جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني للمرحلة الابتدائية بقنا    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 10 مايو 2025    ارتفاع معدل التضخم في المدن المصرية إلى 13.9% خلال أبريل    أسعار الفاكهة اليوم السبت في أسواق قنا    باكستان تمدد إغلاق مجالها الجوي 24 ساعة    قيادي بحزب مستقبل وطن: لقاء الرئيس السيسي وبوتين يعزز العلاقات الاستراتيجية بالقضايا الدولية    استشهاد 7 فلسطينيين بينهم عائلة كاملة في قصف إسرائيلي على مدينتي غزة ورفح    مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية: غزة تحت حصار تام للشهر الثالث على التوالي    تدريبات فنية وخططية لبدلاء ومستبعدي الزمالك من مواجهة سيراميكا    مدير الترميم بالمتحف الكبير: أكثر من 5 آلاف قطعة من مقتنيات الملك توت عنخ آمون ستُعرض بالمتحف    معرض يوثق الهوية البصرية للإسكندرية بأسبوع القاهرة للصورة    جامعة القاهرة: ترقية 1160 موظفا ومحاميا بالجامعة وتعيين 188 طبيبا مقيما بالمستشفيات    باكستان: واشنطن الوحيدة القادرة على تهدئة التصعيد مع الهند    إعلام عبري: إسرائيل تعتزم توسيع هجماتها باليمن وضرب أهداف بإيران    باكستان: واشنطن الوحيدة القادرة على تهدئة التصعيد مع الهند    التضامن الاجتماعي: نستهدف حوكمة إجراءات الأسر البديلة الكافلة بالتنسيق مع الجهات المعنية    مواعيد مباريات اليوم السبت 10 مايو والقنوات الناقلة    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    جوارديولا يعترف: هذا أصعب موسم في مسيرتي    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    للهروب من الهبوط.. مصطفى محمد في مهمة صعبة مع نانت ضد أوكسير    درجات الحرارة تتخطى ال40.. استمرار الموجة الحارة في البلاد والأرصاد تعلن موعد انكسارها    قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تواصل تنفيذ الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدنى    التعليم العالي: مكتب التنسيق الإلكتروني للقبول بالجامعات والمعاهد لجميع الشهادات يباشر أعماله هذا العام من جامعة القاهرة    شعبة مستأجري عقارات الإيجار القديم: نرفض بند الإخلاء بعد 5 سنوات    دعوة لتأهيل الشركات المصرية والعالمية لمشروع إدارة وتشغيل وصيانة حدائق "تلال الفسطاط"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    كيف تؤثر موجة الحر على صحة العين؟.. نصائح للوقاية    لأصحاب الخمسينات.. 3 طرق للتخلص من المشاكل المعوية    ثنائيات سينمائية تشعل شباك التذاكر في 2025    كريم أبو زيد: أعمالي تعبر عن مسيرتي.. ولن أعيد تراث والدي| حوار    منة وهنا وأسماء وتارا.. نجمات يسيطرن على شاشة السينما المصرية    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    حبس لص المساكن بالخليفة    روبيو يحث قائد الجيش الباكستاني على وقف التصعيد مع الهند    مشجع أهلاوي يمنح ثنائي البنك مكافأة خاصة بعد الفوز على بيراميدز    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    أسعار الخضروات والأسماك اليوم السبت 10 مايو بسوق العبور للجملة    "جميعها حالات اختناق".. إصابة 11 جراء حريق قويسنا بالمنوفية (صور)    الصحة تكشف 7 فوائد للاهتمام بالحالة النفسية للأطفال    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    فخري الفقي: تسهيلات ضريبية تخلق نظامًا متكاملًا يدعم الاقتصاد الرسمي ويحفز الاستثمار    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفريضة الغائبة في المسألة المائية المصرية
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 09 - 2009

فجأة أصبح ملف المسألة المائية فى مصر ملء السمع والبصر، بعد أن كان كغيره من الملفات شديدة الحيوية بالنسبة لمستقبل مصر يحظى باهتمام مؤقت كلما ظهرت مشكلة هنا أو هناك، وذلك بعد أن ألقت تطورات المفاوضات الأخيرة بين دول حوض نهر النيل بأحجار ثقيلة فى المياه الراكدة. اشتعل الجدل بعدها حول الحقوق المصرية، ومكامن الخطر عليها، والبدائل المتاحة لحمايتها. وكل هذا حق.
