رسالة رجل الدين روحية فى المقام الأول.. هدفها أن يحاول إصلاح الفرد - ومن ثم المجتمع - عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة.. لكن الجديد فى الألفية الثالثة أن رجل الدين الآن أصبح يتربح من موعظته ويقبل المال على دور روحى أصبح هذا الأجر المادى هو أكبر أولوياته! هى الظاهرة التى تشبعت بها القنوات السلفية على النايل سات.. فيكفيك أن تقوم بجولة وسط هذه الشاشات لتكتشف أنها جميعا استنساخ لجوهر واحد، والهدف الرئيسى من إنشائها هو جمع الأموال، حتى أن أصحابها - كما سنرى فى هذا التحقيق - مستعدون لفعل أى شىء مقابل الربح المادى.. بدءا من أغانى الفيديو كليب وانتهاء بإدخال القرآن فى مسابقات ال .S.M.S قناة الناس بدأ بثها فى شهر يناير عام 2006 كأول قناة سلفية بعد أن كانت هناك تجربة لقناة تسمى قناة "خير" لكنها أغلقت بعد افتتاحها بثلاثة أشهر فقط. بداية قناة الناس كانت إمكانيات متواضعة على المستوى الفنى والمادى وكانت خريطتها البرامجية تركز على تفسير الأحلام والحسد، وعرض حفلات الزفاف، وكذلك إعلانات طلب الزواج.. هذا التوجه الإعلامى لم يصل بقناة الناس إلى كل الناس مما جعل القائمين عليها يفكرون بشكل آخر فاتخذت القناة شعارا يلهب قلب المشاهد وهو "شاشة تأخذك إلى الجنة" واستقطبوا مشايخ السلفية فى مصر الذين كانت لهم جماهيرية عريضة عن طريق شرائط الكاسيت، أما الشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ أبو إسحاق الحوينى والشيخ محمود المصرى وغيرهم ممن جذبوا المشاهدين لمتابعة القناة حتى أصبحت هى القناة الفضائية الأولى من بين القنوات الإسلامية. وهذه القناة صاحبها رجل الأعمال السعودى منصور ابن كدسة صاحب قناة "خليجية" أيضا، وهى فى الأصل قناة غنائية تخصصت فى الفيديو كليب، وكانت لا تختلف كثيرا عن قناة "ميلودى هيتس" و"مزيكا" وغيرهما، لكن شيوخ السلفية لم يعجبهم هذا الوضع، وتدخلوا لإقناع صاحب القناة بتغيير منهجها من الأغانى إلى التنظير الدينى السلفى، خاصة أنه بمرور الوقت تبين أن القنوات الدينية تحظى بإقبال كبير وتربح أموالا طائلة. مدير القناتين الدكتور عاطف عبد الرشيد أصبح بعد ذلك شريكا فى كل البرامج التى تذاع على القناتين، وهو مدير سابق لشركة أطفالنا للنشر. فى البداية فتحت قناة الناس أبوابها لكل شاب وفتاة من شباب الإعلاميين لكنها بعد ذلك وضعت شروطا معقدة للفتيات اللائى يردن العمل بها منها أن تكون الفتاة منقبة وألا تعمل مذيعة بل يمكنها أن تعمل معدة أو فى قطاع آخر، لكن الأغرب أن قناة الناس ظلت لفترة طويلة لا تدفع أموالا للعاملين فيها بحجة أنهم يعملون فى الدعوة والدعوة لا يأخذ صاحبها أجرا!! لكن مع تذمر العاملين قررت الإدارة دفع مرتبات ضعيفة جدا لهم رغم أن القناة تربح أموالا طائلة من خلال الإعلانات التى تقدم عليها ومن خلال رسائل .SMS هذا المردود المادى الكبير دفع بعض الكوادر الكبيرة فى القناة أمثال عاطف عبد الرشيد ومحمد حسان إلى المسارعة بإنشاء قنوات سلفية أخرى خاصة بهم مثل قناة الرحمة التى يمتلكها الشيخ محمد حسان ويديرها شقيقه محمود حسان، وكذلك استطاع الدكتور عاطف عبد الرشيد أن يتفق مع أحد رجال الأعمال الخليجيين ليدخل معه شريكا فى تأسيس قنوات الصحة والجمال التى كانت تعتنى بجمال المرأة فى السابق وقناة الحافظ.. والقناتان حافظتا على الطابع السلفى فهما مجرد استنساخ لقناة الناس بهدف تحقيق ربح مادى مماثل. الدكتور عاطف عبد الرشيد لم يكتف بذلك، بل أسس بعدها شركة تسمى الشركة الذهبية لبيع جميع المنتجات المنزلية عن طريق الإعلان التليفزيونى وتوصيل الطلبات إلى المنازل، وعن طريق هذه الشركة يحقق أرباحا ضخمة.. لكن النشاط الغريب