التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن القبول المبدئي وموعد الامتحان الإلكتروني لشغل 964 وظيفة معلم مساعد حاسب آلي بالأزهر    بني سويف توفر فرص عمل للشباب و38 عقدًا لذوي الإعاقة    جمال الوصيف: استمرار توافد الناخبين على السفارة والقنصلية بالسعودية رغم فترات الاستراحة    وزير المالية: المفاوضات مع صندوق النقد إيجابية جدًا وتعكس النتائج المالية الجيدة والقدرات الكامنة فى الاقتصاد المصرى.. وحزم التسهيلات الضريبية والجمركية تدفع مسار الثقة والشراكة مع القطاع الخاص    العثور على الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبى ومرافقيه فى تركيا    بهدفه في السودان.. رياض محرز الهداف التاريخي للجزائر في "كان"    قرار جديد بشأن المنتجة سارة خليفة في قضية المخدرات الكبرى    مقتل مسنة على يد نجلها في قرية الشيخ مسعود بالمنيا    موعد ومكان عزاء الفنان طارق الأمير    رئيس الوزراء: «المثلث الذهبى» غنى بالفوسفات وننظر له باعتباره منطقة صناعية هامة    الكاميرون تواجه الجابون في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    نجاح الفريق الطبي بقسم الرمد بمستشفى المنزلة في إجراء أول عمليتين مياه بيضاء بتقنية الفاكو بالدقهلية    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    ديبال S05 تحصل على تصنيف 5 نجوم في اختبارات Euro NCAP لعام 2025    تقارير: نيكولاس أوتاميندي على رادار برشلونة في الشتاء    البورصة المصرية تربح 4 مليارات جنيه بختام تعاملات الأربعاء    إعلام قنا تشارك في المؤتمر العلمي التاسع لكلية الإعلام    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    بدء المحادثات بشأن النزاع الحدودي بين تايلاند وكمبوديا وسط آمال للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار    محمد معروف يشهر أول بطاقة حمراء في أمم أفريقيا 2025    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    المتحف المصري بالقاهرة يحدّث قواعد الزيارة حفاظًا على كنوزه الخالدة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    التعاون الاقتصادي والتجاري والمباحثات العسكرية على طاولة مباحثات لافروف والشيباني    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    خالد عبدالعزيز يترأس الاجتماع الختامي للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام الإثنين المقبل    النائب محمد رزق: "حياة كريمة" نموذج للتنمية الشاملة والتحول الرقمي في مصر    فوز 3 طلاب بجامعة أسيوط بمنحة للدراسة بجامعة كاستامونو بتركيا    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    إيمان العاصي تجمع بين الدراما الاجتماعية والأزمات القانونية في «قسمة العدل»    وزير الري: الدولة المصرية لن تتهاون في صون حقوقها المائية    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    الداخلية تستجيب لاستغاثة مواطن وتضبط المتهمين بالشروع في قتل شقيقه    أمم إفريقيا – براهيم دياز: سعيد بتواجدي في المغرب.. والجمهور يمنحنا الدفعة    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    ضبط 4 متهمين اعتدوا على مواطن بأسلحة بيضاء بسبب خلافات فى السويس    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    حمادة صدقي: منتخب مصر فاز بشق الأنفس ويحتاج تصحيحا دفاعيا قبل مواجهة جنوب أفريقيا    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    مع اقتراب الامتحانات، أكلات تحسن التركيز للطلاب أثناء المذاكرة    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    واشنطن في مجلس الأمن: سياسات مادورو تهدد أمن الولايات المتحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل أصبحت الدولة المصرية أرضا خصبة لنمو الطائفية؟!

من يصدق أن مصر التي أقامت أعظم حضارة إنسانية في التاريخ، والتي قادت حركة الإحياء في المنطقة العربية منذ منتصف القرن التاسع عشر، والتي عرفت الدولة المدنية والحياة النيابية والأوبرا قبل العديد من دول أوروبا، والتي تحتضن الأزهر الشريف قلعة الإسلام الصحيح يمكن أن تسقط في براثن التخلف الحضاري علي يد حفنة من مشايخ السلف والإخوان.
من يصدق أن مثقفي مصر من أحفاد رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين وسلامة موسي وهدي شعراوي وطه حسين ولويس عوض وزكي نجيب محمود يخوضون اليوم من جديد معارك الحجاب والسفور، والوحدة الوطنية، والمرجعية المدنية والدستورية للدولة، وهي المعارك التي حسمها أجدادهم العظام بدمائهم منذ أكثر من مائة عام.
