كانت الصورة الذهنية لدي عن المصريين المهاجرين أنهم قرروا أن يهاجروا بأجسادهم - فقط - خارج حدود الوطن، - لكن بقيت - رغم السنين العديدة التي قضوها هناك - أرواحهم معلقة بوطنهم.. وقلوبهم تمتلئ بزخم الأحداث في أرض الكنانة. وهي صورة تأكدت أنها صادقة إلي حد بعيد بين أغلب من التقيتهم عندما سافرت إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية مايو الماضي.. فالمصريون هناك يتابعون كل صغيرة وكبيرة تحدث بالداخل.. تزداد أنفاسهم سرعة مع سخونة الأحداث لحظة بلحظة.. وتتصاعد ضربات قلوبهم مع كل حدث مهم تشهده أروقة القاهرة. لكن رغم ذلك.. لانستطيع أن نقول إن «التحالفات» و «المؤتمرات» التي يعقدها بعض المصريين «الأمريكيين» تعبر بشكل كامل وحقيقي عن قضايا الوطن الأم.. فما عكسته أجواء المؤتمر الذي عقده ما يسمي «تحالف المصريين الأمريكيين» تحت عنوان «مستقبل الديمقراطية في مصر منتصف نفس الشهر بجامعة نيويورك سيتي» ، وتم استنساخ «نسخة معدلة» منه عن «الانتخابات» في الفترة من «17 إلي 20» سبتمبر الجاري، كانت تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن هناك حلقة مفقودة تمثل خللاً واضحاً في رسم الصورة بأذهان المصريين «الأمريكيين». فقد ظننت أنني سأشارك في حضور مؤتمر جاد، ومهم، يناقش مستقبل الديمقراطية في مصر كما ادعي القائمون علي المؤتمر.. ورئيسه المهندس محمود الشاذلي وهو رجل أعمال مصري أمريكي إذ كانت الأهداف «المعلنة» هي دعم «اللوبي» المصري والعربي داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية والتواصل مع الجاليات المصرية في الولايات المختلفة من أجل المساهمة في إيجاد حلول لمشاكل الوطن الأم. وهي أهداف في مجملها تمثل هدفاً قومياً، نبيلاً.. لكن ما إن بدأ المؤتمر إلا واختزل 4 أيام من برنامجه إلي يوم واحد اقتصر بدوره علي عدة ساعات محدودة ثم ألغيت كل فاعلياته بما أخل بالمعني والمضمون.. وبدت تظهر أمامنا علامات استفهام حول أن هناك أهدافاً أخري غير المعلن عنها.. وأن هناك شيئا ما يحدث لم تكن ملامحه واضحة بعد! ولنبدأ بالمشاهد التي رسخت هذه الصورة: أولا.. الصراعات داخل المؤتمر: انقسم القائمون علي المؤتمر إلي فريقين.. فريق يتزعمه المهندس محمود الشاذلي، وفريق يتزعمه الدكتور صفي الدين حامد الرئيس السابق للتحالف.. الذي كان غير راضٍ تماما عما يحدث مما دفعه علي أن يقدم استقالته بعد المؤتمر والدكتورة سامية هاريس والدكتور حمدي الفقي وهم من الأعضاء المؤسسين للتحالف. وكان د. صفي الدين حامد يري أن المؤتمر انحرف عن فعالياته الأساسية وعن الدور الذي أنشئ «التحالف» من أجله من حيث الأصل إذ صار مخترقاً - بحسب تعبيره - من العديد من الجهات.. وبات مملاً لمن يرغبون في تطبيق الأجندة الأمريكية بما تتضمنه من سياسات تضر بمصالح مصر، وكذلك بعض منظمات «أقباط المهجر» التي أصبحت خلال الثلاثين عاماً الماضية يمثل «لوبي».. قويا في الكونجرس والحكومة الأمريكية. ثانيا: تعمد إبعاد الإعلاميين: كان الملاحظ منذ البداية أن هناك تعمداً لتغييب وسائل الإعلام نوعا ما عن المؤتمر.. إذ لم توجه دعوات إلا بناء علي رغبة الإعلاميين، شريطة أن يتحملوا تكاليف السفر فضلاً عن الإصرار علي تواجد الإعلاميين بعيداً عن الفندق الذي يقيم به ضيوف المؤتمر إذ تم تسكينهم بفندق آخر تفصله مسافة بعيدة عن «الحدث»! وهو ما دفع العديد من الصحفيين إلي التخلف عن الحضور