تمثل انتخابات البرلمان علامة مهمة في تاريخ كل أمة، حيث تتيح فرصة لتقييم سياسات الماضي، كما تلقي بأثرها علي قضايا المستقبل. وسوف أقتصر في هذا المقال علي عدد من القضايا المستقبلية التي تطرحها انتخابات مجلس الشعب القادمة. وترجع أهمية هذه الانتخابات إلي أن المجلس المنتخب سوف يتعامل مع عدد من الأدوار والقضايا الجديدة التي سوف تؤثر علي المستقبل، كما أن العملية الانتخابية سوف تواجه العديد من التحديات التي سوف تساهم أيضا في تشكيل صورة هذا المستقبل. •• نحن بصدد مجلس سوف يتاح له ممارسة العديد من الصلاحيات الجديدة التي اكتسبها في التعديلات الدستورية الأخيرة والتي سوف يمارس بعضها للمرة الأولي في تاريخ البرلمان المصري. ومنها علي سبيل المثال ممارسة الحق في الموافقة علي تشكيل أي حكومة جديدة، من خلال التصويت علي برنامج هذه الحكومة الذي يقدمه رئيس الوزراء إلي مجلس الشعب خلال 60 يوما من تأليف الوزارة. وينص الدستور في المادة «133» علي أنه إذا لم يوافق المجلس علي هذا البرنامج بأغلبية أعضائه يقبل رئيس الجمهورية استقالة الوزارة، وبالتالي يتم تشكيل حكومة جديدة. ويتيح هذا الأمر غير المسبوق دورا أكبر للمجلس المنتخب في مواجهة الحكومة، ومزيدا من التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. كذلك سوف يتاح للمجلس الجديد تفعيل نص المادة «76» من الدستور والتي تعطي لأي حزب سياسي مضي علي تأسيسه خمس سنوات، وحظي أعضاؤه بالانتخاب علي مقعد واحد علي الأقل في مجلس الشعب أن يرشح أحد أعضاء هيئته العليا في الانتخابات الرئاسية القادمة في .2011 كما سوف يستطيع هذا المجلس ومنذ دوره السنوي الأول القيام بتعديل الموازنة العامة للدولة وتحديد أولويات الإنفاق في هذه الموازنة، وهو الدور الذي بدأ المجلس في ممارسته للمرة الأولي في منتصف الدورة السابقة. بالإضافة إلي ذلك سوف يُعرض علي المجلس الجديد العديد من التشريعات المهمة، والتي سوف تؤثر بشكل كبير علي صورة المستقبل، ومنها علي سبيل المثال مشروع القانون المتعلق بالإدارة المحلية، وما يتضمنه من تعديلات جوهرية في هياكل وأدوار المحليات، ونقل للسلطات من المستوي المركزي إلي المستوي المحلي، وسلطات رقابية أكبر للمجالس المحلية المنتخبة، وتمكين مالي غير مسبوق للمحليات، وكذلك سوف يتعامل المجلس الجديد مع التشريع الخاص بنظام التأمين الصحي المقترح، والذي يستهدف توسيع نطاق مظلة التأمين، وتطوير نوعية الخدمات الصحية. وتتضمن الأجندة التشريعية الجديدة أيضا التعديلات علي قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين والتي سوف تمس حياة كل أسرة مصرية، بالإضافة إلي ما قد يتضمنه البرنامج الانتخابي الجديد لرئاسة الجمهورية من مقترحات تشريعية لرؤي المستقبل سوف يتعامل معها المجلس الجديد، وهو ما يعطي أهمية كبيرة لهذا المجلس. وهكذا فإن مجلس الشعب الجديد سوف يتاح له أن يلعب أدوارا غير مسبوقة تتيحها التعديلات الدستورية وكذلك طبيعة المرحلة المهمة التي سوف تشهدها مصر في السنوات القادمة. •• بالإضافة إلي ذلك فإن انتخابات مجلس الشعب القادم سوف تتعامل مع عدد من التحديات التي سوف تؤثر أيضا علي المستقبل، وأول هذه التحديات ما يتعلق بمستقبل الحياة الحزبية في مصر، فقد شهدت الانتخابات السابقة ,2005 تنامي ظاهرة المرشحين المستقلين، وفوز عدد كبير منهم علي مرشحي الأحزاب، وأرجع البعض هذه الظاهرة إلي ضعف الأحزاب، وأرجعها البعض الآخر إلي النظام الانتخابي المطبق «النظام الفردي». وقد قامت بعض الأحزاب ومنها حزب الأغلبية بجهود حثيثة في السنوات الماضية لتطوير هياكلها وأفكارها، وسوف