المتحدثون في الملتقى نظمت جمعية »منتدي مصطفي عزوز لأدب الطفل» الثقافية بتونس مؤخرا؛ لقاء مع المبدعين اليافعين والكبار ومع عدد من الأساتذة والباحثين والمبدعين في اختصاص أدب الطفل، وخلاله وُزِّعَت جوائز مسابقة المنتدي لأدب الطفل التي تحمل اسم أديب الأطفال التونسي الراحل »مصطفي عزوز». وعلي سير عادة المنتدي، فقد أقيم ملتقي عربي لأدب الطفل بالتعاون مع مؤسسة »البنك العربي لتونس»، ووزارتي الثقافة والتربية بتونس لتعزيز مجالات الإبداع الأدبي الموجه للطفل وحمل الملتقي في دورته التاسعة عنوان »القصة التاريخية الموجهة لليافعين». بعض المنجز وأفق المأمول يُعقد الملتقي علي هامش الجائزة لتكون أشغاله بمثابة الإطار النظري للتباحث وتقديم مجموعة من التجارب العملية في مجال الكتابة الموجهة للأطفال العرب وتحقيق التفتح علي الحداثة الكونية والتأصيل في الجذور الخاصة من غير انغلاق . وتنجز هذا النشاط الثقافي الثري والمتمثل في الملتقي، وبانتظام، جمعية “منتدي مصطفي عزوز لأدب الطفل” في تونس، بدعم مادي ومعنوي من »البنك العربي لتونس» بهدف التحفيز علي الكتابة والابتكار في أصناف الإنتاج الأدبي والفكري الموجه للأطفال وتعزيز الملكات الإبداعية لديهم تحريرا وفنونا وجماليات. يري المنظمون أن الغاية من الاهتمام بالقضية محور المؤتمر، هي تجذير الأطفال العرب في بيئتهم الخاصة وربطهم بتاريخ بلادهم وجعلهم يدركون أهمية الروافد التاريخية الإنسانية في بناء الذات والتعامل مع تاريخها . ثمان محاضرات علمية خُصص اليوم الأول لملتقي علمي حاضر فيه جامعيون ومبدعون في أدب الأطفال تمت مناقشاتهم بمستوي من الواقعية الإبداعية والاجتماعية بلغ الحدة أحيانا، شعورا من المتدخلين بأن اللحظة العربية الراهنة حرجة فكريا وسياسيا وتربويا. وقدم بعض المبدعين في مجال الكتابة الموجهة لليافعين شهادات عن تجاربهم وقرءوا البعض من نصوصهم علي المشاركين . وتابع الحضور من الجامعيين والمبدعين واليافعين الأدباء وعائلاتهم وأصدقائهم، والمهتمين بأدب السرد علي الخصوص، ثمان محاضرات علمية قدمها أساتذة وجامعيون وباحثون مبدعون من تونس هم محمد آيت ميهوب (مدير الندوة)، د.جليلة الطريطر، د.لطفي عيسي، إسماعيل الشعيبي، شفيق الحندوبي، ومن الجزائر د. العيد حلولي، ومن المغرب د.حسن لشكر، ومن مصر الشاعر أحمد سويلم. ومن النقاط البارزة التي أثيرت في المحاضرات بشأن التاريخ والكتابة لليافعين نخلص إلي أنه لابد النهوض بالقصة التاريخية الموجهة إلي اليافعين بهدف إزالة الغبار عن لحظات تاريخنا المشرقة الكثيرة، ولتجذير الطفل العربي في بيئته الخاصة ووصله بالروافد التاريخية الإنسانية عموما، إضافة إلي تعويد رجل الغد علي التعامل مع تاريخ الذات وتاريخ الآخر علي حد سواء بموضوعية نقدية ومن دون تقديس ولا تبخيس، وكذلك التصدي لمن يحرّف التاريخ أو يقولبه للسيطرة به علي عقول الناشئة العربية لإخراجهم من صيرورة الزمن الماضي والحاضر والمستقبل. الملاحظ من ناحية زمنية هذا الإبداع أن الرواية التاريخية بدأت في العالم العربي خجولة علي أيدي »جورج زيدان» الذي يحسب له أنه حاول أن يحدث توازنا بين التاريخ والخيال، علما بأن نشأة هذا الجنس من الروايات كانت في أوروبا ثم كان انتشارها في كل البلدان، ومن هنا فإن الشعوب تتعرف إلي ذاتها وتحاورها في مرآة هويتها السردية باعتبار أن كتابة الذاكرة الجمعية في علاقتها بالهوية من صلب الكتابة التاريخية، ويتولد عن تطور القصة التاريخية حتما أن السرد التاريخي القصصي لا يقوم أساسا علي المتعة فقط ، بل إنه يوظف جماليات