والمشاركة! وعندما تم تقديم الأوراق من قبل الباحثين المشاركين لم يتم توزيعها علي أي من الصحفيين سواء أكانوا من خارج الولاياتالمتحدة أو من داخلها. ثالثا.. التأكيد علي أن المؤتمر «أكاديمي» وليس «سياسياً»: رغم أن أغلب المشاركين بالمؤتمر كانوا من الشخصيات السياسية فإن منظمي المؤتمر أصروا علي توصيف المؤتمر بأنه «أكاديمي»، ولا علاقة له بالسياسة! وهو توصيف غير صادق بالمرة، ولاينطبق علي أغلب المشاركين بالمؤتمر إذ ضم المؤتمر كلاً من: د. أسامة الغزالي حرب رئيس حزب «الجبهة» المعارض وجورج إسحاق ممثلاً لحركة «كفاية»، ود. حسن نافعة عن الجمعية الوطنية للتغيير ود. سمير عليش والمستشار محمود الخضيري صاحب الميول الإخوانية: وهي شخصيات تلعب دوراً مثيراً للجدل في الحياة السياسية المصرية.. فكيف إذن يمكن أن يوصف المؤتمر ب«الأكاديمية»، وهو يضم هذا الخليط غير المتجانس، ومختلف المشارب، الذي لايتفق إلا علي شيء واحد فقط هو دعاوي «العصيان المدني»؟!.. ولم يكن له من صفة «الأكاديمية» سوي أن منظميه كانوا قد تعاونوا مع مركز دراسات الشرق الأوسط في إعداده! رابعا.. حضور سعد الدين إبراهيم: وذلك رغم حرص رئيس المؤتمر محمود الشاذلي علي التأكيد مراراً وبشكل غير مبرر علي عدم حضوره.. وأنهم لم يوجهوا له دعوة من حيث الأصل.. في حين أن د. سعد الدين إبراهيم أكد أنه تلقي دعوة من المؤتمر للمشاركة في فاعلياته!! خامسا.. توصيات المؤتمر: كان من أهم توصيات المؤتمر: «مناشدة المصريين الأمريكيين للرئيس أوباما بالضغط علي النظام المصري من أجل إرساء الديمقراطية في مصر استناداً - في مفارقة غريبة - إلي أنهم مواطنون أمريكيون يحملون جنسية الولاياتالمتحدةالأمريكية!!؟؟ الحقيقة أن هذه التوصية أزعجتني جداً إذ ذكرتني علي الفور بما حدث في العراق من احتلال أمريكي بحجة إرساء الديمقراطية! مما دفعني أن أعلن احتجاجي قائلة: ليس من حق أوباما الضغط علي النظام المصري.. فهذا شأن داخلي يخصنا نحن المصريين.. وجئنا إلي المؤتمر من أجل مناقشة قضايا مصر مع مصريين مثلنا وليس من أجل «الاستقواء بأوباما» وهو ما جعل محمود الشاذلي رئيس المؤتمر يشعر بالحرج، ويحاول أن يبرر التوصية قائلا: إنهم لايقصدون هذا المعني..! لكن أسامة الغزالي حرب تدخل قائلاً: «أنا مع الضغط الأمريكي علي النظام مادام يحقق الديمقراطية»!.. ولم أتمالك نفسي وقتئذ حتي صحت فيه: «ليس هذا غريباً عليك وأنت الذي بررت غزو العراق قائلا «أنه تحرير وليس غزوا».. فقال د. يحيي الجمل، الذي كان أحد ضيوف المؤتمر: كل إنسان حر في رأيه.. ثم أعلن أنه غير موافق علي هذه التوصية. سادساً.. صفقة الصحف! طلبت د. سهير السكري كبيرة المترجمين في الأممالمتحدة سابقا، منا نحن الصحفيات اللائي تواجدن بعد المؤتمر - أنا والزميلتان نور الهدي زكي الصحفية بجريدة «العربي» الناصري ورشا عزب بجريدة الفجر - شراء صفحات ببعض الصحف المعارضة والخاصة. والحقيقة أننا رفضنا ما طلبته، إلا أنها اصطحبتنا في رحلة من «نيويورك» إلي «واشنطن» بسيارتها المرسيدس الحمراء. وهي رحلة استغرقت 6 ساعات كاملة لكن الدكتورة سهير التي تعدت السبعين من عمرها لم تهدر كل هذه الساعات في التسلية أو قص طرائف الحكايات بل كانت حريصة كل الحرص علي أن توجه إلينا سيلاً من الأسئلة حول كل ما يتعلق بقضايا الديمقراطية والحرية في مصر وأن تستمع إلي كل منا علي حدة. ورغم رفضنا لفكرة شراء «أمريكيين» من أصل «مصري» لصحفات