من يصدق أن مصر في مشارف القرن الواحد والعشرين تبحث لنفسها عن حركة إحياء جديدة بعد أن أعادها تحالف الاستبداد والرجعية الإسلامية قرونا إلي الوراء.
من يصدق أن مصر التي قهرت مستعمريها بسيف وحدتها الوطنية، ونقل عنها العالم شعارها الحضاري العظيم الدين لله والوطن للجميع ، يتمزق اليوم نسيجها الوطني بفعل التحريض الطائفي، الذي يقوم به هؤلاء.
إن نشر الحجاب الذي لم ينزل الله به من سلطان ومن بعده النقاب، وإشعال الفتنة الطائفية هما الركيزتان الأساسيتان في استراتيجية هذه الجماعات لتقويض أسس الدولة المدنية، وزعزعة الأمن والاستقرار في المجتمع، والنيل من هيبة الدولة وتحدي مؤسساتها السياسية والدينية والقانونية والأمنية، من أجل توفير المناخ المناسب للخروج عليها وإسقاطها. فبعد أن أصبح الحجاب بقدرة قادر الركن السادس في الإسلام، أصبح التربص بالمسيحيين المصريين واجبا دينيا مقدسا أيضا. فالخطاب السلفي لاينظر إليهم كمواطنين يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات وإنما كأغيار أو موالٍ أو أهل ذمة يجب مواجهتهم وحصرهم والحد من طموحاتهم، كما صرح بذلك مرشد الإخوان الأسبق مصطفي مشهور.
لقد نجح مشايخ السلف والإخوان في إشاعة مناخ هستيري من كراهية المسيحيين في مصر تجلي منذ أحداث الزاوية الحمراء الشهيرة في مسلسل مخزٍ لم ينته بعد من الاعتداءات المنظمة أو العفوية علي أرواح وممتلكات المسيحيين المصريين.
فإلي جانب الحوادث الصغيرة التي تحدث نتيجة للتعاملات والاحتكاكات اليومية والتي كثيرا ما تأخذ منحي طائفيا بفضل التعبئة الطائفية المستمرة، تعرض إخواننا المسيحيون لعدد من الاعتداءات كان أهمها إمبابة 1991 وأسيوط 1994 والكشح 1998 والكشح 2000 ومحرم بك 2005 والعديسات 2006 وبنها 2007 وأبوفانا 2008 وأخيرا ديروط .2009
وغالبا مايتكرر نفس السيناريو لإشعال الحريق الطائفي، حيث يتلقف المتطرفون خبرا عن إقامة كنيسة أو صومعة في مكان ما أو تجديد مكان قائم للعبادة، أو إقامة صلاة أو احتفال ديني بمنزل أحد المسيحيين لكي تقوم القيامة ولا تقعد، وكأن المسيحيين ليسوا بمواطنين وليس من حقهم وفقا للدستور أداء صلواتهم أو تشييد دور العبادة الخاصة بهم.
كذلك يتم استغلال التفاعلات الاجتماعية العادية في التحريض الطائفي، كما حدث في أزمة ديروط الأخيرة. حيث تم استغلال خبر عن قيام شاب مسيحي بتسريب شريط به أوضاع مخلة بالآداب لفتاة مسلمة كان علي علاقة غير لائقة بها ليتم تحويل الأمر من قضية جنائية يفترض أن تنظر فيها النيابة العامة إلي قضية طائفية استنفر لها المجاهدون من كل حدب وصوب، للذود عن حمي الإسلام والمسلمين، وقطع شأفة أعداء الدين!
وقام أقارب الفتاة بقتل والد الشاب وعمه المسنين رغم عدم ضلوعهما في الجريمة الأصلية، لتمتد ردود الفعل بعد ذلك من قرية أمشول حيث وقعت الواقعة إلي مدينة ديروط التي تتبعها، حيث قام عشرات من المسلمين بالاعتداء علي منازل ومتاجر وممتلكات المسيحيين في المدينة مطالبين بإطلاق سراح أقارب الفتاة المتهمين بقتل والد الشاب وعمه، مما كاد أن يؤدي لإحراق المدينة بأسرها لولا التدخل الأمني المكثف.
الجدير بالذكر هنا أن وتيرة هذه الاعتداءات تتصاعد يوما بعد يوم علي الرغم من اختفاء الجماعة الإسلامية التي كان ينسب إلي عناصرها المسئولية عن هذه الأعمال، مما يدل علي أن جذور الفتنة قد تم زرعها بنجاح في نفوس العوام، وأن هذه الاعتداءات أصبحت تحدث بشكل تلقائي وعفوي وتلقي استجابة ومشاركة جماهيرية وكأنها من صالح الأعمال الوطنية أو التعبدية.
