الحيرة بين الاعتزاز بالمقاومة والهروب من تهمة التطبيع، طاردت لاعبي المنتخب الأوليمبى المصرى الذى استعد للحظات الأخيرة لمواجهته التاريخية أمام نظيره الفلسطينى فى يوم الأرض، حتى وصل الأمر بأعضاء مجلس الاتحاد إلى الهروب من رئاسة البعثة، رغم أنهم يتكالبون على السفريات الخارجية الأخرى. من المقرر أن يسافر المنتخب إلى الأراضى الفلسطينية فى 28 مارس الجارى عبر الأردن ليلعب مباراة ودية مع المنتخب الفلسطينى الأول على استاد الشهيد فيصل الحسينى بالقدسالمحتلة، وتردد فى الشارع الفلسطينى أن إسرائيل حاولت بكل طريقة عرقلة الزيارة والمباراة بعد أن رفض منتخب مصر ملاقاة المنتخب الإسرائيلى. المخطط أن يقوم اللاعبون وأفراد البعثة المسلمون بتأدية الصلاة بالمسجد الأقصى والمسيحيون يزورون كنيسة القيامة بمن فيهم هانى رمزى المدير الفنى للمنتخب. هذه الرحلة ليست البادرة الأولى من قبل الكرة المصرية فى الذهاب إلى فلسطين من أجل دعم القضية، و ليست الدعوة الأولى حيث تلقى المنتخب والفرق المصرية الكثير من الدعوات للعب فى الضفة وغزة ومنها الأهلى والزمالك، وهناك قصة تاريخية لا يعرفها الكثيرون، أبطالها لاعبو الأهلى وعلى رأسهم الراحل مختار التتش، وترجع إلى عام 1943عندما دعا عمدة غزة النادى الأهلى ليلعب مباراة هناك من أجل تدعيم الثورة الفلسطينية ضد الانتداب الإنجليزى والعصابات الصهيونية التى كانت تتغلغل بالهجرة إلى فلسطين فى ذلك الوقت. ووافق النادى برئاسة فؤاد باشا سراج الدين بدافع الوطنية.. وتقدم بطلب إلى قائد الجيش حيدر باشا رئيس اتحاد الكرة المصرى ورئيس نادى الزمالك المختلط بطلب للموافقة على السفر إلى فلسطين للعب تلك المباراة.. إلا أن حيدر باشا اعتبر أن عدم طلب ذلك من الزمالك إهانة شخصية له، فضلا عن أن الإنجليز طلبوا منه سرا منع الأهلى من السفر لخوفهم من الآثار التى من الممكن أن تترتب على زيارته لفلسطين، فأوعز حيدر باشا إلى الملك فاروق بأن سفر الأهلى سيؤدى إلى إثارة الإنجليز عليه، وتوجه حيدر إلى وزارة التأمينات الاجتماعية المسئولة عن السفر وقتها ومزق أوراق السفر الخاصة بلاعبى الأهلى، ولكن مختار التتش كابتن الأهلى ومنتخب مصر رفض الانصياع لأوامر حيدر باشا بعدم السفر.. واستخرج جوازات سفر جديدة لزملائه بمساعدة فؤاد سراج الدين رئيس النادى ووزير الداخلية والنحاس باشا زعيم الأمة الذى وافق على سفر الأهلى تحت مسمى فريق شباب القاهرة بدون موافقة اتحاد الكرة. وعلى الرغم من صعوبة الموقف فى فلسطين بسبب قصف الإنجليز للعديد من المدن الفلسطينية سافر الفريق بالقطار من بور فؤاد حتى العريش ثم رفح وغزة إلى أن وصل داخل الأراضى الفلسطينية فى حيفا ويافا ونابلس والقدس.. وكان من المفترض أن تستمر رحلة الأهلى فى غزة أسبوعا واحدا يلعب خلاله مباراتين ويعود للاستعداد لنهائى كأس مصر أمام الزمالك المختلط.. ولكن الاستقبال الحافل للاعبي الأهلى من قبل رجال الثورة والشعب الفلسطينى الذين كانوا يرفعون جميع اللاعبين على الأعناق فى كل مكان يذهبون إليه كان سببا رئيسيا فى تمديد الأهلى لرحلته لمدة 23 يوما لعب فيها 5 مباريات. وتسبب ذلك فى إثارة غضب الإنجليز تجاه الملك فاروق الذى صب غضبه على حيدر باشا معتقدا أنه سمح للاعبين بالسفر.. فما كان من حيدر إلا أن أصدر قرارا بتجميد النشاط فى النادى الأهلى ووقف جميع اللاعبين عن اللعب فى أى مكان. تسبب ذلك القرار فى إشعال شرارة المظاهرات فى النادى الأهلى حيث خرجت الجماهير تهتف ضد الملك وضد الإنجليز وتطالب بعودة النادي، ووقعت مصادمات شديدة وتدخلت حكومة الوفد بزعامة النحاس، فوافق الملك على رفع الحظر عن النشاط فى النادى ، لكن حيدر تكبر واشترط أن يتقدم لاعبو النادى الأهلى بخطاب اعتذار باسم كابتن الفريق التتش حتى يرفع الوقف عن اللاعبين.. فكتب التتش رسالته الشهيرة إلى حيدر باشا وبها هذه الفقرة إذا كان العمل الوطنى يتطلب