أنهي حزب المحافظين البريطاني منذ يومين مؤتمره السنوي في مانشستر بشمال غرب انجلترا، في اجواء هيمنت عليها الانقسامات حول بريكست ومسألة قيادة تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية للحزب الذي اضعف بعد النكسات التي واجهها في الانتخابات التشريعية الاخيرة. وكانت انتخابات الثامن من يونيو الماضي كلفت ماي اغلبيتها البرلمانية وكذلك جزءا من سلطتها حيث بدت قبضتها علي السلطة ضعيفة. في الوقت الذي تواجه فيه صعوبات ايضا في مفاوضات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي بين مؤيدي بريكست المتشددين وانصار انفصال في الحد الادني، بينما تطالب المفوضية الاوروبية باجراءات عملية. ورغم تعهد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بإنفاق مليارات إضافية مازال يتعين عليها أن تخطو بحذر لتجنب توسيع هوة الخلاف داخل حزبها، حيث يخشي المتحمسون للخروج من الاتحاد الأوروبي من أن تقدم الكثير من التنازلات للاتحاد، وهو ما جعلها في موقف محرج قد يطيح بها من قيادة المحافظين. وظهرت الخلافات داخل الحكومة عندما لجأ الوزراء إلي وسائل الإعلام للحديث عن خلافاتهم ليس فقط بشأن البريكست، بل أيضا بشأن موقف الحكومة من التقشف إذ يشعر العديد من المحافظين بالقلق بشأن تنامي شعبية حزب العمال المعارض الرئيسي. وكان زعيم المحافظين السابق وليام هيج بين الداعين إلي التهدئة، محذرا من أن المستفيد الوحيد من الانقسامات هو زعيم حزب العمال جيريمي كوربين. وبعد موافقة الوزراء علي السعي لفترة انتقالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مارس 2019 صعّد وزير الخارجية بوريس جونسون من الضغوط علي ماي بعد انتقادها. وأكد خلال المؤتمر علي ان »الفترة الانتقالية يجب ألا تزيد عن عامين وإن بريطانيا يجب ألا تقبل أي أحكام جديدة للاتحاد أو محكمة العدل الأوروبية خلال الفترة الانتقالية» وأضاف: »يجب ألا تقدم بريطانيا مدفوعات لدخول السوق الموحدة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وألا توافق علي اتفاقات طوعية مع الأطراف لكسب حق دخول السوق الموحدة». وخلال المؤتمر الذي استمر أربعة أيام، اعتذرت ماي بسبب الاداء الضعيف لحزبها في انتخابات يونيو الماضي، عندما طلبت من الناخبين دعم قيادتها لعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. وطغي جونسون علي المشهد قبل أن تلقي ماي خطابها بعد أن أذهل بعض أعضاء الحزب في المؤتمر المقام بمدينة مانشستر بقوله إن ليبيا يمكن أن تكون دبي جديدة إذا ما تمكنت من إزالة الجثث. وهو تصريح اثار انتقادات شديدة له وتجددت الدعوات لاستقالة جونسون أو عزله وهي الدعوات التي كانت ماي تأمل اختفاءها بعد أن تعهد وزير الخارجية بالولاء لها في أعقاب طرح خطة خاصة به للانفصال عن الاتحاد الأوروبي. لكنها قالت إنها راضية عن جونسون ولا تريد أن يكون مجلس وزرائها مليئا ب»رجال موافقين علي طول الخط». ورغم ان مطالب جونسون لا تختلف كثيرا عن موقف ماي لكنها تزيد من الضغوط عليها ولا تترك مجالا في المحادثات لتفكيك علاقة بريطانيامع الاتحاد منذ أكثر من 40 عاما حيث يقول المفاوضون الأوروبيون إنهم لم يحققوا بعد تقدما كافيا للانتقال إلي بحث العلاقة المستقبلية بين الطرفين. وكانت ماي قد ضمَّنت خطابها في مدينة فلورنسا الإيطالية مؤخرا عددا من التنازلات ساعدت علي تحريك محادثات البريكست التي كانت عالقة. ومع ذلك، يستبعد أن يكون ذلك كافيا لتحريك المفاوضات المرتبطة بشق العلاقات التجارية. ورغم ان ماي اكدت في ختام المؤتمر أن حكومتها ترغب بإنجاح مفاوضات بريكست، إلا أنها مستعدة للتعامل مع اي سيناريو معاكس. وجاء حديثها بعد يوم علي تبني البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة قرارا يدعو إلي تأجيل المحادثات التجارية مع بريطانيا لعدم تحقيق المفاوضات تقدما كافيا. وانتقد نواب البرلمان الأوروبي حكومة ماي وأشاروا إلي أن الخلافات الداخلية بين وزرائها تعرقل المحادثات المتعلقة بالمسائل الأساسية المرتبطة بالانفصال بما في ذلك فاتورة خروج بريطانيا من التكتل. ودعا القرار قادة الاتحاد الأوروبي إلي تأجيل قرار الانتقال إلي المرحلة المقبلة من المحادثات، والذي كانوا سيتخذونه خلال قمة في 19 اكتوبر الحالي إلا اذا تم تحقيق »اختراق هام». وتواجه ماي سخطاً آخر من أعضاء حزبها »المحافظين» أيضاً، وهو ما ظهر في المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام، والتي تفيد بأن قادة الحزب ينتظرون أن تُخطئ ماي في مقاربتها ل»بريكست» كي يعيّنوا بديلاً لها، حتي أنّهم بدأوا بالبحث عن أسماء لتحلّ مكانها. ومن آخر الشخصيات المطروحة، وزير ال»بريكست» ديفيد ديفيس. في غضون ذلك، بدأت بروكسل مخاضاً من نوع آخر، مع إعلان كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفقا علي الأولويات والجدول الزمني ل»بريكست». واتفق الجانبان خلال لقاء بين بارنييه وديفيس علي عقد أربع جولات شهرية من المفاوضات، بما في ذلك فاتورة الانفصال وحقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا ومستقبل إيرلندا الشمالية. وأضاف أن الهدف هو إحراز تقدّم يكفي لجعل قادة الدول الأوروبية ال27 الأخري يتفقون علي الانتقال إلي محادثات حول علاقة مستقبلية مع بريطانيا، بينها اتفاقية تجارية. وفيما يبدو الاتحاد الأوروبي في وضع مريح ضمن هذه المفاوضات، يري عدد من المراقبين أن الوقت الذي تحتاجه خطة ماي لل»بريكست» أكبر من المتوافر. وبالتالي، سيكون عليها القبول بخطة التسلسل الموضوعة من قبل الاتحاد الأوروبي، ما يعني التعامل مع المادة 50 القاضية بالطلاق مع الاتحاد، قبل مناقشة اتفاقات تجارية جديدة. ووفق مجلة »ذي إيكونومست»، سيُحتّم ذلك علي الطرف البريطاني أن يكون أكثر كرماً، خصوصاً تجاه مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا وأيضاً في ما يتعلق بالمبالغ اللازمة لدفع فاتورة خروج ال»بريكست». ولكن حتي مع ذلك، فإن المفاوضات بشأن شراكة تجارية عميقة وخاصة ستأخذ وقتاً أطول، أي أنها لن تُحل قبل انتهاء الوقت المحدّد. لذا، من أجل تفادي عدم الحصول علي صفقة، يجب اللجوء إلي فترة انتقالية، أي التوصل إلي نوع من الاتفاق قبل خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس 2019، وإلا فستكون النتيجة عبارة عن خروج فوضوي يمكن أن يضرّ، كثيراً، بالاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. • مروي حسن حسين