مع نهاية أول فصل دراسي للنظام التعليمي الجديد الذي طبقته وزارة التربية والتعليم علي طلاب مراحل رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي، كان لافتا عدم التزام عدد كبير من المدارس، تحديدا الخاصة، بالمناهج التي وضعتها الوزارة بحجة عدم وجود مكون معرفي من الممكن أن يستفيد الطالب منه، ووجدت العديد من المدارس في ذلك فرصة لإثبات قدرتها علي تقديم محتوي تعليمي متطور عن باقي المدارس، الأمر الذي ينسف فلسفة المنظومة الجديدة والتي تقوم علي متعة التعلم بعد سنوات من شكاوي أولياء الأمور من صعوبة المناهج. وفي ظل غياب الرقابة اللاحقة علي تطبيق المنظومة الجديدة من قبل وزارة التربية والتعليم فإن الأمر أضحي شائعا بين الجميع، بل إن العديد من أولياء الأمور لجأوا إما للكتب الدراسية القديمة، أو استعانوا بعدد من معلمي الدروس الخصوصية للارتقاء بمستويات أبنائهم التعليمية في الصف الأول الابتدائي، وهي كارثة أخري تهدم كل ما تخطط له الوزارة، الأمر الذي دفع "آخرساعة"، لمناقشة تلك القضية مع عدد من أولياء الأمور وخبراء التربية وكذلك وزارة التعليم للتعرف علي كيفية التعامل مع الوضع القائم. في البداية اشتكت دينا محمود، ولية أمر إحدي الطالبات بالصف الأول الابتدائي من عدم وجود منهج معرفي من الممكن أن يستفيد منه الطالب في تلك المرحلة العمرية (7 سنوات)، بل إن المقررات التي كانت تدرسها ابنتها في مراحل رياض الأطفال خلال المنظومة القديمة كانت مفيدة أكثر من مناهج الصف الأول الابتدائي، الأمر الذي دفعها للاستعانة بكتب النظام القديم داخل المنزل وعدم الارتكان فقط علي ما يتم تدريسه في المدرسة. وتواجه ولية الأمر هذه عدة أزمات بسبب المناهج الجديدة، إذ إنها من جانب لا تعلم ما يتم تدريسه للطلاب داخل المدرسة بسبب فهم المعلمين لتعليمات الوزارة بعدم وجود واجبات مدرسية داخل المنزل، وبالتالي فهي انفصلت تماما عن المكونات المعرفية التي تتلقاها ابنتها يوميا، وعلي الجانب الآخر فهي تخشي من عدم تساوي الفرص بين جميع الطلاب بسبب تأسيس مجموعة منهم علي أساس تعليمي ومعرفي مكثف بما يؤثر علي مستقبل ابنتها. ولم يكن حال شرين إبراهيم أحسن حالا من نظيرتها السابقة، والتي كشفت النقاب عن وجود حرب بين المكتبات الخاصة وأولياء الأمور للحصول علي مناهج الصف الأول الابتدائي للعام الماضي، لتكون بديلا عن المناهج الجديدة، لافتة إلي أن أولياء الأمور استطاعوا أن يقنعوا المدرسة الخاصة التي يتواجد فيها ابنها بتدريس المناهج القديمة طوال الأسبوع علي أن تدرس المناهج في يوم واحد فقط. وبالرغم من أن أولياء الأمور يعتقدون أنهم بذلك يحققون أقصي استفادة لأبنائهم، لكن ذلك يسبب لهم حالة من الانفصام بين ما تريد الوزارة توصيله إلي الطلاب وبين الاعتماد علي طرق التعلم والمناهج السابقة، بل إن هذا الأمر تسبب العام الجاري في زيادة نسب الدروس الخصوصية للصف الأول الابتدائي لأول مرة وهو ما يتطلب تدخلا عاجلا من قبل الوزارة قبل أن تتفاقم المشكلة. وأشارت شرين إلي أن المدارس التي تلتزم بمناهج الوزارة لا تدرس الحساب تقريبا باستثناء جزئيات بسيطة في كتاب الديسكفري بعكس المناهج القديمة التي تتواجد فيها تلك المادة بشكل منفصل ومتطور، وكذلك فإن المدارس التي التزمت بتعليمات الوزارة لم تتمكن من قياس قدرات الطلاب عقب نهاية الفصل الدراسي الأول لعدم وجود امتحانات، فيما تمكنت المدارس المخالفة من التعرف علي مستوي كل طالب بعد أن أجرت امتحانات داخلية. وفي المقابل فإن الوضع داخل المدارس المخالفة لتعليمات الوزارة يبدو مختلفا، وبحسب عدد من أولياء الأمور الذين تواصلت معهم "آخرساعة"، فإن كتب النظام الجديد (اللغة العربية اللغة الإنجليزية كتاب الباقة "أكتشف" التربية الدينية) تعد جزءا صغيرا من المناهج التي يتم تدريسها داخل المدرسة، وأضحي وجودها شكليا حال مرور لجان الوزارة للتأكد من العمل بها. وقالت إيناس محمد، ولية أمر طالب بإحدي مدارس محافظة الجيزة الخاصة، إن الطلاب تسلموا خمسة كتب للغة الإنجليزية فقط مقسمة ما بين الكلمات الجديدة والنحو والقصة والتدريبات والمحادثات البسيطة، بالإضافة إلي كتاب لمادة اللغة الألمانية وآخر للغة الفرنسية، وذلك بالمخالفة لتعليمات الوزارة، غير أنها وضعت كتاب اللغة الإنجليزية "الحكومة" ضمن باقة اللغات التي يدرسها الطلاب. وأشارت إلي أن أولياء الأمور لا يعرفون شيئا عن المناهج الجديدة، لأن