لم نكن نعتقد أن تتدنى لغة الحوار بين شعبين عربيين شقيقين يربطهما تاريخ مشترك إلى هذه الدرجة من الانحطاط الذى استخدمت فيه الألفاظ النابية البذيئة، لكن هوس كرة القدم حطم الكثير من الثوابت الأخلاقية حتى وجدنا شتائم «الإخوة» تتركز على النساء المصريات ومعايرة المصريين بأنهم آكلو الفول، وأن الشعب الحالى هم خدم الفراعنة الملعونين فى القرآن، والذين هزمهم البربر القادمون من الجزائر.. نتجمع حول المزمار وتفرقنا العصا.. نحيا فى وهم العلو.. نمارس السادية على الشعوب العربية.. الشعب الوحيد الساكن للقبور.. و الذين تركنا اليهود يعيثون فسادا فى مصر وساعدناهم فى حرب غزة الأخيرة بعدم فتح المعابر ليتدفق الفلسطينيون إلى داخل مصر!!! هذا غيض من فيض مما نشرته الصحف الجزائرية وتداولته مواقع الإنترنت المختلفة فى مخطط لايمكن إلا أن يكون مقصودًا لتسميم الأجواء وشحن النفوس قبل المباراة الفاصلة التى شهدت سواء فى أحداثها أو فيما تلاها من مهازل انتحار الشرف والأخلاق.. وإن كانت الصحف تغلفت ببعض الحياء فإن الجزائريين لم يلتزموا بأى حياء فى شتائمهم للمصريين على الإنترنت، حتى إننا اضطررنا إلى وضع نقاط مكان الألفاظ النابية والتى نخجل من نشرها. ركزت الصحف الجزائرية على شهادات العائدين من مباراة الفريقين يوم السبت الماضى بالقاهرة، وكان واضحا أنهم أشخاص بأعينهم جابوا تلك الصحف للترويج لفكرة أساسية وهى نجاتهم بأعجوبة من المصريين الهمج المتخلفين، حتى إن أحدهم وصف عودته بأنها عودة من جوانتانامو، ولهذا ردت الصحف بوصف مباراة السودان على أنها موقعة أم درمان! أثرياء الحرب تعتبر جريدة الشروق من أكثر الصحف الجزائرية تهييجا وإثارة ضد المصريين، والتى ذهبت إلى أن مصر خططت لإخراج المباراة من إطارها الكروى والرياضى وإعطائها أبعادا سياسية، واستغلالها لإعادة ترتيب البيت المصرى الذى يوشك أن ينهار على الفراعنة الجدد الذين يقولون للشعب المصرى الغلبان «أنا ربكم الأعلى» و«ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» ويريدون استغلال واقعة القاهرة لتجاوز الخلافات المصرية مع جيرانها فى «مرمى» القضايا العربية والعروبة التى ماتزال «الشقيقة الكبرى» ترفع لواءها. ويظهر بوضوح حداثة بث موقع الجريدة إليكترونيا، حيث لم يتم إنشاء أقسام مهمة مثل «من نحن» و«شروط الاستخدام» و«الأرشيف» ويعد القسم الأول تعريفا عن الموقع للمترددين بملاك الجريدة وأهدافهم وسياستهم التحريرية، أما القسم الثانى، فيوضح شروط الاستخدام من عقد حقوقى بين الموقع والمترددين عليه، وهو ما لم يحدث، بالإضافة لعدم وجود أرشيف مما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول ملاك الجريدة وأهدافهم التى يتمثل أهمها فى الترويج للجريدة المطبوعة والموقع فى دعاية الجريدة لنفسها فى الصفحة الرئيسية للموقع الإليكترونى لها بأنها المتصدية للإرهاب الإعلامى المصرى من خلال ظهور مدير تحريرها وثلاثة من محرريها فى القنوات الفضائية لبث آرائهم حول «واقعة القاهرة» - كما يطلقون عليها - وظهر ذلك جليا فى إعلان الصحيفة على موقعها دورها فى الأزمة التى افتعلوها وبأسلوب ملتو بمناشدة رئيس الجمهورية بالجزائر بافتتاح قناة فضائية تشرف عليها الصحيفة وتصبح منبر الدولة. الجريدة صورت لقاءها بأحد الشباب الجزائريين العائدين من القاهرة بالفيديو، حيث حكى الشاب المبحوح الصوت بأنه عائد لتوه من جوانتانامو. شهادة أخرى كتبتها الصحيفة لأحد العائدين «فريد زعبوب» واصفة تعبيرات وجهه بأنها أقوى علامات الصدمة، والذى أكد بأن هذه أول مرة وآخر مرة يزور فيها مصر «هاذو مستحيل يكونوا عباد». ويفرد موقع الصحيفة إعلانا ضخما بأنه وللمرة الأولى فى الجزائر والعالم العربى يتم توزيع مليون ونصف المليون