الاعتذار فأنا لا يشرفنى أن أكون لاعب كرة فى اتحاد أنت رئيسه. ورفض لاعبو الأهلى الاعتذار وخرجت مظاهرة ضخمة شارك فيها جمهور ولاعبو الأهلى إلى قصر عابدين تهتف ضد حيدر والملك والإنجليز.. فما كان من الملك المرتعش إلا أن أمر حيدر برفع الإيقاف. ولكن حيدر أراد الانتقام من الأهلى فأصدر قرار إقامة المباراة المؤجلة بين الأهلى والزمالك فى الكأس بعد أسبوع واحد من قرار إعادة النشاط حتى لا يتمكن الأهلى من خوض المباراة بلاعبيه الأساسيين ويضطر إلى الاشتراك فى المباراة بفريق من الشباب والناشئين فى مواجهة عمالقة الزمالك فى ذلك الوقت.. فكان من الطبيعى أن يخسر فريق لم يلعب أو يلمس الكرة منذ عام كامل مع فريق مستعد وضم غالبية نجوم مصر فخسر الأهلى 6- صفر.. وسط تشجيع حار من قبل جماهير الأهلى والزمالك الذين لم يحتفلوا بالفوز وقتها، بل قاموا بالتصفيق للاعبى الأهلى، وبدلا من أن تكون هذه النتيجة محل خزى فى الأهلى.. تحولت إلى ذكرى للفخر. وعودة بعد سرد هذا النموذج التاريخى الذى يجب أن نحتذى به، أكد هانى رمزى تمسكه بالرحلة رغم الجدل المثار حولها، مشيرا إلى أن السفر بتأشيرات إسرائيلية ليس تطبيعا لأننا سنلعب فى القدس العربية أمام المنتخب الفلسطينى وليس الإسرائيلى، مشددا على أن الهدف من الرحلة نبيل. أما علاء عبدالعزيز المدير الإدارى للمنتخب فقال: إن فكرة اتهام المنتخب بالتطبيع مرفوضة تماما لإننا سنلعب فى القدس لا تل أبيب ونفى أن تكون هناك أية مشكلة تتعلق بتصاريح السفر إلى القدس، مشيرا إلى أنه فى مثل هذه الحالات يقوم بدوره بتسليم جميع الأوراق والبيانات التى تتعلق بكل أعضاء الجهاز الفنى واللاعبين إلى وزارة الخارجية التى تتولى بمعرفتها استخراج تصاريح المرور إلى الأراضى الفلسطينية. وأوضح عبدالعزيز، أن هذه المباراة هدفها فى المقام الأول مؤازرة الشعب الفلسطينى الشقيق فى محنته، وهذا الأمر ليس غريبا على الرياضة المصرية بدليل واقعة محمد أبوتريكة لاعب المنتخب الوطنى الشهيرة فى أمم غانا 2008 عندما كشف عن قميصه الداخلى فى إحدى المباريات مكتوبا عليه تعاطفا مع غزة. لكن سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة أكد أن قرار السفر للعب مع المنتخب الفلسطينى، لم يصدر بعد وأن مجلس الاتحاد أحال الموضوع للمجلس القومى للرياضة للحصول على تصريح بالسفر، وأضاف: حصلنا على وعد من جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطينى بإنهاء كل الترتيبات عن طريق السلطة الفلسطينية بشرط ألا يكون لإسرائيل أية علاقة بالأمر، لأننا نرفض الدخول عبر إسرائيل أو الحصول على أية تأشيرات بعيدا عن السلطة الفلسطينية، وهناك اتجاه داخل الاتحاد فى حالة الموافقة على إقامة المباراة باستخراج التأشيرات اللازمة لدخول بعثة المنتخب الأوليمبى إلى الضفة الغربية برا عبر الأردن فى صورة أوراق تصاريح أمنية منفصلة تصدر من سلطات الاحتلال أو السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، دون وضع أختام على جوازات سفر المشاركين، حتى يسهل تمزيق التصريح الإسرائيلى بعد العودة ومحو أى أثر لزيارة صاحبه إلى الدولة العبرية. فيما قال رئيس الاتحاد الفلسطينى لكرة القدم جبريل الرجوب: إن وجود المنتخب المصرى الأوليمبى فى الأراضى الفلسطينية خلال هذه الفترة سيساهم فى تعريف العالم بالكرة الفلسطينية، خاصة أن الكرة المصرية اكتسبت شهرة عالمية فى الفترة الأخيرة بعد فوز المنتخب المصرى الأول ببطولة الأمم الأفريقية لثلاث مرات متتالية، فضلا عن مبارياته الودية أمام كبار اللعبة فى العالم وآخرها أمام المنتخب الإنجليزى. وعن الشكوك التى تحوم حول إمكانية إقامة هذه المباراة قال الرجوب فى تصريحات لشبكة السى إن إن.. ليس لدى شك فى نوايا الاتحاد المصرى باللعب أمام المنتخب الفلسطينى، إلا أن ذلك سيتوقف على موافقة إسرائيل، فمن الوارد أن ترفض تواجد المنتخب المصرى فى هذه الفترة.