تعرف على اختصاصات الهيئة الوطنية للانتخابات    ميتا تعتزم زيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي بعدما فاقت نتائج الربع الثاني التوقعات    روسيا تعلن السيطرة على بلدة شازوف يار شرقي أوكرانيا    موعد مباراة آرسنال وتوتنهام والقنوات الناقلة    دون إصابات.. خروج قطار عن القضبان بعد الاصطدام برصيف محطة السنطة بالغربية    طقس اليوم الخميس 31-7-2025.. انخفاض درجات الحرارة واضطراب بالملاحة    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    أستراليا وبريطانيا تدعوان لوقف إطلاق النار في غزة وتشددان على حل الدولتين    أسعار الدولار اليوم الخميس 31 يوليو 2025 بعد تثبيت الفائدة الأمريكية    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    ارتفاع أسعار الذهب الفورية اليوم الخميس 31-7-2025    فورد تتوقع خسائر بقيمة ملياري دولار هذا العام نتيجة رسوم ترامب    هاريس ستدلي بشهادتها في الكونجرس بشأن الحالة العقلية لبايدن والعفو عن 2500 شخص    أمير غزة الصغير.. قصّة طفل قبّل يد من قدم له الطعام وقتله الجيش الإسرائيلي بدم بارد    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بشمال سيناء    20 شاحنة مساعدات إماراتية تستعد للدخول إلى قطاع غزة    ملعب الإسكندرية يتحول إلى منصة فنية ضمن فعاليات "صيف الأوبرا 2025"    دعمًا لمرشح «الجبهة الوطنية».. مؤتمر حاشد للسيدات بالقليوبية    معتقل من ذوي الهمم يقود "الإخوان".. داخلية السيسي تقتل فريد شلبي المعلم بالأزهر بمقر أمني بكفر الشيخ    الرئيس الفلسطيني يرحب ب"الموقف التاريخي والشجاع" لكندا    "ابن العبري".. راهب عبر العصور وخلّد اسمه في اللاهوت والفلسفة والطب    قناة السويس حكاية وطنl القناة الجديدة.. 10 سنوات من التحدى والإنجاز    قناة السويس حكاية وطن l حُفرت بأيادٍ مصرية وسُرقت ب«امتياز فرنسى»    الطب الشرعى يحل لغز وفاة أب وابنائه الستة فى المنيا.. تفاصيل    مواعيد مباريات اليوم الخميس 31 يوليو 2025 والقنوات الناقلة    نحن ضحايا «عك»    سلاح النفط العربي    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    «النفط ولع».. ارتفاع هائل في أسعار الذهب الأسود اليوم الخميس 31 يوليو 2025 (تفاصيل)    طريقة عمل سلطة الفتوش على الطريقة الأصلية    المهرجان القومي للمسرح يحتفي بالفائزين في مسابقة التأليف المسرحي    بينهم طفل.. إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق فايد بالإسماعيلية (أسماء)    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    الحد الأدني للقبول في الصف الأول الثانوي 2025 المرحلة الثانية في 7 محافظات .. رابط التقديم    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    لحماية الكلى من الإرهاق.. أهم المشروبات المنعشة للمرضى في الصيف    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إضافات جديدة لرؤية عبدالوهاب العمراني في أدب الرحلات
نشر في صوت البلد يوم 21 - 05 - 2017

يقول أديب اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقدمة الطبعة الثانية من كتاب "مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب .. رؤية يمنية في أدب الرحلات" للسفير عبدالوهاب العمراني: إن في هذا المؤلف القيم إضافات لم تكن في الطبعة الأولى، ولقد احتفيت بالطبعة السابقة ورأيت فيه مساهمة يمانية في فتح نوافذ جديدة نرى من خلالها جوانب من العالم الذي لم نره بعد، ولكي نقترب من اكتشاف العوالم الظاهرة التي قد تؤدي بنا حتماً إلى اكتشاف أعماق الروح الإنسانية وما أنجزه الإنسان على ظهر الأرض من إعجاز في المعمار والطرقات والحدائق، وما توصل إليه من أنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية .. الخ
وبديع وفاتن هو أدب الرحلات، ويمكن القول إنه بات في الآونة الأخيرة بخاصة ينافس الشعر والرواية لدى القارئ الباحث عن المعرفة والمتعة والرؤية الفنية للأشياء والكائنات.
