لابد أن كل باحث في شئون الهجرة سعيد بما صدر أخيراعن برنامج الأممالمتحدة الأنمائي بخصوص الهجرة والمهاجرين، ولم تبق حجة لمن يتكلمون عن أبنائنا وبناتنا من المهاجرين وكأنهم خطر بربري يهدد الحضارة الأوروبية. ففي تقرير التنمية البشرية الذي صدر يوم 5 أكتوبر الجاري قال البرنامج: إن السماح بالهجرة داخل البلد الواحد ومن بلد لبلد ينطوي علي إمكانية تعظيم حريات الملايين من الناس وتحسين حياتهم. وقد يظن القارئ أن الهجرة الداخلية حق لكل مواطن يريد أن ينتقل من منطقة إلي أخري داخل وطنه لكن الحقيقة ليست كذلك، ففي كثير من بلدان العالم توجد قيود شديدة علي الحركة بين مختلف بقاع البلد، والمصريون الذين كانوا في سن مناسبة أيام حكومة زكريا محيي الدين يذكرون أن الشرطة كانت تطارد أبناء الصعيد، دون غيرهم، في شوارع القاهرة وتعيدهم بالقوة إلي الأماكن التي جاءوا منها. لكن هذه ليست قضيتنا الآن، قضيتنا هي الاعتراف الدولي الواضح والذي لا لبس فيه بأهمية الهجرة، وانتقال التركيز من الكلام عن الهجرة غير المشروعة، وضرورة مكافحتها إلي الهجرة كظاهرة إنسانية كبري وضرورة ترشيدها وتعظيم فوائدها، لقد ساءني أن أدعي للحديث كمتابع لشئون الهجرة في قناتين فضائيتين في يوم واحد لأتكلم، عصرا في ال بي بي سي عن الهجرة غير المشروعة وبعد العشاء في التليفزيون المصري عن الموضوع ذاته، وكأن الهجرة هي الهجرة غير المشروعة.. وبس. يفزعني أن أجد إعلاميين مصريين وأساتذة وباحثين بل وبعض المسئولين يتحدثون عن الهجرة بلسان الخواجة الذي قدم منحة لورشة عمل أو لمؤتمر ويحذرون من ارتباط الهجرة بسلوكيات إجرامية لاوجود لها إلا في الخيال. لكن صدور تقرير كهذا الذي نتحدث عنه يساعدنا علي تبني وجهة نظر مستقلة تعتبر أن الهجرة الشرعية هي الأساس وأن أهم أسباب ظهور الهجرة غير الشرعية هو تشدد الدول الغنية في إجراءات إصدار تأشيرات الدخول للباحثين عن عمل داخل حدودها وفي السياسات التي أراها- أنا وليس التقرير- غير معقولة أو مقبولة، مثل قوانين الهجرة التي صدرت في يوليو الماضي في إيطاليا. وفي ملخص التقرير الذي حمل عنوان : اجتياز الحواجز: الحراك الإنساني والتنمية. جاء ما يلي : لقد ظلت نسبة المهاجرين إلي مجمل السكان في العالم مستقرة، عند ثلاثة بالمائة تقريبا طوال الخمسين سنة الأخيرة، لكن التطورات السكانية- وشيخوخة السكان في البلدان المتقدمة وشباب السكان وتزايدهم في البلدان النامية- وتزايد فرص التوظيف المقترنة برخص الاتصال والانتقال عن ذي قبل، زاد الطلب علي الهجرة، لكن الراغبين في الهجرة تواجههم تقييدات متزايدة الصعوبة تفرضها الحكومات. ويحدد التقرير نوعين من الصعوبات أولهما زيادة عدد الدول المستقلة في نصف القرن الأخير بما زاد من الحدود التي يتعين علي المهاجرين اجتيازها، وهذا برأينا ليس سببا ، والثاني هو التحولات السياسية التي حدت من حرية حركة الأشخاص في حين زادت من حرية التجارة، وهذا برأينا هو مربط الفرس، بل هذا هو ما رد به وزير في حكومة إسبانيا إحدي أشد الدول تضررا من الهجرة العشوائية الزاحفة عليها من مستعمراتها السابقة علي بابا الفاتيكان الذي حذر من ضياع الهوية المسيحية لأوروبا، واعتبر الوزير أن هذا الكلام يغفل الحقوق الثقافية للمهاجرين المستقرين في أوروبا من مسلمين وبوذيين وهندوس وغير ذلك، ثم أضاف الوزير أن العولمة التي ترحب بحركة رؤوس الأموال ورجال الأعمال يجب أن ترحب أيضا بحركة العمالة المهاجرة. ويقول التقرير كلاما مهما عن الهجرة عندما يؤكد أن الهجرة يمكن أن ترفع دخل الفرد وتحسن فرصه التعليمية والصحية، والأهم أن القدرة علي اختيار المكان الذي يعيش فيه المرء هو عنصر مهم من عناصر الحرية الإنسانية، وفقا لما جاء في التقرير الذي يؤكد أن خفض الحواجز ومعوقات الانتقال يمكن أن يحقق طفرة في التنمية البشرية وهو ما يستوجب تحسين السياسات التي تعالج أوضاع المهاجرين.