تجتذبني الأماكن بتفاصيلها، ورغم أن انتشار الفضائيات أدي إلي تراجع أدب الرحلات بشكل كبير، إلا أن انطباعات الأدباء تظل قادرة علي تقديم صورة غير جامدة، تخلط التفاصيل الصماء بروح البشر، لتقدم المكان بشكل غير تقليدي، لا تستطيع الصور التعبير عنه حتي لو كانت مُتحركة. وأذكر أن »أخبار الأدب» منذ سنوات كانت قد خصصت بابا يحمل عنوان »ذاكرة المدن»، قدم فيه عدد من الأدباء مدنهم بأسلوب شيق وبالغ التعبير، جعل الكثير من القراء يشعرون بأنهم يتنفسون هواءها، ويمضون في شوارعها وأزقتها. لم تكن رحلة في الأماكن فقط، بل جولة في أفكار المبدعين وإحساسهم وتعبيراتهم التي تُكسب كل مكان مذاقا متميزا، أذكر أنني تجولت في أزقة طنجة وشوارع دمشق وأروقة بغداد ومدن أخري لم تخطها قدماي يوما، عبر صور نسجها أبناؤها المبدعون بعذوبة. كم أتمني أن تحتفي جريدتكم بهذه النوعية من الكتابة من جديد، وإذا كانت التكنولوجيا قد أثرت سلبا علي أدب الرحلات، فيمكن للإبداع أن يقاوم سطوتها، لأنه لا يعتمد علي الرصد فقط، بل يمزج روح الكاتب بتفاصيل تعجز أي آلات تصوير عن التقاطها.