وكتاب الصديق السفير العمراني ليس دراسة في أدب الرحلات لكنه فصل من فصول الرحلات المهمة التي حرصت على تقديم أجزاء من هذا العالم عبر الانطباعات العميقة والمشاهدات المتأنية. وما أحوج البشر إلى مثل هذه الكتابات، لاسيما الغالبية العظمى منهم الذين لم تتح لهم الظروف مبارحة أوطانهم فاكتفوا بأن يتعرفوا على العالم من خلال حدقات الرحّالة الذين لم يستأثروا لأنفسهم بما رأوه ووعته ذاكرتهم في كثير من خواطر العام، بل كانوا أحرص على أن يشاركهم القارئ متعهم ومرائيهم، وهو نوع من الإيثار جدير بالتقدير والإعجاب.
واللافت في زمننا أن الأرض التي كانت إلى عهد قريب تترامى إلى آماد يصعب الإحاطة ببعضها، قد جعلتها المعرفة الحديثة تنكمش في وعينا الحاضر إلى درجة جعلت البعض من أبنائها يعتبرونها قرية صغيرة يمكن التجول في أحيائها وشوارعها بسهولة. وليس الفضل في ذلك لوسائل الإيصال والاتصال وحدها، بل ولهؤلاء الذين يتنقلون فيها من مكان إلى آخر تصاحبهم أقلامهم وأحياناً كاميراتهم ليقرّبوا بها البعيد. وتبقى الأقلام في جميع الحالات أكثر قدرة على الإمساك بحقائق هذه الأرض وخفاياها من الصور الجامدة أو المتحركة.
وهي - أي الأقلام - أصرح وأصدق من خلال الكلمات التي تتكلم عن تكوينات البلدان، وآثارها وتاريخها وعقائدها وتقاليدها، وما يتميز به هذا البلد عن غيره من مناظر طبيعية أو مواقع تاريخية.
ويضيف المقالح: لا أخفي أن هذا الكتاب قد أمتعني وأضاف إلى معلوماتي الكثير مما كنت أجهله عن عدد من البلدان التي زارها مؤلفه وأمضى في بعضها وقتاً كافياً يمده بما يرغب فيه من تكوين رؤية الباحث المتتبع لا الزائر السائح العابر الذي ينظر إلى واجهات المدن لا إلى روحها وأبعاد مكوناتها الثقافية والحضارية وما يشغل أبناءها من هموم وما تحركهم من آمال. وإنني ومعي ألوف القراء نغبطه على الظروف التي هيأت له القيام برحلاته الشرقية والغربية ومكنت له من الاطلاع الواسع على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان التي زارها أو أقام فيها أثناء عمله الدبلوماسي والتي استطاع خلالها أن يختزن في ذاكرته كما في يومياته جوانب مهمة من المشاهدات والانطباعات الواقعية.
في المقدمة التي كتبها المؤلف أكثر من إشارة إلى أهمية الترحال وإلى ضرورة أن يكون الرحالة واعياً لهدفه باحثاً في البلدان التي يزورها - كما يقول - عن القيمة والمعنى، وليس عن التسلية وشغل القارئ بالسطحي من الأمور، وهذا ما يؤكد أنه كان قد استعد لذلك بقراءة قائمة من كتب الرحلات القديم منها والحديث ليتمكن في رحلاته الشرقية والغربية من تمثل القيمة والمعنى لهذه الرحلات، وأعتقد أنه نجح إلى حد بعيد فجاءت رحلاته تطبيقاً لما هدف إليه، كما جاءت لغة الكتاب بديعة تلقائية خالية من التكلف والتصنع يمكن للقارئ متابعتها بسلاسة وبسر، وكلما قطع جزءاً من الكتاب زاد شوقه إلى استكمال بقية الأجزاء. وبوصفي واحداً من أوائل قرائه أتمنى أن يواصل السفير العمراني كتاباته عن أسفاره.