تمثل الانتخابات القادمة اختبارا لمدي نجاح هذه الجهود، كما سوف تلقي نتائج الانتخابات بظلالها علي الجدل المتعلق بالنظام الانتخابي في مصر، ومدي ملاءمته لدعم الحياة الحزبية، وتحقيق تمثيل أفضل للأحزاب في البرلمان، وبالتالي إمكانية الاستمرار بالنظام الانتخابي الحالي أو تعديله، وهو ما أتاحته أيضا التعديلات الدستورية. ويرتبط بهذا الأمر المسألة المتعلقة بالعلاقة بين الدين والسياسة في مصر، واستخدام الشعارات الدينية في الانتخابات. فقد نصت التعديلات الدستورية الأخيرة «المادة 5» علي حظر مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أي أحزاب سياسية علي أي مرجعية دينية أو أساس ديني. وتضمنت تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس الشعب نصوصا صريحة حول حظر استخدام شعارات أو رموز لها مرجعية دينية أو ذات طابع ديني في أنشطة الدعاية الانتخابية. وبالرغم من ذلك شهدت العديد من الجولات الانتخابية في السنوات الماضية الاستمرار في استخدام هذه الشعارات. وسوف توضح انتخابات مجلس الشعب القادمة مدي الحاجة لتطوير الإطار التشريعي الحالي لكي يسد أي ثغرات قائمة، ومدي أهمية وضع قواعد تفصيلية لتنظيم العلاقة بين الدين والحياة السياسية تتلاءم مع النصوص الدستورية الصريحة في هذا الشأن وبحيث يحظر استخدام الشعارات والرموز ذات الطابع أو المرجعية الدينية ليس فقط في الانتخابات، بل استخدامها في أي نشاط سياسي أيا كانت طبيعته وتوقيته كما ينص الدستور. وهي مسألة حاسمة في تطور النظام السياسي المصري. ويرتبط بهذه القضايا المسائل المتعلقة بإدارة العملية الانتخابية ودور اللجنة العليا للانتخابات في هذا الشأن. وقد أعطي القانون لهذه اللجنة استقلالية كبيرة وسلطات واسعة، ومنها وضع قواعد إعداد جداول الانتخابات، واقتراح قواعد تحديد الدوائر الانتخابية، إبداء الرأي في مشروعات القوانين الخاصة بالانتخابات، ووضع القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية، والسقف المالي للإنفاق، ووضع قواعد وإجراءات مشاركة منظمات المجتمع المدني المصرية في متابعة عمليات الاقتراع والفرز، والقواعد الاسترشادية للعملية الانتخابية ن كما أعطي القانون للجنة سلطة تلقي البلاغات والشكاوي المتعلقة بوقوع مخالفات للأحكام المنظمة للعملية الانتخابية للتحقق من صحتها واتخاذ ما يلزم في شأن ما يثبت منها. وبرغم من هذه السلطات الواسعة فقد تفاوت أداء اللجنة في الانتخابات الأخيرة. وسوف توضح مجريات إدارة العملية الانتخابية لمجلس الشعب التحديات التي سوف تواجه اللجنة في هذا الأمر، وخاصة ما يتعلق بقضايا متابعة الالتزام بسقف الإنفاق المالي، وتنظيم دور منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وقواعد الدعاية الانتخابية واختيار أعضاء لجان الاقتراع والفرز والتعامل مع مخالفات العملية الانتخابية، وغيرها من القضايا التي سوف تؤثر علي دور الجنة في المستقبل، وبالتالي مدي الحاجة لتطوير هذه اللجنة، وكيف يمكن تحويلها إلي كيان دائم، وتزويدها بالإمكانيات المادية والفنية والبشرية التي تكفل قيامها بممارسة كامل صلاحياتها، وبحيث تستطيع البدء وبشكل مبكر في وضع القواعد الإرشادية لسير العملية الانتخابية ن وتوفير المعلومات للناخبين والمرشحين وجميع الجهات المرتبطة بالعملية الانتخابية. وترجع أهمية هذا الأمر أيضا إلي أنه لا يوجد تفكير في العودة لنظام الإشراف السابق علي الانتخابات، وبالتالي يصبح البديل الوحيد هو تطوير دور وهياكل اللجنة العليا للانتخابات كي تتمكن من إدارة العملية الانتخابية بشكل يتماشي مع تحديات المستقبل في هذا