مجموعة من التحديات الصعبة تنتظر أوروبا في 2019. وإن كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي »بريكست» هو أبرزها إلّا أنّه لن يكون الوحيد. ففي الأسبوع الماضي قالت اتحادات شركات صناعية كبيرة في ألمانيا، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والنزاعات التجارية التي تثيرها سياسات »أمريكا أولا» التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب، تشكل أكبر المخاطر التي تهدد النمو والرخاء الاقتصادي. وتري الباحثة في »المعهد الأسترالي للسياسة الخارجيّة» جاكلين وَسترمان أنّ الأشهر الأولي من العام المقبل ستهيمن عليها مفاوضات »البريكست». ومن المقرر أن تخرج المملكة المتّحدة من الاتحاد الأوروبي عند الساعة الحادية عشرة ليلاً بتوقيت جرينيتش يوم 29 مارس 2019. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، سيطرت النقاشات العاطفية حول »شبكة الأمان» في مجلس العموم والمؤسسات والعواصم الأوروبية. وسط هذه الدراما، هنالك موضوع واحد مؤكّد: إذا لم تستطع رئيسة الوزراء تيريزا ماي أن تمرّر اتفاق "البريكست" في البرلمان السنة المقبلة فستتضاءل فرص التوصل إلي خروج منسّق من الاتّحاد. وفيما تؤكد بروكسل أنّها قد تقبل بتوضيحات للاتفاق لكنّها لن تعيد التفاوض حوله. فإن المملكة المتحدة منشغلة الآن بالاستعداد لسيناريو "لا اتفاق" الذي سيجعلها تودّع الاتّحاد من دون أي ترتيبات حول التجارة أو العلاقات العامة المستقبلية مع أوروبّا. ومن المتوقع أن يسجل الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، أضعف معدل نمو له خلال سنوات عديدة في 2018، حيث يواجه المصدرون ظروفا معاكسة في الخارج. لكن الطلب المحلي القوي يعني أن شركات كثيرة تظل قادرة علي توسعة أعمالها. وفي مسح أجرته رويترز، قال رؤساء الاتحادات الصناعية الكبيرة إنهم لا يتوقعون أن يدخل الاقتصاد في ركود، حيث تشير معظم التوقعات إلي معدل نمو قوي عند نحو 1.5 بالمئة في 2019. لكن الاتحادات الصناعية قالت إن المتاعب الاقتصادية للمسؤولين التنفيذيين في الشركات تتزايد، وإن الحكومة يجب أن تفعل المزيد لمساعدتهم بسبل مثل خفض الضرائب علي الشركات، ومزيد من الاستثمار في البنية التحتية الرقمية. وقال ديتر كيمف رئيس الاتحاد الصناعي بي.دي.آي "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يشكل أكبر المخاطر في الأمد القصير". وحذر كيمف من أن انفصال بريطانيا في مارس دون اتفاق علي شكل العلاقات في المستقبل مع الاتحاد، سيخلق ضبابية شديدة للتجارة وأنشطة الشركات. وتابع "سيواجه الاقتصاد البريطاني تهديدا مباشرا بالركود، وهو ما سيؤثر بشكل غير مباشر علي ألمانيا أيضا". ومن المرجح أن ينمو الاقتصاد الألماني نحو 1.5٪ هذا العام مقارنة مع 2.2 بالمئة في 2017. استفتاء ثانٍ تبقي الخطوات التالية غير واضحة، حيث تزداد أعداد البريطانيين الذين يدعون إلي استفتاء ثانٍ. وإذا حصل ذلك، فسيتمحور السؤال علي الأرجح حول طبيعة الاتّفاق المتفاوض عليه عوضاً عن أن يكون حول "الخروج" مقابل "البقاء". حكمت محكمة العدل الأوروبية بأنّ المادة 50 التي تلجأ إليها أي دولة عضو ترغب بالمغادرة، يمكن أن يتمّ التراجع عنها، وهو أمر سيعني أن لا "بريكست" علي الإطلاق. بينما سيكون ذلك ربحاً للعائلة الأوروبيّة، ستواجه الديموقراطية