بينما أشار السفير اليمني السابق في اليونسكو حميد العواضي في مقدمة الطبعة الثانية بأن أهمية هذا الكتاب في أنه قد نجح في أن يجمع بين المنزع التقريري والمنزع التفسيري من ناحية، وبين الوجهة الأدبية والوجهة الإعلامية من ناحية ثانية، كما جمع بين الملاحظة الفردية والرأي العام المشهور، والخاطرة المرتجلة والمعلومة الموثقة. وبالتالي فإن قراءة متأنية له تبوؤه موضعاً وسطاً بين أدب الرحلات والجغرافيا الثقافية والخواطر الذاتية، باعتبار أن الجغرافيا الثقافية تقربه من الاختصاص العلمي التقريري بما يتضمنه من معلومات فكرية وأدبية وفنية وتاريخية وسياسية واقتصادية وسياحية.
وأدب الرحلات يشده إليه بما انطوى عليه من وصف وعرض ولغة. وقد تبدت الذات في حركتها المتنقلة في الزمان والمكان وتدخلها في توجيه المعلومة والرأي. هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن المكتبة العربية واليمنية على وجه الخصوص تفتقر لهذا النوع من الكتب مقارنة بمجمل محتويات المكتبة العربية.
ولعل السفير عبدالوهاب العمراني بكتابه هذا يعد أول مؤلف تناول بهذه الشمولية نطاقاً واسعاً من الدول والأماكن التي شملتها تلك المشاهدات أو في وصف أدب الرحلات كجانب نظري؛ حيث تضمنت مقدمة الكتاب طرفاً من تاريخ أدب الرحلات عند العرب وغيرهم منذ أقدم العصور وحتى عصرنا الحاضر. كما يحسب له أنه أوجز في هذا السياق دور اليمينين في هذا الجنس من الكتابة
وفي سياق مقدمة الدكتور السفير العواضي يسترسل بالوصف بقوله: يجول بنا السفير والكاتب العمراني من خلال سطور كتابه برحلة في أصقاع متنوعة في العالم: بغداد، اسطنبول، أصفهان، تاج محل، جزر الملايو، سنغفورة. ثم يذهب بنا غرباً إلى المغرب الأقصى ويَجول بِنا في أزقة ومساجد فاس ومكناس وبوابات مراكش ويصعد بِنا إلى مُدن الأندلس غرناطة وقرطبة وإشبيلية وغيرها فضلاً عن مدريد تلك الحواضر العريقة التي يفوح منها عبق التاريخ العربي والإسلامي، ثم يصعد بنا شمالاً إلى باريس بألقها ورقتها وبروكسل عاصمة أوروبا ثم يختتم الرحلات في أقدم المدائن وأجلِّها عاصمة الإغريق.
إن أهمَّ ما أحسست به بعد قراءة هذا العمل هو كيف أن الدبلوماسي ينبغي أن يكون همزة وصل بين بلدة وبلد اعتماده في نطاق مهمته الدبلوماسية، لكنه مطالب أن يكون ترجماناً بين الثقافات ينقل من هذه إلى تلك، ومن تلك إلى هذه في نتاج قابل للتداول والبقاء وقابل أن يتطور بتحول الأيام وتواليها.
بينما كتب الكاتب العراقي الدكتور الراوي مشيداً بالكتاب قائلا "استقى الكاتب مصادره من أمُهات الكتب في هذا اللون من الأدب ولم يكتف بآخر ما يصدر من الكتب والدوريات، بل لاحظت اهتمامه بأقدمها وأشهرها عبر كل العصور ولاحظت أيضا همته ومثابرته وتيقنت عن قرب مدى عشق كثير من المثقفين اليمنيين للمعرفة رغم الظروف الاقتصادية والسياسية التي تلازم بلداننا العربية ومنها اليمن، الذي يمثل جيلا من الدبلوماسيين الموهوبين بملكات الكتابة الغنية بالثقافة المتنوعة، وما ان استهللت قراءة هذا الإنجاز الرائع وبرغبة مزدوجة إلا وقد انغمست في آفاق رحبة لبستان من المعرفة من خلال أدب الرحلات الذي خُيل لي أن الكتاب سيكون على غرار ما قرأته لكُتاب آخرين يحصرون اهتمامهم بالتركيز فقط على مشاهداتهم دون التعمق فيما وراء الأسباب كما يقول المؤلف (في رحلتي بين صفحات الكتاب سواء في المتن أو الهوامش).