لكن المشكلة أنه ليس كافيا لإنقاذ مصر من الشح المائى فى مستقبل غير بعيد، فالحصة التى ندافع عنها حاليا لا تؤمن هذا المستقبل، على الأقل بسبب الزيادة المطردة فى السكان، وهكذا ظهرت مثلا كارثة بهول الرى بمياه الصرف الصحى غير المعالجة، ولذلك فإن المعركة من أجل تأمين مستقبل مصر المائى لا يمكن خوضها على جبهة التفاوض مع دول حوض نهر النيل وحدها، وإنما هناك ساحات أخرى أساسية لم تأخذ حظها من الاهتمام حتى الآن.
وأولى هذه الساحات هو الدور المصرى فى أفريقيا، فلا يمكن فصل التعقيدات التى واجهتها مصر فى المفاوضات مع تلك الدول عن تراجع الدور المصرى فى أفريقيا، ولا ضمانة للنجاح فى أى مفاوضات مقبلة بشأن مياه النيل أو غيرها دون إعادة هذا الدور إلى ما كان عليه، ولم يعد نهج التأكيد على محورية الدور المصرى فى أفريقيا وغيرها مجديا، وقد نذكر الصعاب التى واجهتها الدبلوماسية المصرية فى سعيها للحصول على تأييد أفريقى لأن تكون مصر صاحبة أحد المقعدين الدائمين اللذين كانت أفريقيا تحلم بهما فى مجلس الأمن، والإخفاقات التى منى بها عدد من الترشيحات المصرية لشغل مناصب أفريقية رفيعة.
لقد ازدهر الدور المصرى فى أفريقيا فى مرحلتين: إحداهما إبان عهد عبدالناصر، والثانية فى عهد السادات وجزء من العهد الحالى. بنت مصر شرعية دورها المتفوق فى الحالة الأولى على دعم حركات التحرير فى أفريقيا بكل السبل، وما زال السيد محمد فائق رمز هذه المرحلة حيا بيننا أمد الله فى عمره يشهد على دور بالغ التأثير انطلق من رؤية واضحة بطول أفريقيا وعرضها، ثم بدأت المرحلة الثانية مع تكليف الدكتور بطرس غالى بالملف الأفريقى عقب تعيينه وزيرا للدولة للشئون الخارجية فى 1977، والرجل معروف بإيمانه بأولوية الدائرة الأفريقية فى السياسة الخارجية المصرية، ولذلك أعطى لأفريقيا جل اهتمامه وخلاصة علمه، واستطاع باقتدار أن ينسج شبكة قوية من العلاقات مع معظم الدول الأفريقية على الرغم من تغير الظروف.
ومنذ غاب عن مجلس الوزراء المصرى منصب وزير دولة للشئون الخارجية يتولى الملف الأفريقى عقب تولى الدكتور بطرس غالى منصب الأمين العام للأمم المتحدة بدأ مستوى الاهتمام بأفريقيا ينخفض، وشاء سوء الحظ أن يتعرض الرئيس حسنى مبارك بعد ذلك مباشرة فى عام 1996 لمحاولة الاغتيال الفاشلة فى أديس أبابا، الأمر الذى أثر بالسلب لا ريب على معدل مشاركته فى القمم الأفريقية فى الوقت الذى كانت دول أخرى تبدى مزيدا من الاهتمام بالشأن الأفريقى، وتخصص له موارد أكبر، مما جعل التأثير المصرى فى أفريقيا يتراجع بدرجة غير مسبوقة. والواقع أنه ما لم تنجح السياسة المصرية فى الخروج من هذا الوضع إلى الآفاق الرحبة لاستعادة دورها فى أفريقيا فإنها سوف تستمر فى مواجهة صعوبات لا فى ملف المياه فحسب، وإنما فى جميع الملفات التى تتقاطع فيها مصالح مصرية حيوية مع مصالح أفريقية.