هو أن قناة الصحة والجمال تقوم بتأجير البرامج بالساعة لبعض المنتجين على الهواء مباشرة مقابل 5 آلاف جنيه للساعة، وهناك بعض الشيوخ، خاصة ممن يدعون العلاج بالقرآن أو العلاج بالأعشاب يقبلون على شراء حق البث لمدة ساعة أو ساعتين فى الأسبوع مقابل دفع المبلغ للقناة على أن تتم كتابة شروط لا تخالف سياسة القناة فى العقد. المؤسف أنه رغم هذا النشاط المالى الواسع إلا أن قنوات الحافظ والصحة والجمال تدفع أجورا زهيدة جدا للعاملين فيها بنفس الحجة التى اتبعتها قناة الناس وخليجية قبلهما، رغم أن قناة الناس وخليجية يمتلكهما رجل ثرى والذى وجد أن قناة الناس تربح أموالا طائلة، فقام بتغيير نشاط قناة خليجية من الأغانى فى 4/2007 إلى البرامج الدينية السلفية واستقطب نفس الشيوخ ورغم تغيير شعار قناة خليجية ليصبح شعارها الحالى "نور وبصيرة" مثلما فعلوا فى قناة الناس التى أصبح شعارها "شاشة تأخذك إلى الجنة".. هذا التحول تم التمهيد له دراميا عندما وقف الشيخ محمد حسان فى أحد برامج قناة الناس يبشر المشاهدين بالخبر السار، فقد قرر الشيخ منصور بن كدسة تحويل قناة خليجية الغنائية إلى قناة إسلامية.. لحظتها أوقفت القناة عرض برامجها الغنائية وبدأت فى بث تلاوة القرآن الكريم ثم أغانٍ إسلامية عن التوبة، وأعلنت أسماء العلماء والشيوخ الذين سوف يقدمون برامجها ومنهم الشيخ محمد العريفى ومحمد حسين يعقوب ومحمد حسان وسعد البريك وغيرهم من شيوخ السلفية الذين يظهرون بانتظام على قناة الناس الإسلامية. ومن ضمن القنوات الدينية التى ازدهرت على النايل سات لفترة من الوقت قناة الأمة لصاحبها أبو إسلام أحمد عبد الله والتى ظلت ما يقرب من عام ونصف العام تبث برامجها على النيل سات القمر المصرى قبل أن تطرد منه أبوإسلام أحمد عبد الله سلفى له نشاط واسع فى دول الغرب، وهو مصرى معروف عنه انضمامه السابق لأكثر من تيار دينى فى الكلام عن المسيحية وإعلانه فى كل وقت وحين عن أسلمة الفتيات المسيحيات.. وكان القصد من إنشاء هذه القناة الرد على زكريا بطرس صاحب قناة الحياة التى يبث برامجها على القمر الأوروبى إلا أن أبو إسلام تلقى لطمة كبرى عندما تم إغلاق القناة على النايل سات بسبب قلة مسئولية القائمين عليها وإثارتهم لقضايا طائفية قد تحرك الفتنة داخل المجتمع، فقام صاحب القناة بنقلها بدوره إلى القمر الأوروبى، وهناك أيضا قناة الفجر لصاحبها وجدى الغزاوى - سعودى الجنسية - والذى تردد فى وقت إنشائها أنه يتبرع بثلاثة ملايين جنيه لتمويل برامجها.. ورغم أن القناة تسير على نفس منهج القنوات السلفية إلا أن الغريب أنها أثارت مشكلة بين القنوات السلفية فى الفترة الأخيرة.. وعلى غرار مسابقة ستار أكاديمى ومسابقات المواهب ثم تنظيم مسابقة "المزمار الذهبى"، وهى مسابقة المقصود بها المقامات القرآنية على غرار المقامات الموسيقية المعروفة لدى أهل الفن ثم تغير الاسم بعد ذلك إلى مسابقة "مقامات المزمار الذهبى" بعدها تم حذف كلمة الذهبى وأصبح اسمها مسابقة "مقامات المزمار".. وقتها قال الشيخ أبو إسحاق الحوينى إن مسألة الخلط بين المقامات والقرآن مسألة قبيحة لأن العوام ربطوا بين المزمار والقرآن بفضل تلك المسابقة وطالب المسئولين عن القناة مراجعة أنفسهم.. ورغم الانتقادات الحادة للمسابقة سارت فى طريقها ولم تتوقف واستمرت حوالى ستة أشهر وتم تنظيمها فى أكثر من بلد عربى منها قطر واليمن ومصر والإمارات وكان كل بلد عربى يقوم بالتصويت عن طريق الرسائل والموبايل لأحد القراء إلى أن تم جمع أكثر من ثمانية عشر مليون جنيه من وراء تلك المسابقة غير الذى دفعته بعض الجمعيات والشركات وكان شعار المسابقة "اطرب تؤجر" وكان مكتوبا على الشاشة طوال شهور