انتابني أحاسيس بعشق المعرفة واكتشاف المجهول وبعبق التاريخ الذي يلازم معظم فصول الكتاب، زادت من حبي لهذا النوع من الكتابات الشيقة ولاسيما أن كاتبه يُضفي عليها صبغة أدبية وبعمق تاريخي.
لقد أذهلني حجم وكثافة المعلومات بين دفتي هذا الكتاب وفي مفردة واحدة ضمن أحد عشر موضوعا شملها الكتاب، وهي العراق، لقد عرفت خلال حواري مع مؤلفه مدى حبه لتاريخ العراق وشعبه ليس فقط لأنه عاش مع أقرانه أثناء دراسته الجامعية نهاية السبعينيات، ولكنه في مؤلفه كتب عن العراق بأحاسيس أبناء الرافدين ولفت نظري مدى غزارة المعلومات التي عكست لا شك معرفة ودقة في مصادر قد لا يعرفها الكثير من العراقيين أنفسهم، سواء بوصف المجتمع العراقي أو تاريخه الحديث ودياناته وقومياته.
ولقد أعجبت بتواضع الكاتب في مقدمته عندما يقول: "لست شاعراً أديبا ولا مؤرخا، ولكني أحاول ببساطة نقل مشاعري في تجربة أدبية متواضعة".
وقد أوصى هذا الباحث العراقي إضافة لمؤسسات أكاديمية اُهدي لها نسخة من الكتاب بأن يترجم للانجليزية ليعكس حضارة العرب من زاوية أدب الرحلات، وهذا ما سيعمل به المؤلف في خطته المقبلة. ويعكف الباحث العمراني في مسودة كتابه الأخير: التلاقح الحضاري بين العرب وجيرانهم.
يقول أديب اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقدمة الطبعة الثانية من كتاب "مشاهدات وانطباعات من الشرق والغرب .. رؤية يمنية في أدب الرحلات" للسفير عبدالوهاب العمراني: إن في هذا المؤلف القيم إضافات لم تكن في الطبعة الأولى، ولقد احتفيت بالطبعة السابقة ورأيت فيه مساهمة يمانية في فتح نوافذ جديدة نرى من خلالها جوانب من العالم الذي لم نره بعد، ولكي نقترب من اكتشاف العوالم الظاهرة التي قد تؤدي بنا حتماً إلى اكتشاف أعماق الروح الإنسانية وما أنجزه الإنسان على ظهر الأرض من إعجاز في المعمار والطرقات والحدائق، وما توصل إليه من أنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية .. الخ
وبديع وفاتن هو أدب الرحلات، ويمكن القول إنه بات في الآونة الأخيرة بخاصة ينافس الشعر والرواية لدى القارئ الباحث عن المعرفة والمتعة والرؤية الفنية للأشياء والكائنات.
وكتاب الصديق السفير العمراني ليس دراسة في أدب الرحلات لكنه فصل من فصول الرحلات المهمة التي حرصت على تقديم أجزاء من هذا العالم عبر الانطباعات العميقة والمشاهدات المتأنية. وما أحوج البشر إلى مثل هذه الكتابات، لاسيما الغالبية العظمى منهم الذين لم تتح لهم الظروف مبارحة أوطانهم فاكتفوا بأن يتعرفوا على العالم من خلال حدقات الرحّالة الذين لم يستأثروا لأنفسهم بما رأوه ووعته ذاكرتهم في كثير من خواطر العام، بل كانوا أحرص على أن يشاركهم القارئ متعهم ومرائيهم، وهو نوع من الإيثار جدير بالتقدير والإعجاب.
واللافت في زمننا أن الأرض التي كانت إلى عهد قريب تترامى إلى آماد يصعب الإحاطة ببعضها، قد جعلتها المعرفة الحديثة تنكمش في وعينا الحاضر إلى درجة جعلت البعض من أبنائها يعتبرونها قرية صغيرة يمكن التجول في أحيائها وشوارعها بسهولة. وليس الفضل في ذلك لوسائل الإيصال والاتصال وحدها، بل ولهؤلاء الذين يتنقلون فيها من مكان إلى آخر تصاحبهم أقلامهم وأحياناً كاميراتهم ليقرّبوا بها البعيد. وتبقى الأقلام في جميع الحالات أكثر قدرة على الإمساك بحقائق هذه الأرض وخفاياها من الصور الجامدة أو المتحركة.