البريطانيّة ضربة قويّة إضافة إلي أنّ البلاد ستكون قد خسرت أموالاً طائلة تمّ إنفاقها خلال السنتين الماضيتين في محاولة لاستنتاج الطريقة الفضلي لتطبيق "البريكست". غياب اليقين يزداد فيما ينفد الوقت من الاتّحاد الأوروبّي والمملكة المتّحدة وخصوصاً المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون في بريطانيا. مكسب وخسارة يوزف يانينج، الخبير الألماني الذي يترأس مكتب برلين التابع لمركز الفكر الأوروبي للعلاقات الخارجية، يري أنه عندما يحين في مايو 2019 تعداد الأصوات في انتخابات ممثلي الشعوب الأوروبية يمكن أن تتغير بعض الأمور: أحد التساؤلات المهمة سوف يكون، ما إذا كانت المواقف المؤيدة لأوروبا سوف تتمكن من فرض ذاتها، أو أن تنعكس أجواء وتوجهات ونتائج الانتخابات الوطنية في الآونة الأخيرة علي انتخابات البرلمان الأوروبي. وهذا سوف يقود إلي أن تخسر أحزاب الوسط السياسي العديد من الأصوات، بينما تكسب الأحزاب القومية والشعبوية المزيد من التأييد. والانتخابات يمكن أن تتحول إلي تصويت لصالح أو ضد المشروع الأوروبي، حيث يمكن أن تتراجع الوظيفة المهمة للبرلمان الأوروبي بصفته هيئة الرقابة والتشريع إلي لعب دور ثانوي. علماً بأن هذه المهمات البرلمانية يجب أن تكون سببا كافيا لمواطني الاتحاد لممارسة حقهم في التصويت. منذ 1979 تزداد باستمرار صلاحيات هذه المؤسسة العليا في الاتحاد الأوروبي. واليوم ترسخ البرلمان الأوروبي علي أنه مشارك أساسي في سن القوانين، وهو يتمتع بصلاحيات في الميزانية ويلعب دور الرقابة الديمقراطية في مواجهة مختلف مؤسسات الاتحاد الأوروبي. قرابة ال400 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي، مدعوون إلي المشاركة في الانتخابات التي سيتم تنظيمها في 27 بلدا عضوا في الاتحاد، بين 23 و26 مايو 2019. وفي الانتخابات الأخيرة (2014) شارك 42.6٪ الناخبين والناخبات في التصويت، بمشاركة البريطانيين آنذاك، الذين انتخبوا 73 من بين 751 عضوا في البرلمان. بعد تطبيق الانسحاب البريطاني "بريكست" لن تشارك البلاد في الانتخابات. في 2019 يتوقع الخبراء تحفيزا أكبر للمشاركة في الانتخابات. وما يبرر هذه التوقعات الشحن الذي يتم علي اعتبارها انتخابات تحديد المسار والاتجاه، إضافة إلي صورة الاستقرار الذي يتمتع به البرلمان الأوروبي. أحدث استقصاءات "اليورو باروميتر"، أو مؤشر أوروبا (ربيع 2018) يشير إلي أن 47٪ من مواطني الاتحاد يأملون أن يلعب البرلمان الأوروبي في المستقبل "دورا أكثر أهمية"، وبين أبناء 25 حتي 39 سنة في دول الاتحاد السبع والعشرين وصلت نسبة أصحاب هذه الأمنية إلي أقصاها، حيث كانت 49٪. منذ خريف 2018 يدعو الاتحاد الأوروبي من خلال حملة دعاية وتواصل عابرة للأحزاب، تحمل عنوان "هذه المرة سوف أنتخب"، وباستقلالية عن الأحزاب والأيديولوجيات السياسية، إلي المشاركة الديمقراطية والذهاب إلي انتخابات البرلمان الأوروبي. ويتضمن النداء لهذه الحملة أفكار: "نحن في أوروبا نواجه العديد من التحديات، من الهجرة إلي تحول المناخ، ومن البطالة بين الشباب وحتي حماية أمن البيانات. نحن نعيش في عالم يزداد تشابكا وعولمة باستمرار، كما تزداد المنافسة فيه كل يوم. الاستفتاء علي بريكست جعل من الواضح أيضا أن عضوية الاتحاد الأوروبي ليست أمرا أزليا لا رجعة عنه. وعلي الرغم من أن