بجرائد المعارضة أو الجرائد الخاصة.. فإنها لم تيأس من تكرار الأمر.. فقلنا لها: ولم لايقومون بإصدار صحف وقنوات فضائية جديدة يعبرون من خلالها عما يريدون؟! لكنها لم تقتنع.. وعاودت المحاولة مرة ثالثة!.. حين أصرت علي أن نلتقي والشيخ شاكر السيد؛ إمام مسجد الهجرة، ب «واشنطن»؟! أكدنا لها - أمام الشيخ - أن ذلك من شأنه أن يفقد الصحف المصرية مصداقيتها.. فالتمويل الأجنبي مرفوض من المصريين حتي لو كان من مصريين يحملون الجنسية الأمريكية. دعتنا للعشاء!.. وللمرة الرابعة كررت الأمر واتهمتنا بالخوف، وأننا نعاني من عقدة الاستقواء بالخارج.. وأن الحكومة المصرية هي التي بثت في قلوبنا هذا الرعب حتي تتمكن من التحكم فينا وفرض سياساتها المغرضة علينا! بطبيعة الحال أثار الأمر عدة تساؤلات أمامنا منها: هل كانت الدكتورة سهير تريد شراء صفحات من أجل القضايا المصرية.. أم أنها تنوب عن جهة ما للتحدث في هذا الأمر معنا؟! هل كان ما تقوم به وسيلة «لجس النبض» واستكشاف إذا ما كنا سنلهث خلف التمويل الأجنبي أم نرفضه؟!.. أم كان الأمر محاولة «ساذجة» لمعرفة ثمننا كصحفيين، وإذا ما كنا قابلين للتداول داخل البورصة الأمريكية مثلاً من عدمه؟! سابعاً.. «عزة بلبع» وما حدث لها! رغم أن الفنانة عزة بلبع ذهبت إلي نيويورك بدعوة من تحالف المصريين الأمريكيين.. فإنها بدأت معاناتها منذ وصولها مطار نيويورك الدولي.. فهي سافرت قبل المؤتمر ب «أربعة أيام» بناءً علي رغبة المنظمين لعمل «البروفات» المناسبة للحفل. ولم تجد بلبع أحدا في استقبالها بالمطار بعد 12 ساعة طيران متواصل.. ولم تعرف عنوانا للمؤتمر! وبعد ساعتين من الاتصالات حضر مندوب عن التحالف لنقلها إلي الفندق: الذي ظلت «شبه حبيسة» داخله، إذ لم تكن هناك «بروفات» من حيث الأصل! وبقيت بلبع بالفندق لم تغادره إلا بحثاً عن الطعام الذي لم يقدمه الفندق - آنذاك - لها! وشاركت عزة في حفلتين: الأولي بأحد المراكز الثقافية الصغيرة.. حتي أننا صدمنا حين شهدنا القاعة، والمستوي المتواضع جداً الذي لايرقي إلي قاعة صغيرة بمركز شباب محدود الإمكانيات بمصر! لكن رغم هذا كان هناك حضور كبير قرر القائمون علي الحفل إفساده فيما بعد وعدم تكرار الأمر في الحفل الختامي! وفي هذا الحفل فوجئنا بمواقف لم نجد لها تفسيراً!!.. حيث اقترب فكري أندراوس أحد أعضاء التحالف من المائدة التي نجلس عليها «نورالهدي، ورشا عزب وأنا».. وظل يرجونا أن تجلس كل منا علي مائدة مختلفة، بحجة أن بهذه الطريقة يمكننا التعرف أكثر علي الحضور. وبالطبع مايقوله لامعني له.. فهو يدرك جيداً أننا تعرفنا علي الحضور.. الأمر الذي دفع نورالهدي زكي إلي التهديد بترك الحفل.. واتجهت إلي المصعد بالفعل، فأعادوها إلي المائدة بصعوبة. وحدث معنا موقف مشابه كانت بطلته هذه المرة الدكتورة كريمة كريم زوجة القيادي التجمعي د. جودة عبدالخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية إذ ترجتنا الدكتورة بشكل غريب في ألا نصفق لعزة بلبع عندما تبدأ الغناء.. وحين سألناها علي السبب قالت لنا: حتي نعطي فرصة للحضور للاستماع! عدت من مؤتمر نيويورك.. وتساؤلات كثيرة تتصارع بداخلي.. لم أجد إجابات وافية بقدر ما وجدت استفهامات عديدة تطل برأسها أمام ما حدث.. ورغم أنني لا أومن بنظرية «المؤامرة»: فإنني هذه المرة وجدت نفسي أقطع بأن لها وجوداً بالفعل.. وأن هناك من يستهدفنا ويحاول النيل منا.. فهل ننتبه؟!