المدرسة أصدرت قرارا بتركها داخل المدرسة، غير أن جميع التدريبات والامتحانات الداخلية التي أجرتها المدرسة كانت من الكتب القديمة، موضحة أن ذلك نال رضاء جميع أولياء الأمور والطلاب باستثناء الذين يجدون صعوبة في تحصيل المعلومات. ويتفق خبراء التربية علي أن مناهج مراحل رياض الأطفال الجديدة تتوافق مع المرحلة العمرية التي يمرون بها (من 4 إلي 6 سنوات)، وأن الطالب في تلك المرحلة لا يجب أن يستخدم الأقلام للكتابة وتكون للتلوين فقط، غير أن الاختلاف يكمن في مناهج الصف الأول الابتدائي فالبعض يري أنها تواكب المناهج العالمية وأن الوزارة أعدتها بالتعاون مع عدد من خبراء المناهج في أكثر من دولة أوربية، فيما يري البعض الآخر أن المحتويات الجديدة كانت بحاجة إلي زيادة المكون المعرفي علي أن يتم عرضها بنفس الصورة الحالية. وشدد الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، علي أن المناهج الجديدة تم بناؤها في ضوء الفكر العالمي لتطوير التعليم في كوريا الجنوبية وسنغافورا وفنلندا، وقاموا بوضعها في إطار قدرات المتعلمين وميولهم وحاجاتهم وراعت جميع مستويات الطلاب العاديين والمتميزين والضعاف وهدفها الأساسي المتعة والسعادة جراء التعلم في بداية السلم التعليمي علي أن تتدرج في الصعوبة مع كل مرحلة دراسية، علي أن تنتقل تدريجيا من البسيط إلي المركب ومن السهل إلي الصعب، وأنها تعطي للطلاب قدرة علي التحدث والتفاعل وتركز علي الأبعاد الاجتماعية بجانب التعليمية. وأضاف أن أولياء الأمور يعتقدون أن المناهج لا قيمة لها بسبب ضعف المحتويات العلمية وهذا خطأ لا بد أن تتداركه الوزارة من خلال التوعية، إذ إن المناهج الجديدة ترتبط ببناء الطالب بشكل كلي بحيث يفكر وينتج ويبدع ويشارك ويستنتج ويستخدم القدرات العليا جميعها منذ الصغر ولكن هذا لا يظهر للعيان بشكل مباشر من خلال الكتب الدراسية، لافتا إلي أن المتابعة الجادة من قبل الموجهين والمدرسين الأوائل لما يتم تدريسه بالمدرسة يعد أساس المنظومة الجديدة. فيما أوضح الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي بمركز البحوث التربوية، أن المناهج الجديدة مناسبة بشكل كبير لطلاب مراحل رياض الأطفال ولا خلاف عليها، بل إنها تعد أساس القضاء علي أسلوب الحفظ والتلقين السائد منذ القدم والذي كان يقوم علي تعريف الطلاب بكيفية كتابة الكلمات وتكرارها مرات عديدة وكانت بداية المشكلات ما بين أولياء الأمور والمدارس بسبب عدم استطاعة الطلاب تنفيذ المطلوب منهم داخل المنزل. لكن الخلاف من وجهة نظر مغيث يرتبط بمناهج الصف الأول الابتدائي والتي كانت دافعة للعودة إلي المناهج القديمة وإثارة الفوضي داخل العديد من المناهج الخاصة التي لم تلتزم بنظام الوزارة الجديد، إذ إن الطالب في تلك المرحلة يكون قد بدأ تعلمه داخل مدرسة نظامية وهي تتطلب أن يكون هناك محتوي معرفي يستطيع الطلاب والمعلمون أيضا التعامل معه بصورة سليمة، وهو ما لم يتحقق هذا العام تحديدا أن الوزارة لم تدرب المعلمين بالشكل المطلوب. وأكد أن كتاب "اكتشف" يحتوي علي قدر كبير من المرونة وليس مملا بالنسبة للطلاب لكن مشكلته الأساسية في ضعف المحتوي التعليمي الموجود داخله مقارنة بأعمار الطلاب وقدرتهم علي الاستيعاب تحديدا وأنهم يتعاملون مع أدوات تكنولوجية حديثة تساعد علي تحصيلهم المعرفي بالمقارنة بما كان يحدث في الماضي، موضحا أن التزام بعض المدارس بالنظام الجديد ومخالفة البعض الآخر يعد كارثة حقيقية تهدد مستقبل التعليم ولا بد من التعامل معها في أقرب وقت. ومن جانبه قالت إيمان صبري، مدير إدارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم، إن الوزارة تتعامل مع تلك المخالفات من خلال اللجان الوزارية التي تتأكد من تدريس مناهج الوزارة، وذلك من خلال التنبيهات من خلال الكتب الدورية التي تصدرها الوزارة، موضحة أن المخالفات كانت أكبر مع بداية العام الدراسي وأنه بمرور الوقت فإن المدارس تذهب للالتزام بتعليمات الوزارة. وطالبت "صبري" أولياء الأمور بالتوجه إلي وزارة التربية والتعليم أو المديرية التعليمية حال وجود مخالفات بشأن تدريس المناهج الجديدة وعدم الالتزام بإلغاء المستوي الرفيع، موضحة أن المديريات والإدارات التعليمية ستسير العديد من القوافل واللجان للتوعية بالمناهج الجديدة وضبط المدارس المخالفة، وتوقعت أن يلتزم الجميع بالمنظومة الجديدة عند اقتناعهم بها مع مرور الوقت.