مركز الإرشاد النفسي بجامعة قناة السويس يعقد اجتماعه الدوري    آخر تحديث...أسعار الذهب اليوم الأربعاء في منتصف التعاملات    شوبير يوضح حقيقة عرض الدوري الأمريكي لوسام أبو علي: لا مفاوضات رسمية حتى الآن    مباحثات مصرية إيطالية لتعزيز التعاون المشترك فى مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بختام جلسة الأربعاء    174 ألف طن.. محافظ القليوبية يتابع إزالة كميات هائلة من المخلفات أسفل محور العصار    ‌الاتحاد الأوروبي يعرض المساعدة في مكافحة التلوث الكيماوي والنووي في إيران    حزب مصر أكتوبر: كلمة مصر في الأمم المتحدة صوت للعدل والإنسانية والموقف الثابت    صحة غزة: إسرائيل تمنع وصول إمدادات الوقود إلى مستشفيات القطاع    قرار مهم من "التعليم" بشأن تطبيق النموذج العربي للجودة AMQEE - مستند    الإسماعيلي ليلا كورة: أحمد العجوز يقود الفريق لحين حسم ملف المدير الفني    غارات إسرائيلية تستهدف عدة مواقع شرق العاصمة الإيرانية طهران    أول تعليق من صلاح الشرنوبي بعد وفاة نجله    محافظ الدقهلية: 1224 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب37 درافيل مركز بلقاس    عمليات قلب مفتوح وقسطرة علاجية للمرضى الأولى بالرعاية بمحافظة كفر الشيخ    هل يمكن علاج النقرس بشاي الكركدية؟    مينا مسعود: أحمد السقا أكبر نجم أكشن مش توم كروز    إحالة مدرس بالإسكندرية لمحكمة الجنايات بتهمة التعدى على طالبات    للمرة الثانية.. الإعدام شنقاً لربة منزل لقتلها أماً ونجلها حرقاً بقليوب    حميد الشاعري ونجوم التسعينات في حفل افتتاح المسرح الروماني بمارينا    ب290 دينار شهريا.. بدء اختبارات المتقدمين للعمل بمهنة «تربية الدواجن» في الأردن (تفاصيل)    الأعلى للإعلام: استدعاء الممثليين القانونين لعدد من القنوات الفضائية بسبب مخالفة الضوابط والمعايير    بالأسماء.. موعد الاختبارات التحريرية المركزية للمسابقة العالمية ال 32 لحفظ القرآن الكريم    قصور الثقافة تواصل برنامج مصر جميلة لتنمية المواهب بمدينة أبو سمبل    «بينهم سيدة».. تأييد السجن 3 سنوات لمتهمين بحيازة المخدرات في بني مزار بالمنيا    ما حكم الصلاة الجهرية بالقراءات الشاذة؟.. الإفتاء تجيب    خبيرة الطاقة: «الساعة الذهبية قبل مغرب الجمعة» طاقة روحانية سامية    إصابة طالب ثانوي عامة صدمه قطار في قنا    فليك يجتمع مع شتيجن لحسم مصيره مع برشلونة    أمازون تستعد لإنتاج مسلسل يتناول حياة سيدنا يوسف في مصر    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    تحذير هام من «المالية» بشأن صرف مرتبات العاملين بالدولة لشهر يونيو 2025    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025.. تعليم دمياط تستعد لإعلان النتيجة بعد قليل    ضبط 4 طن لحوم ودجاج مجهول المصدر ومنتهي الصلاحية بالشرقية    رسميًّا.. ضوابط جديدة للمدارس الخاصة والدولية بشأن توزيع الكتب    سفير إيران: إذا ثبت لدينا تورط واشنطن بالحرب فسنبدأ بالرد عليها    تعرف على جدول مباريات مانشستر سيتى فى الدورى الإنجليزى موسم 2025 - 26    السحر والسحالى    مش بس نور الشريف.. حافظ أمين عاش بمنزل السيدة زينب المنهار بالدور الأرضى    المصرف المتحد ضمن قائمة فوربس لأقوى 50 شركة في مصر خلال 2025    نسبة خصم المصروفات المدرسية لأبناء العاملين بالتربية والتعليم 2026    هيئة الرقابة النووية: مصر آمنة إشعاعيًا.. ولا مؤشرات لأي خطر نووي    حبس معلمة 4 أيام بتهمة محاولة تسريب امتحان ثانوية عامة بالشرقية    "شرط غير قانوني".. مفاجأة مدوية حول فشل انتقال