قد أكون أنا أول من دخل في خصومة مع رامي لكح من الصحفيين. كنت أيامها مديرا لمكتب القاهرة لجريدة غير مصرية، وجاءني محرر بخبر عن رامي لكح وتأكدت من مصدر موثوق أن الخبر صحيح فنشرته. وبعد النشر فوجئت بمكالمة من مسئول يقول لي إن ما نشرته عن رامي لكح غير صحيح ويطلب مني تكذيب الخبر. ورفضت ذلك، ليس من باب الشجاعة، لا قدر الله، ولكن من باب الخوف علي منصبي. وحاول المسئول أن يفهمني أن الخبر ضار بالاقتصاد الوطني أو بالوحدة الوطنية ووجدت الرد المناسب علي هذا الكلام، فقال لي إن المحرر الذي جاءني بالخبر مرتبط بجريدة الشعب وإن الأمر له علاقة ما بحملة توشك أن تنطلق ضد رامي لكح ورددت علي هذا الكلام أيضا بالرد الذي بدا لي مقنعا فقال لي: رامي باشا علي الخط التاني معايا ويريد أن يتصل بك. واتصل بي رامي لكح. وفي الحقيقة فقد كان رامي لكح مهذبا، وكنت أنا جافا ومتحديا، دون أن أتجاوز حدود الأدب. قال لي: الحقيقة أنا زعلان. واستفزني هذا الأدب واستفزتني لهجة العشم من رجل حاول أن يحرك ضدي أجهزة الدولة، واستفزني أكثر عندما أشار إلي الوحدة الوطنية، فقلت له كاظما غيظي: إذا كنت تري أن ما نشرناه غير صحيح، وأننا سببنا لك خسارة خمسين مليون جنيه، فأمامك القضاء وموعدنا ساحة المحكمة. ورفع رامي علي قضية يطالب فيها بتعويضات أدفع أنا منها خمسة وعشرين مليون جنيه. وما أن وقعت عيناي علي الرقم في الأوراق التي وصلتني حتي وقع قلبي بين قدمي. خمسة وعشرون مليون جنيه؟ منين؟ هرعت إلي المصدر الموثوق فوجدته اختفي... تبخر.. لجأت إلي صديق من أصحاب الأسماء الكبيرة والنظيفة، حقا وصدقا، وبمجرد أن سمع اسم رامي لكح قال لي: إلا رامي لكح. وأنهي المكالمة، فقد كان لكح يغرق جريدة الصديق العزيز بالإعلانات التي فتحت بيوتهم. من طباعي أني قادر علي النوم بعمق حتي إذا كنت ذاهبا في الغد إلي المشنقة، ليس بسبب الشجاعة التي أصر علي تبرئة نفسي منها، ولكن لأن عقلي يمكن أن ينشغل بفكرة من خارج السياق، تجعلني أنسي الدنيا بحلوها ومرها. ورغم ذلك فقد أرقني، في بعض الليالي احتمال الحكم علي بأن أدفع لهذا الرجل خمسة وعشرين مليونا؛ أجيبها منين. ولكن أحد أصدقائي طمأنني عندما قال لي: هوّا رامي لكح فاضي لك؟ تلاقي مكتبه رفع القضية ونسيوا الموضوع. ونسيت أنا أيضا الموضوع، حتي اتصل بي المرحوم نبيل الهلالي وقال لي إننا كسبنا القضية. وانطوت هذه الصفحة بالنسبة لي. أنا واثق أن رامي لكح لا يذكر اسمي وربما لا يذكر اسم الجريدة التي كنت أعمل بها. وأنا أتمني عليه أن ينسي الإساءات التي يقول إنه تعرض لها وأن يركز اهتمامه علي المستقبل دون أن يترك المرارات القديمة تشده إلي الماضي. لا أدعوه إلي التنازل عن حق من حقوقه فالساكت عن الحق شيطان أخرس. لكني أحذر من الكراهية والرغبة في الانتقام فهذه مشاعر سلبية مدمرة. وما فهمته من كلام رامي لكح أنه عاد ليبني لا ليهدم. أهم ما سمعته من رامي لكح هو رفضه لنهب واستباحة ثروات البلد باسم الخصخصة واحترامه للسلطات الدستورية الموجودة باعتبارها القادرة علي فتح أبواب المستقبل. المستقبل لن يولد من الغضب ولا من رغبة في تصفية حسابات قديمة، لابد من تصورات جديدة وأساليب عمل جديدة ولابد من تطعيم منظومات العمل العام بعناصر جديدة تتسلم الرايات، تدريجيا من القيادات القديمة، في إطار تصورات يصوغها حوار عام في مؤتمر وطني يدعو إليه ويرعاه رئيس الجمهورية.