وهي - أي الأقلام - أصرح وأصدق من خلال الكلمات التي تتكلم عن تكوينات البلدان، وآثارها وتاريخها وعقائدها وتقاليدها، وما يتميز به هذا البلد عن غيره من مناظر طبيعية أو مواقع تاريخية.
ويضيف المقالح: لا أخفي أن هذا الكتاب قد أمتعني وأضاف إلى معلوماتي الكثير مما كنت أجهله عن عدد من البلدان التي زارها مؤلفه وأمضى في بعضها وقتاً كافياً يمده بما يرغب فيه من تكوين رؤية الباحث المتتبع لا الزائر السائح العابر الذي ينظر إلى واجهات المدن لا إلى روحها وأبعاد مكوناتها الثقافية والحضارية وما يشغل أبناءها من هموم وما تحركهم من آمال. وإنني ومعي ألوف القراء نغبطه على الظروف التي هيأت له القيام برحلاته الشرقية والغربية ومكنت له من الاطلاع الواسع على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان التي زارها أو أقام فيها أثناء عمله الدبلوماسي والتي استطاع خلالها أن يختزن في ذاكرته كما في يومياته جوانب مهمة من المشاهدات والانطباعات الواقعية.
في المقدمة التي كتبها المؤلف أكثر من إشارة إلى أهمية الترحال وإلى ضرورة أن يكون الرحالة واعياً لهدفه باحثاً في البلدان التي يزورها - كما يقول - عن القيمة والمعنى، وليس عن التسلية وشغل القارئ بالسطحي من الأمور، وهذا ما يؤكد أنه كان قد استعد لذلك بقراءة قائمة من كتب الرحلات القديم منها والحديث ليتمكن في رحلاته الشرقية والغربية من تمثل القيمة والمعنى لهذه الرحلات، وأعتقد أنه نجح إلى حد بعيد فجاءت رحلاته تطبيقاً لما هدف إليه، كما جاءت لغة الكتاب بديعة تلقائية خالية من التكلف والتصنع يمكن للقارئ متابعتها بسلاسة وبسر، وكلما قطع جزءاً من الكتاب زاد شوقه إلى استكمال بقية الأجزاء. وبوصفي واحداً من أوائل قرائه أتمنى أن يواصل السفير العمراني كتاباته عن أسفاره.
بينما أشار السفير اليمني السابق في اليونسكو حميد العواضي في مقدمة الطبعة الثانية بأن أهمية هذا الكتاب في أنه قد نجح في أن يجمع بين المنزع التقريري والمنزع التفسيري من ناحية، وبين الوجهة الأدبية والوجهة الإعلامية من ناحية ثانية، كما جمع بين الملاحظة الفردية والرأي العام المشهور، والخاطرة المرتجلة والمعلومة الموثقة. وبالتالي فإن قراءة متأنية له تبوؤه موضعاً وسطاً بين أدب الرحلات والجغرافيا الثقافية والخواطر الذاتية، باعتبار أن الجغرافيا الثقافية تقربه من الاختصاص العلمي التقريري بما يتضمنه من معلومات فكرية وأدبية وفنية وتاريخية وسياسية واقتصادية وسياحية.
وأدب الرحلات يشده إليه بما انطوى عليه من وصف وعرض ولغة. وقد تبدت الذات في حركتها المتنقلة في الزمان والمكان وتدخلها في توجيه المعلومة والرأي. هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن المكتبة العربية واليمنية على وجه الخصوص تفتقر لهذا النوع من الكتب مقارنة بمجمل محتويات المكتبة العربية.