زيزو ل نيوم السعودي    «أبرزهم بيرسي تاو».. شوبير يؤكد مفاوضات الزمالك مع ثلاثي أهلاوي    شوبير يكشف حقيقة مفاوضات نادٍ أمريكي مع مهاجم الأهلي وسام أبوعلي    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    طلاب تجارة عين شمس يحصدون منحة "إيفل" الفرنسية للتميز الأكاديمي    محافظ دمياط يناقش ملف منظومة التأمين الصحى الشامل تمهيدا لانطلاقها    أسعار النفط تواصل الصعود مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل    طقس اليوم الأربعاء.. انخفاض جديد في درجات الحرارة بالقاهرة    طريقة عمل الحجازية، أسهل تحلية إسكندرانية وبأقل التكاليف    السلطات الإيرانية تمدد إغلاق الأجواء في البلاد    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    إعلام عبري: أنباء عن سقوط صواريخ في مواقع وسط إسرائيل    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضالتي للانتصار علي كل شيء
نشر في أخبار السيارات يوم 24 - 03 - 2018

قد يتعذر تذكر بدايات الأشياء، كأول كتاب قرأته، أو أول مرة أمسكت فيها القلم وكتبت كلمات تخصك. ثمة صور تتداعي دائما توحي بأنها البدايات، صور مختلطة، بمجرد أن تتراءي لك، تدرك أن هناك مقدمات سبقتها ولكنها سقطت في عتمة الذاكرة. أما فيما يتعلق بالموسيقي فالأمر يختلف، وتحديدًا، متي أدركت حاجتي الملحة لها؟ فعند هذا السؤال، يظهر أمامي مشهد واضح، بكامل تفاصيله، ربما لأنه يشكل -بالنسبة لي- حدا فاصلا بين حياتين، ما قبل الموسيقي وما بعدها.
ذات يوم، كنت منغمسة في العمل -أنا ممن تستغرقهم الأشياء- وكنت قد انتهيت بالفعل من الكثير، ولا يزال أمامي الكثير، كنت مثقلة، هذا ما لم أكن أعيه لولا أن انسابت الموسيقي فجأة في المكان، ووجدتني ارتكن بكفي علي ذراع المقعد بعد أن تراخت أصابعي علي القلم، القلم الذي سقط بفعل التراخي.
بوسعي أن أصف ما أحسسته حينها، لقد انتبهت لخبط قوي في رأسي، كان موجودا طيلة الوقت، ربما ذلك الوجود المستمر هو ما يطمس وطأة الأشياء، مثلما يحدث حين ينام العامل ملء جفنيه علي الرغم من هدير الآلات، إنها تلك الألفة التي تأتي تدريجيا مع تصاعد المنبهات! ما حدث يومها كان معجزة بالنسبة لي، شيئًا فشيئًا تراخت المسافة بين كل خبطة وخبطة، وكلما اتسعت المسافة والتقطتُ أنفاسي، أدركت كم كان بشعًا التواءم مع هذا القدر من التشوش. بعد عدة دقائق توقف الخبط تماما وانبسط شيء كان معقودًا بقسوة بين حاجبي، ثمة رفة لجناحين، أزعم أني سمعتها بأذني ورأيتها عبر عينين نصف مغمضتين!
هذا اليوم اعتبرته بداية لتأريخ موسيقي، وفاصلا بين مرحلتين، لقد أدركت مدي حاجتي لهذا اللون من التعبير، وعرفت وسيلتي للتغلب علي فائض القلق الذي يتحول دون وعي مني إلي خبطات تشبه المطارق فوق جمجمتي مباشرة.
يبدو الإيقاع وكأنه جوهر كل شيء، ما علينا سوي أن نحسن الإصغاء، فهذا ضجيج لابد من إخضاعه، ليس بعنف ولكن بتؤدة، حينها ندرك مدي هشاشته وكم كان سهلا محاولة اختراقه، فلم يكن إلا خليطًا من الأصوات!
الخارج والداخل كأنهما وجهان لعملة واحدة، فكما يخترقك الضجيج عبر وسيط من الأشياء التي دفعت ثمنها من جيبك الخاص لتصبح هاجسك الطنان ليل نهار، كصوت الثلاجة، ماتور المياه، تكتكات عقارب الساعة، خروشة أدواتك، أثاث بيتك، هاتفك. كيف رضينا بالتعايش مع كل هذا الصخب! أيضًا هناك جلبة تأتي من الداخل، ذلك السرد المتصل المصحوب بالصورة لشريط حياتي، جملٌ تعلق دائما من حوارات آخرين، جملة بعينها تتردد كما لو أنها ترتطم بألف حائط، السرد الداخلي يصطحبك ليل نهار، ولا يكف عنك حتي عند النوم، نحن مسحوقون بينهما!