ونحن هنا لا نحاول إثبات أن العنف مكون أساسي في الدين الإسلامي دون بقية الديانات، ولكننا نقول إن العنف يصبح مفهوما بل وقدرا محتوما متي أصبحت المرجعية في المجتمع مرجعية دينية وليست مدنية وإنسانية، ويروي لنا التاريخ كيف أن المسيحيين أنفسهم قد مارسوا هذا النوع من العنف كثيرا ضد أصحاب الديانات الأخري سواء في مصر أو في أوروبا وأمريكا.
إلا أن الذي يستعصي علي الفهم حقا هو لماذا يفعل المصريون المسلمون هذا بإخوانهم المصريين المسيحيين؟ لماذا يذبحون وطنهم من الوريد؟ ذلك أن هذا السلوك العدائي تجاه شركاء الوطن لايصب بأي حال في صالح الأغلبية المسلمة المطحونة التي تمارسه، فماذا يستفيد المواطن المسلم الغلبان من حرق كنيسة أو قتل مواطن مسيحي غلبان مثله؟ إن المستفيد الحقيقي من الفتنة الطائفية إلي جانب جماعات الإسلام السياسي، هما الدولة والكنيسة، وليس المواطن العادي، فالدولة يريحها أن تتناحر الجماهير المطحونة فيما بينها ولا تتوحد في مواجهة
سياساتهاالفاشلة، والكنيسة تزيد الفتنة من نفوذها باعتبارها حامي حمي المسيحيين، مما يزيد من انطواء هؤلاء علي أنفسهم، ويمنع انخراطهم في العمل الوطني ويعرقل كل جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي.
كذلك لا نستطيع أن نفهم سلبية الدولة تجاه تصاعد وتيرة العنف الطائفي .
فإذا كنا مع التحفظ الشديد قد تفهمنا منطق النظام عندما تحالف مع التيار الديني في بداية السبعينيات لاستخدامه في تجريف الشارع السياسي، وإقصاء المعارضة اليسارية والليبرالية، من أجل تمرير مخططاته في تحويل المجتمع المصري من مجتمع اشتراكي إلي مجتمع رأسمالي، وإطلاق سياسات الانفتاح الاقتصادي والخصخصة والتقارب مع السعودية والصلح مع إسرائيل وغيرها، فقد كانت خطة الرئيس السابق أنور السادات تقضي باستئجار هذا التيار لأداء هذه المهمة المحددة ثم صرفه فور انتهاء مرحلة الهدم، لأنه لا يصلح حليفا في مرحلة البناء فما دوافع النظام الآن في استمرار تحالفه مع هؤلاء بل وتواطؤه معهم في تفتيت وحدتنا الوطنية، إذا كانت توجهاته صادقة نحو الإصلاح والتنمية؟
إن تساهل أجهزة الدولة في مواجهة التحريض الطائفي، وعدم تفعيل القوانين المجرمة له، وعدم إنزال العقاب القانوني الرادع بالجناة والإكتفاء بجلسات التصالح العرفية التي تعيد إنتاج حوادث العنف من جديد، فضلا عن عدم استكمال المنظومة التشريعية اللازمة لتفعيل مادة المواطنة والقوانين الخاصة بمناهضة التمييز الديني ساهم في زيادة الاحتقان والصراع الطائفي في البلاد! إنه ليؤسفنا أن نري الأنظمة ذات الثقافة السلفية من حولنا التي قامت بتصدير هذه البضاعة الفاسدة إلينا، تفيق اليوم من سباتها، وتنضو ثوب البداوة عن كاهل شعوبها، وتبدأ في الضرب بيد من حديد علي أيدي المتطرفين، بل تقوم بعزلهم عن منابر المساجد ودور العلم ووسائل الإعلام، كما حدث مؤخرا في بعض بلاد الخليج، بينما نحن مازلنا نمنحهم المنابر والمواقع اللازمة لينفثوا من خلالها سموم العداء للعقل والمدنية والسلام الاجتماعي.
لم يعد السكوت ممكنا أو جائزا تجاه هذه الهمجية السلفية التي تمزق نسيجنا الوطني، وتعبث بأمننا القومي، وتخرج لنا أجيالا من القتلة والمجرمين، بل إننا نستطيع أن نعلن، وبأعلي صوت، أن كل من يتواني عن مواجهة هؤلاء، ولا يضع التصدي لمخططاتهم السوداء علي رأس برنامجه السياسي، وقائمة أولوياته، ومن اليوم قبل الغد، لا خير فيه، ولا يستحق أن يتطلع لقيادة هذه الأمة.
باحث في الإسلام السياسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.