غالبيتنا تؤمن أن الديمقراطية من البديهيات، فإنها من حيث المبدأ ومن الناحية العملية تواجه اليوم المزيد من المخاطر باستمرار". في العديد من المدن الأوروبية ستقام خلال الأشهر القادمة فعاليات ونشاطات تحت عنوان "هذه المرة سوف أنتخب"، ويمكن للناشطين والداعمين المشاركة في هذه الفعاليات. سيناريوهات عديدة ويشير يوزف يانينج إلي وجود سيناريوهات مسبقة حول النتائج المتوقعة للانتخابات، فالبرلمان الأوروبي القادم يمكن أن يكون التجمع الأكثر تشاؤما في مسألة الاندماج منذ 1979. وفي حال خسرت المجموعتان الحزبيتان الأكبر جزءا مهما من أصوات الناخبين، فإن هذا قد يعني نهاية الائتلاف غير الرسمي بين الأحزاب الكبيرة، الذي يجمع حزب الشعب الأوروبي (E«P) الذي يضم أحزاب المحافظين وحزب الاشتراكيين الأوروبيين الذي يضم الأحزاب والبني الاجتماعية الديمقراطية "الاشتراكية" الشعبية (S&D) والذي سيطرت من خلاله هذه الأحزاب علي البني والمشروعات الأوروبية. وحاليا يشغل التكتلان 412 مقعدا من إجمالي 751 مقعدا. وفي حال خسارتهما الأغلبية المطلقة بعد انتخابات 2019، فإنه سيكون من الضروري عقد تحالفات وتشكيل ائتلافات جديدة، ينمو من خلالها دور وأهمية الكتل البرلمانية الصغيرة، مثل الليبراليين والخضر. خسارة السلطة بالنسبة للأحزاب الجماهيرية الكبيرة، يمكن أن يقود أيضا إلي حالات الغموض حول تركيبة وشكل قيادة المفوضية الأوروبية في المستقبل. أكثر حدة في هذا التحول الممكن في العلاقات والقوي تكمن، كما في غالبية الأزمات، فرصة جديدة للتشكيل والبناء. التركيبات والعلاقات الجديدة يمكنها أن تغير شخصية وطابع البرلمان الأوروبي. فمنذ انتخابات 2014 التي حقق فيها منتقدو أوروبا تقدما ملحوظا، باتت المناقشات ولهجات الحوار أكثر حدة. وقد بات الجدال حول أوروبا أكثر تناقضا وجدلية من أي وقت مضي، وقد أصبحت كل حجة تقريبا، مؤيدة للاندماج الأوروبي أو معارضة له موضوع نقاش في مجلس النواب، علي أرفع المستويات.. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدوره يتطلع إلي حركة أوروبية جديدة عابرة للحدود، علي غرار حملته (المسيرة) التي تكللت بالفوز في انتخابات الرئاسة الفرنسية، حيث كان في مواجهة التجمعين الحزبيين الكبيرينE«P و S&D. كما يريد الرئيس الفرنسي أيضا أن يكون هو صاحب الصوت والقرار الأساسي في الحملة الانتخابية، التي يريد أن يقودها علي أساس الصراع بين "الأوروبيين" و"القوميين". في هذا الصراع يريد ماكرون قيادة معسكر "الأوروبيين"، تماما مثلما فعل في مواجهة الجبهة الوطنية في فرنسا. تحديات هائلة علي صعيد علاقة الاتحاد الأوروبي بروسيا يري يفجيني بودوفكين، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة موسكو، في مقال بصحيفة "آر بي كا"، أن "أمام روسيا أعوام من الشك الأوروبي"، واستبعد إحراز تقدم في العلاقات بين موسكووبروكسل في 2019. وجاء في المقال: في السنوات القادمة، سوف تتطور العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي وفقا لسيناريو العطالة، كما يتوقع مؤلفو تقرير المجلس الروسي للشؤون الدولية المعنون ب"توقعات المجلس العالمية للأعوام 2019-2024". وكما يشرح خبراء مركز التحليل، فإن تنشيط التفاعل بين روسيا والاتحاد الأوروبي تعوقه "التحديات الداخلية الهائلة والتحول الجاري داخل الاتحاد".