ولعل السفير عبدالوهاب العمراني بكتابه هذا يعد أول مؤلف تناول بهذه الشمولية نطاقاً واسعاً من الدول والأماكن التي شملتها تلك المشاهدات أو في وصف أدب الرحلات كجانب نظري؛ حيث تضمنت مقدمة الكتاب طرفاً من تاريخ أدب الرحلات عند العرب وغيرهم منذ أقدم العصور وحتى عصرنا الحاضر. كما يحسب له أنه أوجز في هذا السياق دور اليمينين في هذا الجنس من الكتابة
وفي سياق مقدمة الدكتور السفير العواضي يسترسل بالوصف بقوله: يجول بنا السفير والكاتب العمراني من خلال سطور كتابه برحلة في أصقاع متنوعة في العالم: بغداد، اسطنبول، أصفهان، تاج محل، جزر الملايو، سنغفورة. ثم يذهب بنا غرباً إلى المغرب الأقصى ويَجول بِنا في أزقة ومساجد فاس ومكناس وبوابات مراكش ويصعد بِنا إلى مُدن الأندلس غرناطة وقرطبة وإشبيلية وغيرها فضلاً عن مدريد تلك الحواضر العريقة التي يفوح منها عبق التاريخ العربي والإسلامي، ثم يصعد بنا شمالاً إلى باريس بألقها ورقتها وبروكسل عاصمة أوروبا ثم يختتم الرحلات في أقدم المدائن وأجلِّها عاصمة الإغريق.
إن أهمَّ ما أحسست به بعد قراءة هذا العمل هو كيف أن الدبلوماسي ينبغي أن يكون همزة وصل بين بلدة وبلد اعتماده في نطاق مهمته الدبلوماسية، لكنه مطالب أن يكون ترجماناً بين الثقافات ينقل من هذه إلى تلك، ومن تلك إلى هذه في نتاج قابل للتداول والبقاء وقابل أن يتطور بتحول الأيام وتواليها.
بينما كتب الكاتب العراقي الدكتور الراوي مشيداً بالكتاب قائلا "استقى الكاتب مصادره من أمُهات الكتب في هذا اللون من الأدب ولم يكتف بآخر ما يصدر من الكتب والدوريات، بل لاحظت اهتمامه بأقدمها وأشهرها عبر كل العصور ولاحظت أيضا همته ومثابرته وتيقنت عن قرب مدى عشق كثير من المثقفين اليمنيين للمعرفة رغم الظروف الاقتصادية والسياسية التي تلازم بلداننا العربية ومنها اليمن، الذي يمثل جيلا من الدبلوماسيين الموهوبين بملكات الكتابة الغنية بالثقافة المتنوعة، وما ان استهللت قراءة هذا الإنجاز الرائع وبرغبة مزدوجة إلا وقد انغمست في آفاق رحبة لبستان من المعرفة من خلال أدب الرحلات الذي خُيل لي أن الكتاب سيكون على غرار ما قرأته لكُتاب آخرين يحصرون اهتمامهم بالتركيز فقط على مشاهداتهم دون التعمق فيما وراء الأسباب كما يقول المؤلف (في رحلتي بين صفحات الكتاب سواء في المتن أو الهوامش).
انتابني أحاسيس بعشق المعرفة واكتشاف المجهول وبعبق التاريخ الذي يلازم معظم فصول الكتاب، زادت من حبي لهذا النوع من الكتابات الشيقة ولاسيما أن كاتبه يُضفي عليها صبغة أدبية وبعمق تاريخي.
لقد أذهلني حجم وكثافة المعلومات بين دفتي هذا الكتاب وفي مفردة واحدة ضمن أحد عشر موضوعا شملها الكتاب، وهي العراق، لقد عرفت خلال حواري مع مؤلفه مدى حبه لتاريخ العراق وشعبه ليس فقط لأنه عاش مع أقرانه أثناء دراسته الجامعية نهاية السبعينيات، ولكنه في مؤلفه كتب عن العراق بأحاسيس أبناء الرافدين ولفت نظري مدى غزارة المعلومات التي عكست لا شك معرفة ودقة في مصادر قد لا يعرفها الكثير من العراقيين أنفسهم، سواء بوصف المجتمع العراقي أو تاريخه الحديث ودياناته وقومياته.
ولقد أعجبت بتواضع الكاتب في مقدمته عندما يقول: "لست شاعراً أديبا ولا مؤرخا، ولكني أحاول ببساطة نقل مشاعري في تجربة أدبية متواضعة".
وقد أوصى هذا الباحث العراقي إضافة لمؤسسات أكاديمية اُهدي لها نسخة من الكتاب بأن يترجم للانجليزية ليعكس حضارة العرب من زاوية أدب الرحلات، وهذا ما سيعمل به المؤلف في خطته المقبلة. ويعكف الباحث العمراني في مسودة كتابه الأخير: التلاقح الحضاري بين العرب وجيرانهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.