يعيش الشعب المصرى فى هذه الآونة مشاعر الألم والغضب والغدر والمهانة والإحباط كوحوش كاسرة تسوق أمامها شعبا بأكمله، وتلهب ظهره بالسياط. ولم يكن هذا الشعب الذى أرضعته المحن، وفطمته الشدائد، وعركته آلاف السنين، لتهتز فيه شعرة واحدة لهزيمة فريقه فى مبارة كرة، ولكنها طعنات الغدر التى وجدها تنهال عليه من كل صوب بيد الأخ الحاقد، والشقيق المتغاضى أو الشامت، والناصح الذى افترض فيه الأمانة، والحارس الذى ائتمنه على عرضه وكرامته. إن الألم الذى يكتوى المصريون بناره هذه الأيام ليس لأن الهزيمة قد لحقت بفريقهم الذى هزم عشرات المرات من قبل، وإنما لأن الهزيمة قد لحقت بكل مايعتزون به فى تاريخهم وحاضرهم. فلقد انهزم أمام أعينهم حلم العروبة الذى عاشوه وقدموا فى سبيله الكثير، كرة حين رأوا إخوانهم الجزائريين الذين تبادلوا معهم أسمى التضحيات يطأون هذا الحلم بأقدامهم منساقين بجهل وبساطة وراء حفنة من الشعوبيين، الانفصاليين، أعداء العروبة، ومن أغواهم من السماسرة الأعراب، وكرة أخرى حين رأوا أشقاءهم السودانيين الذين فضلوهم على العالمين، واختاروا اللعب فى بلدهم، يرفعون أعلام غيرهم ثم يقفون بمبررات قانونية موقف أقرب إلى الحياد، وهم يعتدى عليهم على أرض السودان، ثم كرة ثالثة حين وجدوا إعلام أشقاء آخرين يزدان بالشماتة فى جراحهم والسخرية من آلامهم مرددا دعاوى المعتدين على أنها حقائق لا تقبل المناقشة، وأخيرا انهزم هذا الحلم الكبير كرة رابعة حين استغل البعض فى مصر كل ما حدث ليطالبوا إما عن جهل بمقتضيات الأمن القومى، ومتطلبات المجال الحيوى، أو عن غضب وألم بانكفاء مصر على نفسها، وانعزالها عن حتميات واقعها الجغرافى والتاريخى. كما انهزم عنهم إعلامهم الذى يفترض فيه المسئولية فى التوجيه، والأمانة فى ترتيب الأولويات، ومراعاة المصلحة الوطنية عند تعبئة وحشد الجماهير، انهزم عنهم هذا الإعلام حين أسلم قياده لحفنة من الإعلانجية الجهلة، معدومى الثقافة والغيرة، الذين وقعوا فى مصيدة الإعلام الشعوبى الحاقد، وبادلوه الردح والسباب، وتاجروا بكل غال ورخيص فى سبيل زيادة غلة الإعلانات. وأخيرا انهزمت وزارات وجهات حين سمحت لهذا الهوس الإعلامى أن يقع فى المصيدة، وأن يأخذ مداه، وحين أهملت وفشلت فى تحذير المواطنين الآمنين من الذهاب للخرطوم بنسائهم وأطفالهم، أو توفير الحماية لهم، فتعرضوا للاعتداء والإهانة، وأخيرا وبالتأكيد ليس آخرا، حين أهملت وزارة الإعلام وهيئة الاستعلامات أداء واجباتهما فى رصد وتوثيق الاعتداءات المتكررة من شعوبيى الجزائر منذ دورة ألعاب 1978 وحتى الأحداث الأخيرة، وحفظ حقوق مصر القانونية، وحماية سمعتها الدولية، فى حين نجح الشعوبيون المتربصون فى توثيق "طوبة" واحدة أساءوا بها لسمعة مصر فى العالم بأسره. ؟؟ إن ماحدث من اعتداء على شعبنا، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فحقا أن مصر هى الشقيقة الكبرى، ولكن الأشقاء الصغار عليهم أن يظهروا احترامهم لشقيقتهم وأن يلتزموا به. لابد أن نرى تحركا فوريا من جميع أجهزة الدولة لاسترداد هيبة الدولة المصرية، وهيبة الوطن، وحفظ كرامة هذا الشعب العظيم، ولعلنا نكرر هنا كلمات السيد جمال مبارك: "إن كل من خطط أو ساعد أو سهل أو حرض على أعمال العنف ضد المشجعين المصريين، عليه أن يتحمل تبعات الغضب المصرى". ورغم أننا لا نطالب الحكومة بأية تصرفات عنترية أو انفعالية يمكن أن يترتب عليها نتائج تسىء لأمننا القومى، أو تقلص من مجالنا الحيوى، إلا أنه قد آن الأوان لوقفة حاسمة نتأمل فيها أسس علاقاتنا مع جميع الأشقاء والأصدقاء، وأن نضع سياسات واضحة المعالم تتضمن خطوطا حمراء لا يسمح بتجاوزها سواء داخل أو خارج مصر لحفظ حقوق وكرامة المصريين. ولكن.. قبل أن نفكر فى حساب الآخرين علينا أن نجيب عن سؤال بسيط وهو: كيف نتوقع من الآخرين احترام المواطن المصرى إذا كان هذا المواطن يعامل أسوأ معاملة فى بلده، وتغتصب حقوقه، ويعتدى عليه من قبل جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها؟ إن احترام أبناء الشعب يبدأ من هنا، من عقر دارنا، وإلا فمن يهن على نفسه لابد أن يهون على غيره. أما وقد حدث ماحدث، فنحن لا نملك إلا أن نقول رب ضارة نافعة، فهذا الحشد الجماهيرى غير المسبوق، وذلك الغضب الشعبى الذى لم تعرفه مصر منذ حرب أكتوبر، يؤكدان أن شعبنا لايزال ينبض بحب الحياة، وأن دماء العزة والكرامة لا تزال برغم الظروف القاهرة تتجدد فى عروقه، وأنه لا يزال على العهد يتكاتف ويتوحد فى الملمات والشدائد تحت علم بلاده، وأن هذا الشعب الطيب الرائع لديه طاقات قادرة على تحقيق أكبر الإنجازات لو أحسن استغلالها وتوجيهها. إننا ندعو الجميع للاستفادة من هذه الروح الجديدة، وتوجيهها نحو ميادين الكفاح الحقيقية المرتبطة بشئون الوطن الحقيقى من مياه وخبز وتعليم ومواصلات وإسكان وضرائب، بعد أن تم استقطاب الناس وتغييب عقولهم لعقود طويلة فى شئون وطن وهمى من كرة قدم، وستار أكاديمى، وحجاب، ونقاب، وتحريضهم لإفراغ شحنات الغل والقهر والإحباط فى شركاء الوطن من الأقليات الدينية والعرقية المختلفة. إننا ندعو قيادات الحزب الوطنى الشابة، إن كانت حقا تؤمن بهذا الشعب، وتطمح فى قيادته، وتأمل فى التفاف النخب والجماهير من حولها، أن تشعر الناس بوجودها، وبأنها ليست استمرارا لغيرها، وأنها تملك رؤية مستقلة، ولديها إرادة قوية وحقيقية للإصلاح والتغيير، فتطهر حزبها من قياداته المترهلة، ومن بؤر الفساد وعصابات المنتفعين، وأن تلتحم أكثر بالجماهير وأن تكتسب ثقتهم من خلال تبنى قضاياهم، وتحسين أحوالهم، ورفع الظلم عن كاهلهم، فيتحول الحزب الوطنى من حزب للنخب إلى حزب للشعب كله. إننا ندعو قيادات الحزب الوطنى الشابة لأن تظهر إيمانها بحقوق الإنسان المصرى، وبالمجتمع المدنى الذى يمثله، وأن ترفع يد الأمن عن هيئاته ومؤسساته، فحينها فقط تستطيع هذه القيادات أن تطرح نفسها على الناس، وأن تقودهم من أجل تحويل الدولة فى بلادنا إلى دولة حديثة، فتية، قوية، وقادرة على الخروج بنا من نفق التخلف المظلم. كذلك ندعو الأحزاب السياسية إلى أن تبدأ فى تجديد شبابها، والتحول من أحزاب ورقية إلى أحزاب حقيقية، وأن تنزل إلى الشارع فورا ودون انتظار الإذن من أحد، لتتواصل مع الناس، وتعبئهم وتحشدهم وراء شعارات مرتبطة بمشاكلهم الحقيقية. وندعو الجمعيات الأهلية ونشطاء المجتمع المدنى على اختلاف ألوانهم واتجاهاتهم وأهدافهم الخيرية والبيئية والحقوقية، إلى استثمار ما حدث، وأن يجعلوا منه بداية لانطلاقة جديدة يشعر فيها المواطن العادى بوجودهم، وبقدرتهم على العمل والضغط والتأثير. إننا ندعوهم لتفعيل جميع برامجهم، أو إعداد برامج جديدة، والنزول بها إلى الناس، وابتكار وسائل جديدة فى الضغط لتنفيذ برامجهم، وتحقيق مطالبهم. ولعلنا فى هذه المناسبة نكرر ما قلناه مرارا وتكرارا، وهو أنه لا أمل فى أى إصلاح إن لم يقترن بنظرة جديدة إلى الإنسان فى مجتمعنا. فهو ليس فردا فى مجموع أو قطيع يحركه أى راع كما يشاء، ويضحى به وقتماء يشاء، بل هو نقطة الارتكاز فى هذا الوطن، وهو هدف السلطة وغايتها، وهو محور جميع النظم والقوانين، فهو المواطن، الفرد، الحر، المستقل، المتساوى فى الحقوق والواجبات مع سائر المواطنين بصرف النظر عن جنسه وعرقه وديانته. لك الله يا مصر، يا أرض الكنانة، ولك الله يا شعبها الطيب الصابر المكافح، يا صانع الحضارة، ويا خير أجناد الأرض، ولو كره الموتورون والحاقدون.