سوف تبدأ الخناجر والسكاكين تنهال علي «فاروق حسني» - وزير الثقافة - طعنا وتمزيقا والمناسبة هذه المرة سرقة لوحة «آنية وزهور» المعروفة في مصر باسم «أزهار الخشخاش» للفنان الهولندي الشهير «فنست فان جوخ» «1853-1890» التي رسمها عام 1886 «ألوان زيتية علي قماش ومساحتها 64*53 سم» من متحف «محمد محمود خليل» وزوجته بالجيزة.. سوف تتهم أقلام المثقفين الحنجوريين الوزير بالتسيب والإهمال والتقصير والغفلة والاستهتار وفساد إدارته مثلما سبق أن اتهم في حادثة «بني سويف» الفاجعة التي احترق فيها ما يزيد علي خمسة وأربعين مسرحيا من النقاد والفنانين والصحفيين والبراعم الشابة الواعدة.. أيامها ترك هؤلاء الحنجوريون الذين يكرهون الحياة ويكرهون أنفسهم.. ويكرهون البشرية كلها ما ينبغي أن يقوموا به من تحليل لأسباب الكارثة واقتراحاتهم بشأن مستقبل قصور الثقافة وأفكارهم حول تطوير أدائها ، وتصوراتهم فيما يتصل بتكريم الشهداء ومساندة ذويهم.. وراحوا يتحدثون عن شخص الوزير. هل سيبقي أم يرحل.. وهل سيعترف بمسئوليته عن جريمته النكراء أم سيبحث عن كبش فداء يلصقها به ، وهل ستتركه المؤسسة الرئاسية في موقعه ليمارس هوايته المفضلة في تدمير الثقافة المصرية وإفساد الذوق العام.. أم لابد من الإطاحة به والإتيان بواحد منهم ؟!.. وحينما تقدم الرجل وقتها باستقالته تساءلوا هل الاستقالة مناورة أم هي استقالة تكتيكية أم أجبر عليها ؟!.. وهل هو «بهلوان» أم «ألعبان»؟! بل إن هناك صحيفة طرحت الموضوع للتصويت علي هيئة سؤال للقراء هو : ما تقديرك لاستقالة فاروق حسني. 1- حركة «قرعة» للمنظرة وعارف أن الرئيس لن يقبلها؟ 2- إحساس عالي بالمسئولية ؟ 3- خايف يحرج النظام ؟ ثم ما لبث هؤلاء «الحنجوريون» أن عرجوا إلي تقييمه فنيا وتحولوا - فجأة وبالمرة - جميعا إلي نقاد تشكيليين وأكدوا بثقة يحسدون عليها أنه فنان تشكيلي متواضع المستوي يستغل منصبه في بيع لوحاته التي يصفونها بأنها مجرد «شخبطة» أو «لعب عيال».. ذلك دون أن يتواضع واحد منهم ويعترف بجهله البين بالفن التشكيلي ومدارسه الحديثة والمعاصرة. وعلي الرغم من أن النائب العام قد أمر بحبس «محسن شعلان» رئيس قطاع الفنون التشكيلية بعد أن وجهت له تهمة الإهمال الجسيم والتقاعس عن أداء عمله.. وعلي الرغم من أن «فاروق عبدالسلام» - وكيل وزارة الثقافة - أعلن أمام النيابة أن المتحف صدر له قرار بإخلائه وإعادة ترميمه من سنة «2008» لكن المسئولين عن المتحف تقاعسوا وتخاذلوا عن تنفيذ هذا القرار.. وأن «محسن» هو المتسبب في هذه الكارثة لأن وزير الثقافة أعطي له كل الصلاحيات لعمل أي إصلاحات داخل المتحف. علي الرغم من ذلك فإن «الحنجوريين» - الذين تطالع وجوههم المكفهرة الغاضبة كلما ألمت بنا كارثة ليصبوا جام غضبهم ويشعلوا النار في ثياب معارضيهم من السلطة والمسئولين والمثقفين الحقيقيين - لن يكفوا عن ذبح «فاروق حسني» مطالبين بأن تكون هذه القضية هي المسمار الأخير في نعش الوزير والضربة القاضية التي ستنتهي بها وزارته. أما العامة من القراء فلابد أنهم قد تملكهم الذهول من