المسابقة لترتفع عن طريق هذا الشعار نسب المشاهدة وحجم الجذب الإعلانى.. وزاد من مصداقية هذه المسابقة لدى المشاهدين أن المشرف عليها ورئيس لجنة التحكيم هو الشيخ أحمد عيسى المعصراوى شيخ مشايخ المقارئ المصرية، لكن المفاجئ أنه فى الفترة الأخيرة شن الشيخ المعصراوى هجوما شديدا على قناة الفجر وعلى المسابقة ذاتها، ولم يكن هجومه هو الوحيد، بل دخلت قنوات أخرى سلفية للهجوم على قناة الفجر ومسابقتها كقناة الناس والحافظ والرحمة رغم أن قناة الفجر أعطت أحمد حسان ابن الشيخ محمد حسان إحدى جوائز حفظ القرآن الكريم - رغم سابقة خروجه من مسابقة نظمتها وزارة الأوقاف فى وقت سابق - إلا أن عمه محمود حسان مالك قناة الرحمة هاجم قناة الفجر بشدة، واعتبرت هذه القنوات مسابقة قناة الفجر حراما والاشتراك فيها حراما بعد أن ربحت 18 مليون جنيه غير ما دفع تبرعات من الجمعيات الخيرية لا يعرف أحد قيمتها. جمهور مختلف تستهدفه قناة الهدى التى تذيع برامجها باللغة الإنجليزية، فهى تستقطب شيوخ السلفية فى الدول الغربية من العرب الذين يقيمون فى أوروبا وأمريكا لأن هدفهم توصيل منهجهم إلى الغرب. ومن الفضائيات إلى شركات الكاسيت التى أصبحت فى حيرة من أمرها فبعد أن كانت تحتكر السوق لأن هؤلاء المشايخ لا يراهم أحد ولا يستطيع الوصول إليهم إلا عن طريق حضور الدروس الدينية فى المساجد التى يترددون عليها.. لذلك كان السبيل لسماعهم هو شرائط الكاسيت التى كانت فى الماضى الأكثر مبيعا، وتحقق أرباحا طائلة إلا أنها تراجعت فى السنوات الأخيرة بعد ظهور شيوخ السلفية بالصوت والصورة على شاشات الفضائيات بعد أن كانوا فى الماضى يحرمون دخول جهاز التليفزيون إلى المنزل وكانوا يطلقون عليه ساحر العصر الحديث، خاصة فتاوى أبو إسحاق الحوينى التى حرمت دخوله إلى المنزل نهائيا واعتبرته كالشيطان فى ضرره إلا أنه عاد وأفتى بأن التليفزيون كجهاز ليس حراما، ولكن مشاهدة القنوات غير الدينية هو الحرام، خاصة بعد أن أصبح نجم هذه القنوات. وشركات الكاسيت حتى لا تعانى كثيرا بدأت فى التحول إلى نشر خطب ودروس مشايخ السلفية على سى ديهات، وهناك شركات بعينها تحتكر شيوخ السلفية منها شركة رسالة لطباعة ونسخ شرائط الكاسيت ومقرها شارع عبد العزيز بالعتبة والتى تنسخ وتبيع شرائط أغلب شيوخ السلفية، لكنها متخصصة أكثر فى شرائط الشيخ محمد حسان وشركة الجزيرة للإنتاج الإعلامى بمنطقة الطالبية بالهرم والتى تخصصت فى نسخ وبيع شرائط الشيخ محمد حسين يعقوب، وشركة الراية للإنتاج الإعلامى والتوزيع لصاحبها رمضان على غريب ومقرها العتبة متخصصة فى إنتاج شرائط الشيخ محمود المصرى. أيضا دار العاصمة للإنتاج والتوزيع متخصصة فى إنتاج شرائط الشيخ أبو إسحاق الحوينى ومقرها الطالبية بالهرم - جيزة وتسجيلات النور الإسلامية لصاحبها حامد الطحان متخصصة فى إنتاج وتوزيع أغلب شرائط شيوخ السلفية ولها مقران واحد فى القاهرة والآخر فى ميدان المحطة بطنطا. محمود عبد الرحيم مدير إحدى شركات توزيع الكاسيت يقول إن الشركة فى الماضى كانت تربح من بيع شرائط الكاسيت لمشايخ السلفية خاصة محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحوينى ومحمود المصرى ومسعد أنور قبل ظهورهم فى القنوات الفضائية، لكن بعد أن أصبح وجودهم على تلك القنوات شبه يومى انخفضت المبيعات بشكل ملحوظ لدرجة أن النسبة نزلت لأكثر من 60٪ عن الماضى، لذلك اتجهت أغلب الشركات لإنتاج السى ديهات لهؤلاء المشايخ حتى تستطيع أن تواكب العصر وإن كان بيعها لا يحقق ما كنا نرجوه، خاصة أن أغلب المشايخ لهم مواقع على الإنترنت ويضعون محاضراتهم ودروسهم الدينية عليها مما أفقدتنا الكثير من الأرباح التى كنا نحصل عليها فى الماضى.