القصّ لإحياء عوالم غابرة ببثّ الروح فيها انطلاقا من المرويات التاريخية المترسبة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، وهذا الجنس لا يسيّج جماهير المتلقين في التاريخ بقدر ما يستلهم منه الصور المشرقة و يجعله متجها، و بمثابة بوصلة، إلي قراءة الحاضر وإقامة جسور بين المتلقي وهذه الصور الرموز، ووصله بالروافد التاريخية والثقافية المنيرة. القصة التاريخية إنما تتم كتابتها بهدف معالجة موضوع تاريخي مرجعي في عمل تخييلي، تعبيرا من الكاتب عن رؤيته للكون والحياة والناس معا، وهذه القصة المخصوصة تنطوي علي مغانم تربوية عديدة، فهي أداة لتنمية الخيال لدي الأطفال عبر أزمنتها وأمكنتها المفتوحة وشخصياتها الخارقة للمعتاد، بما يجعل منها سندا لتكوين شخصية الطفل ووسيلة استبطان قيم المجتمع المعيش والقيم الكونية المشتركة،.وبها ينشد المربّون تنمية خيال الطفل وتكوين شخصيته باعتبار الطفل أبا للكهل. جوائز وتوصيات في الدورة التاسعة للجائزة العربية »مصطفي عزوز» لأدب الطفل، وموضوعها »القصة الموجهة لليافعين»، ترشح خمسة وأربعون نصا موزعة بين القصة التاريخية والإنتاج الحر. ومنحت لجنة التحكيم المتكونة من أساتذة جامعيين ومبدعين تونسيين، بعد ثلاث جلسات، جوائز الدورة إلي أربعة نصوص، منها نص في القصة التاريخية، و نص ان في الرواية ذات الموضوع الحر، والرابع في أعمال الشبان. فازت بجائزة القصة التاريخية؛ رواية »الميرانتي أمير البحار» لمؤلفها د.أحمد خالد توفيق من مصر، والذي وافته المنية في أبريل الماضي، لما تتميز به من طرافة في الأسلوب ومن محاورة للتاريخ ومحاولة إعادة قراءته وتصحيح ما تسرب إليه من أخطاء بإنصاف أحد أهم ربابنة البحار العرب، أمير البحار »ابن ماجد»، وللقدرة علي الإشارة الذكية إلي ما تلا وصول »فاسكو دي جاما» إلي الهند من تغيرات كبري في الوضع الدولي ونشاط الحركات الاستعمارية. أما الجائزة في القصة ذات الموضوع الحر فذهبت لرواية »لا فائدة» لمؤلفها أحمد قرني شحاتة من مصر، لما تميزت به من ملاءمة للفئة العمرية المستهدفة، ومن جدة في الموضوع، علاوة عن استجابتها لمقاييس السرد الفنية، وتوفرها علي قدر لا يستهان به من التشويق يمكنها من شد اهتمام القارئ. كما أنها تحث علي القيم الإيجابية والدعوة إلي العمل والصدق والمسئولية. بينما ذهبت الجائزة الثانية لرواية »حسان وحارس الكنز» لمؤلفها نور الدين بنبوكر من تونس، لملاءمتها المستوي الذهني للفئة المستهدفة، وهي تتميز بحبكتها السردية وقدرتها علي المزج بين الواقعي وبين التخييلي - الاسطوري - في لغة متماسكة سليمة، فضلا عن كشف عالم »الفسفاط » وتاريخه وأخطار دواميسه، ونمط حياة أهله من غير أن تسقط في الخطاب المباشر أو أن تفقد القدرة علي التشويق. وفي جائزة الناشئة اكتفت اللجنة بجائزة واحدة وحجبت الجائزتين الثانية والثالثة لغياب النص المستوفي للشروط، واختارت قصة »الورقة الأخيرة » من تأليف مني فتحي بن علي، وذلك لجودة بنائها وسلامة لغتها وبعدها الإنساني، والرسائل الإيجابية التي تحملها دعوتها لمقاومة المرض وعدم الاستسلام للهزيمة، ويضاف إلي ذلك روح التعاون التي أظهرتها الشخصيات. وفي النهاية؛ أشارت لجنة التحكيم إلي قلقها لما جاء في بعض الأعمال من مشاهد دموية مبالغ فيها ومن مضامين خطيرة مثل الانتحار والتشجيع علي مقاومة الفنون. وأوصي أعضاؤها بمزيد من التأليف للفئة العمرية بين 12 و16 سنة والاقتراب أكثر من مشاغلها وتفكيرها بناء علي ما للأدب من دور في صقل شخصيات اليافعين خلال هذه السنوات وفي هذه المرحلة العمرية المفصلية.