جراء هذا الاهتمام الكبير باختفاء اللوحة التي قدر ثمنها ب «58» مليون دولار.. حتما سوف يصمون المهتمين بالجنون المطبق فما الفرق بينها وبين اللوحة التي تحتوي علي زهور حمراء يانعة ، والتي يشترونها من محلات بيع التابلوهات بمبالغ زهيدة ويعلقونها علي جدران الصالون داخل إطار مذهب.. أو في حجرة السفرة وإلي جوارها لوحة أخري تمثل طبقا من الفاكهة تتصدره «شقة بطيخ» حمراء من أجل فتح الشهية.. وعادة ما يتم الاتفاق بين العريس وأهل العروس علي ذلك اثناء تجهيز شقة الزوجية لزوم ما يسمونه ب «الديكور» أو «التزويق». إن الذين يقدرون أعمال ذلك الفنان من الجمهور المتذوق للفن التشكيلي ومؤرخو الفن ونقاده في كل مكان - حيث تحتل أعماله مكانا بارزا في متاحف العالم وحيث تضطر الشرطة في «أمريكا» إلي التدخل لتنظيم حركة المرور أمام القائمة أو المتحف الذي يقيم عرضا للوحاته بسبب تزاحم الناس وإقبالهم علي مشاهدة أعماله - هؤلاء حتما من وجهة نظر العامة عندنا مختلون عقليا شأنهم في ذلك شأن الفنان نفسه الذي قطع أذنه وقدمها في لفافة إلي عاهرة أحبها.. وكانت قد طلبتها منه خلال مداعباتها له.. وعندما عاد إلي منزله أغمي عليه وتم نقله إلي المستشفي.. ولما استرد صحته طاردته سخرية أهل البلدة ومعايرة أطفالها له بالجنون ، فانهارت أعصابه ودخل مستشفي للأمراض العقلية.. وأنهي حياته بالانتحار وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره بعد أن أبدع أكثر من «700» لوحة وما يزيد علي ألف رسم. والحقيقة أن ل «فان جوخ» مكانة عظيمة في تاريخ الفن التشكيلي ترجع - كما يقول الناقد الكبير «صبحي الشاروني» إلي توصله إلي الأسلوب التعبيري قبل أن يظهر في «ألمانيا».. إن قوة التعبير عن ذاتية الفنان وما يعتمل فيها من صراعات ، ثم التعرف علي ما تتضمنه الألوان من طاقة تعبيرية مع استخدام ضربات الفرشاة واتجاهات الخطوط والمساحات الملونة من أجل التعبير عن انفعالات الفنان أو أعماق الشخصيات التي يرسمها.. هذا العطاء المتعدد الدرجات والوسائل في اللوحة الواحدة وضع أعماله علي قمة أعمال الفن الفرنسي علي مدي التاريخ. عموما فإن سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» ليست هي السرقة الأولي فقد سبق أن سرقها في أواخر السبعينيات لص اسمه «أحمد السيد رضوان» الذي وضع خطة لدخول المتحف من فتحة شفاط تهوية مستعينا بصديق قام بإلهاء الشرطي الذي كان يتولي حراسة المتحف ، حيث جلس معه ومع فرد الأمن.. ووضع لهما مخدرا في الشاي.. لكن تم ضبط اللص وإعادة اللوحة. وسرقة اللوحات من المتاحف في جميع أنحاء العالم أمر شائع منذ زمن طويل.. فالجيوكندا مثلا التي أبدعها ليوناردو دافنشي والتي تعتبر أشهر لوحة في التاريخ سرقت سنة 1911 من قلب متحف اللوفر.. كما سرقت لوحة شهيرة «لجويا» الإسباني من المتحف الوطني الإنجليزي في لندن سنة ,1961 رغم كل الإجراءات الأمنية المشددة. نحن لا ندافع عن الإهمال والتقصير.. لكننا في الوقت نفسه نطالب المتربصين المتلمظين الحنجوريين بأن يكفوا عن تربصهم.. وعن تلمظهم وعن حنجوريتهم.