نسخة من جريدة (وهو العدد الذى نشرت فيه الجريدة على صفحتين مزاعمها لتعرض مشجعين جزائريين للقتل فى القاهرة يوم السبت الماضى) وكان له تأثير فى إثارة الجزائريين وتخريبهم لمواقع الشركات المصرية المستثمرة هناك. الصحيفة علقت على تصريحات هانى أبوريدة نائب رئيس الاتحاد المصرى للكرة بتقدم مصر بتقرير مفصل عما حدث قبل وأثناء وبعد مباراة الجزائر قائلة «مهما يكن فإن المصريين أكدوا للعالم، وللمرة الألف، بأنهم أوفياء للقاعدة التى رسموها لأنفسهم فى حياتهم اليومية والتى تقول «ضربنى وبكى وسبقنى للقاضى واشتكى». أما جريدة الأيام، فقد بثت على موقعها الإليكترونى فيلما ادعت أنه يمثل مشاهد الاعتداء على الفريق الجزائرى فى القاهرة.. وعرضوا لما أسموه واقعة ضرب أتوبيس لاعبى المنتخب بالحجارة وعندما نزل اللاعبون إلى الفندق، سارع أحد مرافقيهم بوضع يده على الكاميرا حتى لا يتم التصوير ويظهر الفيلم مشاهد لقوات الأمن المركزى تحرس الأتوبيس الجزائرى، وهو ما فهمه أحد اللاعبين بأنها سيارة حربية، مشيرا إليها لتصورها الكاميرات الخاصة بهم، وبعد المباراة يظهر المنتخب الجزائرى أمام وسائل الإعلام فى حالة صحية سيئة ومستندين على أذرع معاونيهم، وبمجرد ركوبهم الأتوبيس انطلقت الأغانى ملوحين بإشارات بذيئة للجمهور المصرى على الطريق. جريدة الخبر هددت منتخبنا والمصريين فى السودان تهديدا مباشرا، حيث رفعوا شعار «السن بالسن والبادئ أظلم» ونشرت الجريدة تغطية للجمهور الجزائرى فى الخرطوم، حيث قال أحدهم ويدعى فيصل: سأذهب برفقة أصدقائى الثلاثة إلى مقر إقامة المنتخب المصرى «للتشويش عليهم»، وتصف الصحيفة رد فعل القاهرة تجاه المباراة بأنها سدت الآذان قبل المباراة وتطيل اللسان بعدها وتستدعى حجار (السفير الجزائرى فى مصر)، وتناولت الصحف حرق مكتب مصر للطيران واصفة المشاغبين بأنهم الشباب الغاضب، والذى توعد بالذهاب إلى السودان من أجل الثأر للمصابين الجزائريين فى ملعب القاهرة. «عبدالرازق مقرى» القيادى فى حركة «مجتمع السلم» صرح بأن ماأسماه التواجد الصهيونى على الأراضى المصرية لايخفى على أحد، وله أياد طولى فى هذا البلد.. داعيا إلى أن يحفظ الله الجزائر من الإرهاب الإعلامى المصرى، والذى شحن الشارع المصرى دون أى اعتبار لشعارات الأخوة، أو لموقع مصر فى العالم العربى والإسلامى، إذا ما سايرنا «السادية» المصرية المعلنة. وطالب «موسى تواتى»- رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية- بتقليص البعثة الدبلوماسية الجزائرية فى القاهرة، ومراجعة العلاقات الاقتصادية مع مصر، لاسيما فى مجالى التجارة والخدمات، واحتج تواتى على توظيف السلطات المصرية المقابلة الرياضية لأهداف سياسية. وتحت عنوان «جزائر العزة لن تركع ولن تساق ومصر تسكنها عقدة كبرياء» أفردت الصحف المجال للأمين العام لحركة الإصلاح الوطنى، «جمال بن عبدالسلام» لشتم المصريين الذين يعانون من عقدة تاريخية إزاء كل ما هو جزائرى، - حسب قوله - ترجع إلى عدة أحداث ووقائع سجلها التاريخ، ولم تتح لهم الفرصة لإظهارها علنا إلا عندما نزل أبناء نوفمبر على أرضهم مسالمين من أجل مباراة فى كرة القدم»، مشيراً إلى المواقف الثابتة للجزائر التى أصبحت تحرج هذا البلد، الذى يحاول واهما تزعم العالم العربى، الذى رضخ لبعض سياساته لحاجة فى نفس يعقوب، وأصبحت تساق فى عدة مناسبات، المعروفين بثبات مواقفهم إزاء القضايا العادلة. جريدة الفجر أفردت المجال لمن يريد التعليق وكتابة المقالات فجاءت بمجموعة من الصفات ألصقتها بالمصريين بدءا من.. أناس يجمعهم المزمار وتفرقهم العصا، الشعب الوحيد فى العالم الذى يسكن القبور.. أكبر شعب يتناول الفياجرا، (مرجعين ذلك إلى تدهور المعنويات فى مصر)، مستشهدين بفيلم عادل إمام «النوم فى العسل» وتصرف الزوج حسام أبوالفتوح مع زوجته الراقصة دينا. أما جريدة صوت الأحرار فجاءت شتائمها مباشرة فبعد «تحيا الجزائر أرض الشجعان»، كان «خونة خونة آل فرعون، «حرامى حرامى المصرى حرامى»، وأن المصريين مشهورون بالخديعة والنفاق، وأنهم استغلوا الإعلام للترويج لأفكارهم، «هذوا ما شى عباد هذوا وحوش». وتعدى الأمر إلى نشر أحد المعلقين على الصحيفة نبأ فانتازيا هو إلقاء القبض على أحد المصريين العاملين فى الغرب الجزائرى متلبسا بالتجسس على منشآت جزائرية لصالح أسيادهم اليهود! وقد تم إلقاء القبض على هذا النجس من قبل أجهزة الأمن الوطنية، وتم تقديمه للعدالة التى بدون شك ستحكم عليه بالإعدام، وبدأت الردود الثورية على الخبر السابق بأن قال أحدهم «ألم أقل لكم أن جلدة منفوخة عرت ما كان يلبسه من تحت هؤلاء النجس أنهم خونة لا تثقوا فيهم» وتساءل آخر: لو كانت المقابلة فى تونس وليست الجزائر؟ هل يملك خنازير نهر النيل الشجاعة فى التنقل إلى تونس مثل شجاعة الجزائريين الذين سينتقلون إلى السودان؟ أما ثالث فيرى أن مصر تتشدق عليهم بالمعايرة لأنهم برابرة «نعم نحن نعتز بنسبنا الذى هزم أسرة الفراعنة السابعة عشرة، لكن من أنتم، لا تستطيعون أن تقولوا عرب، الآن العربى شهم كريم وصادق، أنتم ولا حاجة ونسبكم المسكين مشكوك فيه، وحتى أنتم لا تعرفون ملتكم». أما روراوة - رئيس اتحاد الكرة الجزائرى - فقد أعلن إنهاء صداقته لسمير زاهر رئيس اتحاد الكرة المصرى، وبأنه لا يشرفه لقاء زاهر فى المستقبل، مختتما بالدعاء على المصريين بقوله «حسبى الله ونعم الوكيل منكم يامصريين». شتائم الإنترنت كانت التعليقات على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) عارية تماما من أى خجل أو حياء أو دين، نظرا للستار الخفى الذى تمنحه لمن يرتادها ليكتب ما يشاء فانصبت الشتائم لتشويه التاريخ الفرعونى ومعايرتنا بمعاهدة السلام مع إسرائيل، بالإضافة لشتائم النساء المصريات بأحط الألفاظ، فيبارك أحدهم للمنتخب واصفا المصريين بالفراعنة المحنطين، ومنتخب الساجدين لغير الله، منتخب البهدلة.. أما آخر فيحمد ربه يوميا أنه ليس مصريا ولا ينتمى إلى هذه الأمة الصوتية الفقيرة فى كل شىء غير الفهلوة والقليل من بقشيش التاريخ «إحنا نعرفكم وكل العرب وأكيد انتو عارفين حالكم شوفو واقعكم» ويختتم مداخلته بحكمة وهى أن «المصريين عاوزين جنازة ويشبعوا فيها رقص» ويعاير آخر المصريين بأنهم يعملون فى مهن بسيطة فى الدول العربية بقوله «مسيرة ضخمة فى شارع الشيخ زايد مقابل مول الإمارات بسبب فوز المنتخب المصرى مكونة من 0002 دراجة بيتزا هوت و0003 سيارة توصيل منازل كينتاكى». ويحلل رابع هدفى المباراة بأنهما نتيجة تسلل بعد قوله «إيه يامصريين ولا حد يغلبكم فى الكلام، ممكن كسبتو اللقاء بكل الطرق غير المشروعة بعد هذه المكيدة النكراء ضد الجزائر والتى تبقى وصمة عار على جبينكم إلى قيام الساعة، حتى أن الهدفين الاثنين عبارة عن تسلل بشهادة المختصين، معلش اعتبرهم صدقة من عندنا». الصمت أو محاربة إسرائيل أما آخر فيندهش من مساندة المصريين لفريقهم الوطنى طالبا أن يترجم هذا الحماس فى محاربة إسرائيل بقوله «أنا مش عارف أين ذهب كل هذا الحماس فى أيام العدوان على غزة جيرانكم وأشقاؤنا، المهم فى الخرطوم كل المعطيات والظروف مغايرة ولن تقدروا على البلطجة هناك، وسنعطيكم درسا لن تنسوه طول حياتكم إضافة إلى وصمة العار التى على جبينكم وإن غدا لناظره قريب، ويطالب آخر المصريين بتحرير فلسطين (وكأنه فرض عين على المصريين فقط!). هذه هى الصفات التى نعتنا بها الشعب الجزائرى المسلم.. وهى توضح أن الفوز فى كرة القدم حتى لو لم يكن شريفًا أهم عندهم من السياسة والدين والجغرافيا والتاريخ وكل شىء.