيها الولد، هناك سفينة تقترب فأُلقي بحجر في اتجاه السفينة المُبحرة نحونا شراعها الكبير يستدير مُبتعداً. أيها القبطان، أنقذنا سفينة أخري. أصيح فرحاً وألف أصابعي مثل منظار بحثاً عن المزيد من السفن في غبشة الغروب. تتجمع الماشية الآن فوق التل، وقد أربكها حلول الظلام وخوارها اللحوح يجوب أرجاء الليل. أصرخ: »يا إلهي، لقد فقدتُ أخي قبطان الفنار غاص وحيداً إلي أعماق البحر». موسيقي العمل الأعشاب العنيدة تقاومه حتي تنجح ضرباته المُتقنة في اقتلاع حشائش بارتفاع رُكبته يؤرجح ساقيه مثل بندول الساعة ونصل المنجل يعكس أشعة الشمس علي ذراعه اليمني. طوال اليوم، يخطو بإصرار بين الحشائش والخنافس وصراصير الحقل تهرب من ضربات المنجل وتقفز بأجسادها اللامعة فوق الصخور. يسيل العرق بين شعيرات لحيته. حرارة الشمس لا تُشعره بالضيق، ولكنها تشتت انتباهه. لماذا تشرق الشمس وتغرب، ولماذا تعتقد زوجته النكدة أن الله سوف يُنقذهم؟ إنها أمور غامضة، مثل احتضار ابنه وانتظار وفاته كل صباح. في موسيقي العمل، تؤدي كل حركة إلي تناثر الحشائش في ضوء الشمس ولكل ضربة مُحكمة من منجله إيقاع خاص يتحدي ثِقل الشمس الحارقة علي قلبه، وتتناغم حركات يده البارعة مع أنشودة الزمن الأبدية.