إقبال من المصريين علي السياحة الثقافية » السياحة الداخلية ».. الجملة كانت تثير شعورا ليس جيدا بالتأكيد لدي بعض رجال السياحة وموظفي وحراس المناطق الأثرية وايضا أصحاب المطاعم والمحال والبازارات.. ورغم محاولة البعض مداراة تلك المشاعر كان هناك من يجاهر برفض السياحة الداخلية تماما حتي ولو أغلق منشأته.. وكان لذلك أسباب كنا نختلف او نتفق عليها تتلخص في وصف البعض للسياحة الداخلية بالعشوائية في معظم تفاصيلها.. أو اتهامات بأنها تسبب خسائر لا مكاسب. تلك النظرة بدأت تتغير بعض الشئ السنوات الماضية.. وإن كان تغيرا ليس جذريا.. مع زيادة طفيفة بمساحة الترحيب ولو علي استحياء من المنتجعات بالسياح المصريين.. ومع انتهاء اجازة نصف العام وما رصده الكثيرون سواء بقطاعات السياحة والآثار والطيران أو المسافرين المصريين أنفسهم داخل جنة الله ببلدهم.. أقول وبالفم المليان إن السياحة الداخلية بدأت عهدا جديدا.. عهدا تمنيناه من سنوات.. ولم نتوقع أن تصل إليه بتلك السرعة.. عهدا تشكل فيه رقما مهما للغاية لقطاع السياحة.. ليس لأنها أكثر إنفاقا ودخلا من الكثير من الأسواق الأجنبية التي يعلم الجميع أنها في معظمها سياحة رخيصة منخفضة أو معدومة الإنفاق.. لكن لأن السياحة الداخلية بدأت تبدل عشوائيتها القديمة بتنظيم والتزام يضاهي الأسواق الأوربية الكبري بلا مبالغة.. عهدا ينتظر من وزارات السياحة والطيران والآثار والقطاع الخاص خططا تعظم عائد السياحة الداخلية وتزيل بشكل عاجل العقبات أمامها.. وحتي لا نكون كمن يلقي بالمحاضرات النظرية دون دليل.. لنرصد بعد المظاهر الإيجابية والمفرحة والمبشرة.. لنعلم كيف تطورت السياحة الداخلية.. بداية كانت الشكوي الرئيسية أن السياحة الداخلية فردية وموسمية.. هذا العام أتت الغالبية العظمي في مجموعات سواء نظمتها شركات ومؤسسات لموظفيها أو جمعيات خيرية واجتماعية قبطية وإسلامية أو أندية أو مجموعات من الأسر والأصدقاء.. والأروع أن تلك المجموعات من عدة مستويات وليس الأثرياء فقط ومن معظم المحافظات.. تلاشت الفردية وبقيت الموسمية وهي موضع حديث لاحق. وكانت الشكاوي من تعامل البعض داخل الفنادق بسلبية وعشوائية وإضرار بالمحتويات وإهدار للمأكولات والمشروبات.. هذا العام وأقولها متحديا لونسأل أصحاب ومديري الفنادق والمنتجعات.. تراجعت هذه السلبيات كثيرا وبلغت نسبا لا تزيد في تصوري عما نجده بالسياحة الأجنبية الحالية بمصر.. مع الفارق أن السعر للمصريين مضاعف !! ناهيك عن التراجع الكبير في الجلبة والضوضاء التي كان يثيرها بعض المصريين وبصورة تضايق السياح ومسئولي الفنادق.. لتتحول في جزء كبير منها إلي » فرفشة » رحلات تجلب المرح والفكاهة وتثير جوا مريحا يجذب أيضا الأجانب.. ناهيك عن تنامي الشعور بالذات لدي المصريين ليختفي تعمد مضايقة الأجانب ويختفي نقيضه بتجنبهم وعدم الاحتكاك بهم.. لكن مع تنامي