ثانية الساحات فى هذا الصدد هى ترشيد استخدام المياه، ذلك أن الهدر فى هذا الاستخدام لا يحتمل، وأول الأمثلة وأوضحها هو الهدر فى مياه الشرب النقية التى قيل يوما بناء على دراسات علمية إنه قد يتجاوز نصف الكمية المستهلكة، وذلك بسبب العادات السيئة لاستخدام المياه، التى دعمتها الدولة بلجوئها إلى أسلوب المحاسبة العشوائى على استخدام المياه، وإهمال صيانة الشبكات وبالذات فى المؤسسات والمنازل، وكم كان المرء يحزن عندما يستخف مسئول بهذا الهدر، ويقول إنه لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من الاستخدامات المصرية، فى الوقت الذى ما زال قطاع من الشعب المصرى يفتقد قطرة المياه النقية، ويمتد الهدر كذلك إلى الاستهلاك الترفى كما فى حالة ملاعب الجولف على سبيل المثال، ناهيك عن الطرق المتخلفة لرى الزراعات، التى أترك الحديث فيها للمتخصصين، أو التباطؤ فى تطهير أراضى الساحل الشمالى المصرى من الألغام، وإعادتها إلى ما كانت عليه فى العصور القديمة من ازدهار زراعى يعتمد على مياه الأمطار، بدلا من تخصيصها لغابة من العقارات الترفية تكلفت عشرات المليارات لتشارك بدورها فى هدر المياه، وقد ضاق أحد المسئولين ذرعا بهذه المسألة يوما، وانتهى إلى نفى أى قيمة زراعية لأراضى الساحل الشمالى لا فى الماضى ولا فى الحاضر. ليست قضية الترشيد سهلة بطبيعة الحال ولكنها واجبة، لأن المردود منها قد يؤجل احتدام الأزمة المائية فى مصر بعض الوقت.
أخيرا وليس آخرا، فإن قضية دعم البحث العلمى وتعزيزه فى مصر غابت عن النقاش تماما، ولدى إيمان لا يتزعزع بأن مستقبل مصر لن يكون آمنا إلا بثورة علمية شاملة، وليست المشكلة كما هو معروف فى العقول، وإنما فى ضآلة الموارد المخصصة للبحث العلمى على نحو لا يصدق، والإجراءات الروتينية التى تطبق على أنفاس أى باحث حتى تدفعه إما إلى نفض يده من البحث العلمى وأوزاره، أو مغادرة الوطن أصلا إلى حيث يجد الرعاية. وفى المسألة المائية تحديدا أذكر أننى سمعت بأذنى منذ سنوات عديدة من العالم المصرى الجليل د.عبد الفتاح القصاص أمد الله فى عمره عن البحث العلمى فى مجال الرى بالمياه المالحة، وكيف يمكن أن يمثل ثورة فى حل المسألة المائية فى مصر وغيرها، فأين ما يقوله هو وغيره من الواقع المصرى الذى تعجز دوائر صنع القرار فيه حتى الآن عن إدراك أهمية البحث العلمى بالنسبة لمستقبل مصر؟ متجاهلة أن الوطن الذى أنجب مصطفى مشرفة وسميرة موسى وأحمد زويل وغيرهم المئات قادر على أن يحل مشاكله بالبحث العلمى.
نتمنى كل التوفيق للمفاوض المصرى فيما هو مقبل عليه من مفاوضات شاقة، لكن المسألة المائية فى مصر ليست مسئوليته وحده بالتأكيد، وإنما هى فريضة غائبة فى وطن بأكمله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.