عندما اختارنى الأستاذ على حمدى الجمال - رئيس تحرير الأهرام - فى بداية السبعينيات للتمرين بالأهرام ضمن دفعة من خريجى الجامعات التى تدرس دبلوم صحافة فى كلية الإعلام.. رفضت بشدة.. اعتذرت عن عدم التدريب بالأهرام التى يحلم كل زملاء الدفعة بالعمل بها.. حيث المرتبات والمكافآت تنافس فلوس الخليج وقتها.. قلت فى نفسى إننى أفضل العمل بروزا والتعامل مع رئيس تحريرها اللامع والشامخ صلاح حافظ.. ثم إن روزا جارتى بحى المنيرة.. والجار أولى بالشفعة.. فإذا حدث وتم الاستغناء عن خدماتنا بعد فترة التدريب والتمرين.. فإن الفضيحة المحلية أرحم وأهون من فضيحتنا بجلاجل وشراشيب بالأهرام.. التى تقع خارج الحدود الإقليمية لحى المنيرة..!! بعدها عرفت أن ل«روزاليوسف» مغناطيساً خاصاً يجذب الصحفيين للعمل بها.. ومن لم يعمل لفترة بروزا فهو لم يعمل بالصحافة أصلا.. وفى روزا تعلمنا الدرس.. ومع أن صاحبة المجلة واحدة ست .. فقد علمونا أن نكون رجالا.. ومع أن فاطمة اليوسف كانت قد رحلت عن عالمنا.. إلا أن بصماتها ودروسها الصحفية انتقلت إلينا عبر جيل الأساتذة.. ومن خلال حكايات الكبار.. تعلمنا الدرس الأول.. أن تقول للأعور أنت أعور فى عينه.. وأن تقول للتخين «مش» مهم حضرتك ولا تخاف ولا تتردد.. وأن تكون رسالتنا وقبلتنا للقارئ الذى هو على حق دائما.. وليس المسئول أو الوزير أو السلطان. تعلمنا هنا أن الصحافة لا يمكن أن تكون محايدة.. وأنها بالضرورة لابد أن تكون منحازة لقضية ما.. وقد اختارت روزا أن تنحاز للجماهير العريضة.. تتوحد معها وتنصهر فى قضاياها وتغرق فى همومها وتتحدث باسمها.. وعلى عكس البدايات الأولى كمجلة فنية.. اختارت روزا الحياة السياسية مجالا لها.. تعرى وتحلل وتفضح وتقاوم وتعارض وتقاتل.. كل هذا بلسان ساخر.. وأسلوب رشيق وحجج منطقية مقنعة. ما من قضية تعرضت لها مصر.. إلا وكانت روزا لها بالمرصاد .. تناقشها وتفندها وتحلل عناصرها.. وتصدت روزا على وجه الخصوص لذلك النوع من السياسيين المؤيد دائما.. والموافق على طول الخط.. والمبرر لكل شىء تفضله الحكومة. ولهذا ظل صحفيو روزاليوسف من طراز خاص.. هو ميال للمعارضة والمشاغبة.. حريص دائما على كشف الحقائق والتصدى للفساد والانحراف.. وظلت روزا قلعة حقيقية وبصمة لها وجودها وتواجدها.. تتوارثها الأجيال الصحفية العديدة.. تختلف الملامح.. وتظل النكهة واحدة.. نكهة روزا.. اليوم «روزاليوسف» تكمل خمسة وثمانين عاما من عمرها المديد.. لا نملك إلا أن نتبادل التهانى مع الزملاء والأصدقاء فى الوسط الصحفى.. وأن نحتفل بالسيدة التى قررت منذ ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن أن تقتحم عالم الصحافة.. وأن تؤسس مدرسة صحفية راسخة. تعظيم سلام للسيدة فاطمة اليوسف.