الشعور بالذات كان هناك تفاعل إيجابي ومشاركات لأنشطة وحوارات تحقق التواصل والاحترام المتبادل.. وهذا أسمي أهداف السياحة دوليا. وإذا كان المصريون معروفين » سياحيا » ببعدهم عن المدن والمناطق الأثرية.. واللامبالاة سواء في زيارة الآثار أو التعامل معها.. لكن الأمر هذا العام كان مختلفا ومفرحا للغاية.. بداية من الطفرة غير المسبوقة بإشغالات الأقصر وأسوان هذا العام.. وأداء السياحة الداخلية بمعابد وآثار الصعيد.. وهناك شبه إجماع علي ما يلي :- السياحة الداخلية الثقافية بلغت مرحة من النضج لتزاحم الأجانب.. فقد كان هناك إقبال منقطع النظير علي زيارة كافة المعابد والمزارات الأثرية بالأقصر وإدفو وكوم أمبو وأسوان.. والصور ترصد طوابير تدعو للفخر لأن معظمها مصريون بكل تلك المناطق.. ودليلا علي تغير سلوك المصريين بالسياحة الثقافية وإهتمامهم بها.. أن الغالبية العظمي استعانوا بمرشدين سياحيين لشرح محتويات المناطق الأثرية.. وسط حلقات استماع وإنصات غير معهودة من المصريين !! ويصف لك المرشدون الأمر بأنه غير مسبوق وسط اصطفاف المجموعات وأيضا الطلبة وحتي الأسر الصغيرة.. الكل يطلب مرشدا ويستمع ويسأل ويتفاعل.. ولقد اختفت الشكوي الأزلية من سوء تعامل المصريين مع آثارهم بإلتزام كبير بكافة التعليمات.. وأكبر دليل علي تطور السياحة الداخلية.. التغير الأكبر في تعامل الجميع مع المصريين تجاوبا مع التغير في سلوكهم كسياح.. ودليلا علي ما قلناه بأنهم أصبحوا رقما مهما في الدخل بتلك المناطق.. فقد كان هناك سابقا ضيق بل وسوء معاملة للمصريين وتفضيل للأجانب.. اليوم تبدل الأمر تماما.. فهناك ترحيب كبير من الباعة ومحلات الهدايا بالمصريين بل وتفضيلهم عن الأجانب أحيانا كثيرة لأنهم الأكثر شراء. ويتم البيع بصورة حضارية رائعة وهي صورة متكررة بكل المناطق الأثرية بالصعيد علي عكس ما يشاع عنها من إستغلال ومضايقات.. وبدأت تتراجع كثيرا مضايقات مثلا أصحاب الحناطير والمراكب للمصريين والأجانب.. بل تلاحظ وجود حسن معاملة وتراجع نسب ومحاولات الاستغلال.. وفي منطقة إدفو يروي الجميع مشاهد تؤكد تغيرا مماثلا من الأمن ونقابات الحناطير في حسن وتنظيم التعامل مع السائح بشكل عام والمصري بصورة خاصة.. أمام الفنادق العائمة فيقف طابور الحناطير وهناك ضباط ورجال أمن يراقبون العملية.. كل حنطور يحمل رقما.. والسياح طوابير أيضا.. ويتم تسجيل حركة كل حنظور وهو مسئول عن ركابه يذهب ويعود بهم والمحاسبة مع كبيرهم وبقيمة ثابتة موحدة.. وتعامل أمني رفيع ومحترم من حيث التواجد الهادئ وسط السياح بمدن الصعيد وتنظيم حركة دخولهم وخروجهم وتنظيم حركة الحناطير.. صورة حضارية افتقدناها وطالبنا بها كثيرا وهاهي تتحقق.. هذا بعض من فيض الخير القادم مع السياحة الداخلية.. لكن هناك شروطا حتي تتحول السياحة الداخلية وبحق لكنز سياحي لمصر.. وهو موضوع مقال قادم بإذن الله.