تعتمد القصيدة الحُرة -من وجهة نظري- علي عامل النَفَس الشعري عند تقسيم السطور وتوزيعها علي هيئة شطرات، بمقتضاها يستطيع الشاعر أن يجعل القاريء في حالة تواصل واندماج معه. فعامل النفس الشعري هو العامل الموازيِ للوزن والتقطيع والتشطير فاكتمال النفس الشعري عند القارئ، أثناء قراءة سطور القصيدة يعطي ارتياحا وإحساسا بديلا لقواعد القصيدة الخليلية. ففي قصيدة »شمس سكبت شعائرها علي كتفي» وهي القصيدة الأولي في ديوان »يحمل الموت علي كفيه» للشاعرة هبة أنور حزين، التي جاء فيها..... »وعلي لحم القمر الساجد في أحضان الفجر الذي يحبو علي ركبتيه في معطف السماء». تجد أن السطر الذي تقول فيه »الساجد في أحضان» كان يجب أن يكتمل بإضافة »الفجر» من السطر التالي إليه، حتي يتحقق اكتمال النفس الشعري، وكذلك في »الذي يحبو علي» كان يجب أن تضاف »ركبتيه» إلي السطر لنفس الغرض، ولكن توزيع الكلمات وتداخلها في الأسطر بهذه الطريقة يجعل القارئ في حالة لهاث جريا وراء الكلمات. وعلي الرغم من أن الشاعرة نجحت في استخدام عامل النفس الشعري في بداية قصيدة »طقوس العنكبوت» عندما قالت في مطلع القصيدة: »أهش طقوس العنكبوت من علي مرآتي المصلوبة» إلا إنها سرعان ماقامت بما قامت به في القصيدة الأولي، عندما قالت: »أركض أسفل جدران الحنين كخيل يركض وراء الغيم الهارب من وشاح الليل الطويل» نجد أن عروج كلمة »الحنين» إلي السطر التالي لم يجعل النفس الشعري يكتمل عند قراءة السطر الأول، الأمر الذي جعل الشاعرة تدفع القاريء ليعرج لاهثا بحثا عن إكتمال النفس في الكلمة التي رُحّلت للسطر التالي. وكذلك الحال يتكرر في قصيدة »زحام الخطايا» »كم أكره رفات النهود الحبيسة في أحجياتك التي تتشح بثوب الخديعة المرقع في فمك اللعوب» فزحف الكلمات يتضح في »الخديعة» التي لم تضع نهاية للسطر السابق الذي يقول »التي تتشح بثوب» حتي تتحقق غاية عامل اكتمال النَفَس الشِعري. إن القارئ لديوان هبة أنور، يلفت انتباهه أن مفرداتها تخلو من المفردات الجنوبية، وهي ابنة الصعيد الجوّاني المولودة في قرية السمطا قبلي بمركز دشنا بمحافظة قنا، ربما لأنها عاشت فترة من عمرها في مدينة الإسكندرية، بحكم عمل والدها قبل العودة إلي الجنوب بعد خروجه علي المعاش، كما أن القارئ لأشعار هبة أنور يلاحظ أنها تكسر المألوف بجرأة شديدة، وتستخدم مفردات دون محاذير للتعبير عن مشاعر الأنثي، ويتضح ذلك من خلال قصائدها »رسالة من عاشقة» و»خريطة للكحل» ففي قصيدة رسالة من عاشقة تقول: »فكلما عانقتني أكبر أكثر كلما لامستني شفتاك أثمر» وتقول في قصيدة »خريطة للكحل»، التي تحاور فيها الأب، كتعبير عن اختلاف الأجيال، والتي تبدو فيها أكثر تحررا وجرأة في التعبير عن المشاعر:»خبرني ماذنبي ياأبي خبرني ماذنبي لو أبلغ سن العشرين ويحط طائر الكناريا علي خصري لو أغسل النهد في أودية البرقوق وماء الشعر»؟! ويبدو واضحا التحرر والجرأة في قصيدة »اقترب ياعمري» عندما تقول: »اقترب لتجني ثمري وأجني ثمرك ماذا لو تبلعني رياحك وتسكن حمائمي قصرك»؟! وتقول أيضا في نفس القصيدة: »اقترب ياعمري لتطفئ رياحك جمري وأغتال فيك أحزانك وأرمي في قلبك سِري إقترب لتحرر شفتاك أسري وليعظم حبك أجري فهل ستقترب ياعمري»؟! يحسب للشاعرة في ديوانها الأول الصادر في 2018 عن دار يسطرون لغتها الرصينة وانتقاؤها للمفردات بعناية، فعلي الرغم من سنها الصغيرة لم تنجرف لحالة الهيام والشكوي من تهدل للجفون واحمرار العيون من سهر الليالي، لعد النجوم انتظارا لعودة الحبيب الغائب. ويحسب عليها أنها متأثرة بنزار قباني في كتاباتها واستخدامها لمفردات من قاموس نزار قباني مثل (المعطف، الزورق، النهد، الخصر، قنينة الجدائل)، حتي أن أحد عناوين قصائدها »رسالة من عاشقة» يتطابق مع قصيدة »رسالة من سيدة» التي تغنت بها الفنانه فايزة أحمد. وكذلك قصيدة »رسالة إلي رجل شرقي» تتطابق أيضا في العنوان مع قصيدة نزار قباني »رسالة إلي رجل ما»، وإن كان يحسب للشاعرة في القصيدة نبرة الاعتزاز بأنوثتها: »مغرورة أنا من قال متواضعة إني آخر المتواضعات فمراكبك ياصغيري غرقي في محيطاتي»؟! الأمر الذي يجعلنا نهمس في أذن الشاعرة الشابة هبة أنور، وننبه علي وجوب استقلال شخصيتها الإبداعية، بعيدا عن التأثر بمبدع آخر، حتي لاتنطفيء وتظهر باهتة، مثلما بدت الشاعرة سعاد الصباح بجوار نزار قباني.