كيف يتسني لك الضغط علي زر ما لإيقاف هذا؟ هل لتلك الكتلة الصلبة من الأصوات، تفريغ ما؟ كيف يمكنك تذويبها؟ والانتباه لإيقاع آخر من القرب بحيث لا يمكنك الالتفات له، إيقاع في كل شئ، ألتقطه بمجرد أن أحسن التغلب علي ذلك الحاجز من التنافر الصوتي، أخفت من صوت البائع في الصباح، إنه لطائر مرق قرب نافذتك صادحًا بنغمة ما، قد تكون الأرض عاكسا قويا للأصوات، ولكنك إذا ما روضت أذنك، ودربت حواسك علي الالتقاط، أمكنك تذويب الجميع وسماع الإيقاع وحده، لقد وجدت في الموسيقي ضالتي للانتصار علي كل هذه الأشياء.
استيقظ من النوم علي صوت الموسيقي التي نمت علي وقعها بالأمس، خيط رهيف أدي مهمته كما ينبغي وسحبني بهدهدة إلي النوم، أرغمني علي التمايل ولو برأسي وأنا أعد الفطور وأشرب فنجان قهوتي الأول، علي جعل تفاصيل يوم آخر أكثر احتمالا، لقد بات اليوم بالنسبة لي نوعاً من الضجيج يجري علي خلفية موسيقية.يصعب أن تكون الأغنية خلفية مثالية للكتابة كما يزعم البعض، كلمات تتداخل مع كلمات، يستحيل مثلا أن تتنصر لصوتك علي حساب صوت شادية أو فريد أو وديع أو فيروز! ولكن الأمر يختلف تماما مع الموسيقي، علي الرغم من عدم قدرتي علي فرضها في محيط الأسرة بسهولة، فشريكي مولع بالغناء، والكارثة الكبري أنه لا يكتفي بصوت المطرب، بل يحلو له أن يدندن معه! أما مع الموسيقي، فالفرادة تكمن هنا في التجاوب مع الإيقاع، أن تنم كتابتك عن خلفية موسيقية، وبخاصة في الشعر، وهذا لا يعني أن وسائل التعبير الأخري ليست بحاجة إلي ايقاع، أري أن نطق الكلمات في حديث عابر يحتاج إلي إيقاع ما، اللغة العربية مكتنزة بالإيقاع، أحيانا لا نستطيع الإمساك بالمعني في الشعر بالذات، ولكنه الإيقاع بوسعه أن يقف وحده ويطرب الأذن ويصنع القصيدة.
لا أقصد بالطبع الأوزان التقليدية التي تخلص منها الشعر عبر عقود من التجريب، فالإيقاع ليس شكليًا، كما الوزن، الإيقاع لا يحتاج وسيطا للظهور، بل بالأحري ليس له وجودا ماديًا علي الإطلاق، وهذا ما يجعلنا نندهش عند سماع جملة عابرة بقي صداها مترددا داخلنا لفترة طويلة! لذا أجد صعوبة في تصديق أن كاتبا ما لا يستمع إلي الموسيقي، الفن في مجمله خرج من نبع واحد، وخضع في صيرورته –مثله في ذلك مثل كل المخلوقات والحيوات- للتنوع والتشعب، كما تجول عيناك بين أوراق خضراء لأشجار متجاورة، فعلي الرغم من التجاور، تتعدد صور الاختلاف.
من بين كل ألوان التعبير اخترت لنفسي الموسيقي، والأدق أنها اختيرت لي، لا أجدها مصادفة أن تنساب الموسيقي في المشهد الذي ذكرته، إنها هبة السماء، ففي لحظة إدراكي بوجود مسافة فاصلة بيني وبين نفسي، وأن أخري هي حقيقتي تقبع متربصة في الظلام، كنت قد اجتزتها بالفعل والتقيت بها وجها لوجه.
منذ ذلك اليوم وأنا أرهف السمع بحثا عن الإيقاع، ولي معه موعدان لا نخلفهما أنا أو هو، بعد شروق الشمس وقبل الغروب، حيث تعودت الطيور أن ترقص قرب شرفتي خلف موسيقي غامضة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.