برانسون بعد الإفراج عنه بعد عامين من الأخذ والرد بين أنقرةوواشنطن، أصدر القضاء التركي قراره بسجن القس الأمريكي أندرو برانسون لمدة 3 أعوام وشهر و15 يوما مع وقف التنفيذ ورفع الإقامة الجبرية وحظر السفر عنه، كما خيرته المحكمة بين البقاء في تركيا أو المغادرة وهو ما اختاره وغادر بالفعل تركيا عائدا لبلده، ليسدل الستار علي القضية التي اتهمت فيها السلطات التركية القس برانسون بتهم متعلقة بالإرهاب ومساندة الانقلاب الفاشل ومساعدة حزب العمال الكردي وجماعات مسلحة مناوئة لأردوغان ، وهو الأمر الذي أدي لتوتر شديد في العلاقات بين تركياوأمريكا وليبقي السؤال: لماذا رفع أردوغان الراية البيضاء بعد تصريحاته النارية ومواقفه العنترية التي ملأ بها العالم ولعامين كاملين؟ وقبل النطق الأخير بالحكم، انتشرت الأخبار داخل تركيا بأن هناك 4 شهود في القضية وأنهم تراجعوا عن شهاداتهم السابقة وهو ما سيؤدي بالضرورة لنقض الأحكام السابقة وإطلاق سراح الرجل وفق صفقة تركية أمريكية لم يعلن عنها حتي الآن، وبشكل قانوني يحفظ ماء وجه أردوغان ، وهو ما أكدته صحيفة نيويوريك تايمز الأمريكية بقولها إن أنقرة تنتظر رد الجميل من واشنطن، وبأن هناك صفقة لإطلاق سراح هاكان أتيلا النائب السابق لمدير بنك خلق بنك التركي، الذي تم اعتقاله منذ نحو العام، وأدين بتهمة انتهاك الحظر الأمريكي علي إيران، وقد كانت الصفقة علي وشك التنفيذ في يوليو الماضي، إلا أن أردوغان طالب أمريكا بضمانات بعدم تعرض تركيا مستقبلا لأي ملاحقات بسبب انتهاك العقوبات الأمريكية المفروضة علي إيران وهو الأمر الذي رفضته السلطات الأمريكية.. كما رفضت أمريكا عند بدايات القضية صفقة لإطلاق سراح القس برانسون مقابل تسليم رجل الدين المعارض اللدود لأردوغان : فتح الله كولن وهو المقيم في أمريكا منذ سنوات.. كما تأمل أنقرة- حسب نيويوريك تايمز- في رفع الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضتها إدارة ترامب في أغسطس الماضي، وسياسيا يريد أردوغان أن تساعد عملية إطلاق سراح القس في تغير ولو طفيف في الموقف الأمريكي تجاه الوضع التركي وتدخله العسكري في الشمال السوري وخاصة في إدلب، وفي المساندة العسكرية الواضحة الأمريكية لقوات كردية تركية تحارب في سوريا، وتراها تركيا تهديدا حقيقيا لأمنها القومي. والثابت هذه المرة.. أن قضية القس الأمريكي برانسون ليست المرة الأولي التي يرضخ فيها أردوغان بعد شهور طويلة من مواقفه الصلبة المعلنة فقط، دون نواياه الحقيقية وكان قد رفض من قبل إطلاق سراح القس رغم المطالبات الأمريكية المتكررة، وعبر عن ذلك بعبارات شديدة، إلا أن شدة الضغوط الأمريكية ساهمت في تكسير صخرة الرفض التركي وهو ما كان يتوقعه الكثير من المراقبين سواء في أمريكا أو داخل تركيا ذاتها. فأردوغان.. لم يفعل ذلك ويرضخ لأول مرة، بل سبق ذلك تراجعه من قبل عن تهديداته حينما قدم اعتذارا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق الأجواء التركية، علي الرغم من أن الطائرة اخترقت المجال الجوي التركي، وفيما يعد انتهاكا للسيادة التركية.. ووقتها غضبت موسكو وأعلنت عن حزمة من العقوبات ضد أنقرة، مما اضطر أردوغان لتقديم الاعتذار، وظهر هذا التراجع في لغة التهديد والوعيد أيضا، عندما تراجع أردوغان في حادثة سفينة كسر الحصار عن قطاع غزة، التي راح ضحيتها عدد من النشطاء كان بينهم عدد من الأتراك، غير أن اتفاقا إسرائيليا تركيا، أدي إلي تراجع أردوغان عن شرطه لإعادة العلاقات بتقديم تل أبيب اعتذارا رسميا عن الحادثة، وهو الأمر الذي لم يحدث، لتعود العلاقات بين البلدين أفضل مما كانت خاصة في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية. ورغم ذلك فإن إطلاق سراح القس برانسون وعودته لبلده، لن يحل كل المشكلات بين تركياوأمريكا، وإن كان قد أكد أن تهديدات ترامب ومواقفه المتشددة ضد أردوغان قد نجحت بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والتي أدت لخنق الليرة التركية وهبوطها لمعدلات تاريخية، كانت تنبئ بكوارث إذا استمر الوضع الاقتصادي التركي علي ذلك المنوال، والدليل علي ذلك.. كما تقول مجلة الأيكونوميست البريطانية.. أن الليرة استعادت نحو 30 بالمائة من قيمتها بمجرد الإعلان عن إعادة محاكمة برانسون، والتسريبات حول إمكانية رفع حظر السفر عنه والإقامة الجبرية وإطلاق سراحه وعودته لأمريكا. كما أن إطلاق سراح برانسون أثبت أن القانون التركي ليس علي ما يرام، بداية من اعتقال برانسون التعسفي دون أي دليل مادي، ومنعه من توكيل محام عنه لفترة طويلة خلال فترة احتجازه، والاعتماد علي شهود مجهولين لإدانته، سحبوا شهاداتهم بعد ذلك بمجرد توصل الجانبين التركي والأمريكي علي ما يبدو لعقد صفقة لإطلاق سراحه وهو ما يلقي بظلاله علي تدخل سياسي ما في القضاء التركي. أضف لذلك.. أن كلا من حلفاء ومعارضي أردوغان ، صبوا جام غضبهم عليه بعد القرار، ومغادرة برانسون تركيا عبر مطار عدنان مندريس بمدينة أزمير وعلي متن طائرة خاصة اتجهت به لأمريكا مرورا بألمانيا، وهنا أظهر معارضوه أن أردوغان رجل منافق صور القس برانسون بأنه داعم للإرهاب، وأن ضغوطا خارجية قد مورست علي أردوغان لإصدار القرار.. وأكدت ذلك بتصريح لوزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيدو قبيل القرار بالإفراج بنحو 36 ساعة بأنه سيفرج عنه، وقالت ميرال أكشنار زعيمة حزب الخير المعارض بأنه إذا كان برانسون جاسوسا فكان يجب محاكمته بالسجن 30 عاما وليس ل 3سنوات وعدة أشهر؟ بينما سخر نائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض بقوله: "ضغطت ميركل علي أردوغان فتم إطلاق سراح الصحفي الألماني يوجيل التركي الأصل، وضغط ترامب عليه وتم إطلاق سراح القس وبعد ذلك يقولون "تركيا دولة قانون".