الشأن. •• وأخيرا لا يمكن الحديث عن الانتخابات دون مناقشة الجدل حول مسألة الرقابة المحلية والدولية علي هذه الانتخابات. حيث يثار العديد من الملاحظات حول دور المراقبين الأجانب أهمها عدم معرفتهم بالبلد الذي تجري فيه الانتخابات بشكل كاف سواء من حيث الثقافة أو اللغة، وبالتالي قد لا يستطيعون ملاحظة أو فهم العديد من الظواهر المرتبطة بالعملية الانتخابية مقارنة بالمراقبين المحليين. كما أن عددهم يكون محدودا نظرا للتكلفة العالية لمثل هذه المهام، وهو ما يتيح لهم تغطية نطاق قليل من الدوائر واللجان الانتخابية وفي مناطق جغرافية محددة. كذلك لا تتيح التكلفة العالية بقاء المراقبين الأجانب في البلاد لفترة طويلة، وخاصة قبل التصويت وأثناء فترة الدعاية الانتخابية، وغالبا ما يقتصر التواجد أثناء التصويت، وهو ما لا يعطي فرصة كاملة لتقييم العملية الانتخابية بجميع أبعادها. كما يطرح موضوع التمويل أيضا المسألة المتعلقة بمن يتحمل هذه التكلفة ؟ وما هي الأجندة السياسية لجهات التمويل الأجنبية؟ وهل من الأفضل إنفاق هذه الأموال - أيا كان مصدرها - علي مراقبين أجانب أم استثمارها في بناء قدرات محلية في مجال الرقابة علي الانتخابات. وتشير العديد من التقارير إلي تميز الرقابة المحلية علي الرقابة الأجنبية لما يمتلكه المراقبون المحليون من معرفة بلغة البلد والثقافة الانتخابية السائدة وتفاصيل الحياة السياسية مما يجعلهم أكثر قدرة علي رصد ومتابعة الظواهر المرتبطة بالانتخابات بشكل أفضل من الرقابة الدولية. كما أنها تستطيع تغطية عدد أكثر من اللجان الانتخابية ومساحة جغرافية أوسع، ويتيح تواجدهم الدائم كمواطنين مساحة زمنية أكبر لتغطية العملية الانتخابية بأبعادها المختلفة بدءا من إعداد سجلات الناخبين حتي إعلان النتيجة. كما يتميز المشاركون في الرقابة المحلية بحماس أكبر، لأن الأمر مرتبط بمستقبل بلادهم. •• جدير بالذكر أن التعديلات التي أدخلت علي قانون مباشرة الحقوق السياسية عام ,2007 قد أعطت وللمرة الأولي حقا قانونيا لمنظمات المجتمع المدني المصري لمتابعة الانتخابات. وبالرغم من ذلك فقد واجهت هذه المنظمات العديد من التحديات في ممارستها لهذا الدور في الانتخابات السابقة. ويصبح من المهم إتاحة الفرصة كاملة لهذه المنظمات لمتابعة انتخابات مجلس الشعب القادمة، لكي تستطيع لعب هذا الدور باستقلالية وحيادية. كذلك من المهم التفكير في وضع ميثاق شرف لمراقبة الانتخابات، ويمكن أن يشارك في صياغة هذا الميثاق منظمات المجتمع الرئيسية التي ستشارك في مراقبة الانتخابات. وتشير التجارب الدولية إلي أن مثل هذه المواثيق ذات أهمية كبيرة، لأنها تتضمن القواعد المهنية والأخلاقية التي يجب أن يلتزم بها المراقبون أثناء قيامهم بمهمتهم، ودون التدخل المباشر في الإجراءات المتعلقة بالتصويت أو الفرز، وكتابة التقارير النهائية عن العملية الانتخابية بناء علي معلومات موثقة وأدلة ملموسة. ومما لاشك فيه أن طبيعة الدور الذي سوف تقوم به منظمات المجتمع المدني المصرية في الانتخابات القادمة سوف يؤثر بشكل كبير علي القضايا المتعلقة بنزاهة العملية الانتخابية وشرعية نتائجها. كما سوف يؤثر علي الجدل المتعلق بالرقابة الدولية. وهكذا، فإن انتخابات مجلس الشعب القادمة سوف تنقلنا إلي آفاق مهمة للمستقبل بما تتيحه من سلطات وأدوار للمجلس الجديد، كما أن كيفية التعامل مع القضايا الانتخابية السابقة لن ينتهي أثره بإعلان نتائج الانتخابات، بل سيمتد لسنوات عديدة قادمة، ويساهم بشكل كبير في تشكيل صورة هذا المستقبل. أستاذ العلوم السياسية أمين التثقيف والتدريب عضو أمانة السياسات بالحزب الوطنى