اتصل بالإخوة الفلسطينيين واستمع إليهم.. ولكن قبلها لابد أن تحصل على إجازة من كل تفاصيل حياتك الشخصية والعملية.. وصدقنى لن تفلح فى الهروب من الغرق فى بحر الخلافات والكلمات النارية والأزمات المشتعلة.. فعلتها واتصلت بهم وغرقت فى تفاصيل الخلافات بين فتح وحماس.. وأدهشنى ما يتردد عن قرب الاتفاق على بنود الورقة المصرية الخاصة بالمصالحة الفلسطينية.. وفهمت سر حرص الجانب المصرى على إرسال نص الاتفاق إلى كل طرف على حدة ليوقع عليه بالموافقة.. فوافقت فتح وباقى الفصائل وتريثت حماس.. واستمر الصراخ. وفى ظل هذه المعركة تراجع عن المشهد الهلع الإسرائيلى من مناقشة مجلس حقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة) لتقرير اللجنة التى شكلها برئاسة القاضى الجنوب أفريقى جولد ستون، والذى أدان حرب إسرائيل على غزة.. وهو الهلع الذى دفع الحكومة الإسرائيلية إلى اعتباره تقريراً يهدف إلى الإثارة كجزء من حملة سياسية تمثل هجوما موجهاً ضد إسرائيل.. وإنه تقرير يسعى إلى تجنيد المجتمع الدولى كله فى الحملة السياسية ضد إسرائيل.. وعكست التحذيرات التى أرسلها نتانياهو إلى أكثر من جهة دولية من نتائج التقرير حجم الهلع الإسرائيلى.. والقلق من أن يصل التقرير بتوصياته إلى أروقة المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى.. أو أن يكون مرجعا يعتمد عليه فى مختلف المحاكم الأوروبية فى حالة تقديم مسئولين إسرائيليين إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.. وأصدر نتانياهو تعليماته إلى وزراء الخارجية والدفاع والقضاء بإعداد خطة شاملة من شأنها توفير الحماية القضائية للإسرائيليين من شكاوى ضدهم فى الخارج.. وطلب التوجه إلى عدد من رجال القانون الدوليين للتعاون مع إسرائيل فى رد الشكاوى التى قد تقدم ضد بعض مسئوليها السابقين أو الحاليين.. وقال لن نقبل بأن يقدم باراك أولمرت أو ليفنى لمحكمة لاهاى أو لغيرها.. وطالب دول العالم بأن تصحو من غفوتها وترفض هذا التقرير الذى سيؤدى إلى إجهاض محاولات دفع عملية السلام.. وانهيار مصداقية الأممالمتحدة.. و... و.. و.. إلخ. فى المقابل ،وبدلا من أن يستثمر بعض القادة الفلسطينيين تقرير جولد ستون الذى أدان إسرائيل بارتكاب جرائم حرب أثناء عدوانها على غزة.. تحول التقرير إلى سبب لاشتعال الموقف بين حركتى فتح وحماس.. وأدى ذلك إلى تأجيل التوقيع على اتفاق المصالحة فى موعده المقرر يوم 52 الجارى فى القاهرة.. مصدر مصرى مسئول أكد أن القاهرة طلبت من حركتى فتح وحماس بعد اشتعال الموقف بينهما الحرص على تهدئة الجبهة الداخلية وعدم إضاعة الجهود التى أدت إلى التوصل لاتفاق مبدئى.. وطرحت مصر على وفد حماس التداعيات السلبية لتأجيل الاتفاق من الناحية الدستورية.. لأنه بعد 52 يناير المقبل لن يكون هناك شرعية لأحد إلا بالتوافق الوطنى.. وحلا لهذه المشكلة أرسلت القاهرة إلى كل الفصائل كل على حدة اتفاق المصالحة وموعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية.. وقد وافقت أغلب الفصائل على إجرائها فى شهر يونيو القادم.. على أن توقع كل من فتح وحماس.. بشكل منفصل على الاتفاق قبل منتصف الشهر الجارى.. وتوقع باقى الفصائل على الاتفاق قبل العشرين من نفس الشهر على أن يرسل كل فصيل توقيعه إلى القاهرة بدون احتفال.. وبعدها يعلن عن توافق الفصائل على اتفاق المصالحة.. وأعلنت فتح وباقى الفصائل موافقتها على المبادرة المصرية وتريثت حماس وطلبت التأجيل حتى تهدأ تداعيات طلب الرئيس محمود عباس تأجيل مناقشة تقرير جولد ستون الذى أثار غضب الشارع الفلسطينى. بداية الأزمة كما يقول جبريل رجوب نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح عندما صدر تقرير جولد ستون الذى أدان إسرائيل كما أدان حماس بارتكاب جرائم حرب فى حرب غزة. لذلك رفضته حماس فى البداية واعتبرته تقريراً صهيونيا.. وطلبت الرئاسة الفلسطينية تأجيل مناقشة التقرير فى مجلس حقوق الإنسان وكان الهدف من ذلك هو إتاحة الفرصة لحشد أكبر عدد من الدول لتأييد مضمون التقرير الدولى حتى تحقق السلطة الفلسطينية الهدف من هذا التقرير ومنع محاولات تفريغ التقرير من مضمونه.. وعندما صدر القرار بتأجيل مناقشة التقرير الدولى اتهمت حماس السلطة الفلسطينية بالتفريط فى مقدرات الشعب الفلسطينى فانفجر الغضب ،و شكل الرئيس محمود عباس لجنة للتحقيق فى ملابسات تأجيل القرار وأعلن التزامه بنتائج هذه اللجنة.. وقال إن لدينا الشجاعة أن نقول إننا أخطأنا إذا ثبت ذلك.. وأشار ممثل الشخصيات المستقلة فى الحوار الوطنى الفلسطينى رجل الأعمال ياسر الوادية إلى أنه من الأرجح أن يتم تأجيل التوقيع النهائى على اتفاق المصالحة الوطنية بسبب اشتعال حرب التصريحات بين خالد مشعل رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس والرئيس محمود عباس. فقد هاجم مشعل السلطة الفلسطينية بعنف واعتبر قرارها بتأجيل مناقشة تقرير جولدستون القشة التى قصمت ظهر البعير .. وأعلن أن الرئاسة الفلسطينية قد فقدت شرعيتها منذ بداية هذا العام حسب القانون الفلسطينى.. وهو ما دعا حماس إلى البحث مع مصر عن أجواء وأوقات مناسبة للتوقيع على اتفاق المصالحة الذى يصعب تنفيذه بعد الفضيحة التى ارتكبتها السلطة فى رام الله بتأجيل مناقشة التقرير الدولى استجابة للضغوط الأمريكية. ومن ناحية أخرى أكد محمد دحلان - عضو اللجنة المركزية لحركة فتح - أن حملة حماس الحالية ضد الرئيس محمود عباس تساوى نقطة فى بحر الحملات التى كانت تشنها ضد الرئيس ياسر عرفات.. فحماس تبحث عن أى ذرائع حتى تتهرب من المصالحة الوطنية التى ترعاها مصر لأنها تعمل على تنفيذ مخططات تخدم مصالح قوى إقليمية لا تريد لمصر النجاح فى إدارة ملف المصالحة الوطنية.. ولاتريد النجاح لموقف السلطة الوطنية من مفاوضات السلام.. وبعيدا عن تفسيرات بعض قادة الفصائل والقوى الفلسطينية، فإن ما حدث بالفعل من تراشق بين مشعل وأعوانه والرئيس الفلسطينى كان قد بلغ حدا يصعب تصوره الأسبوع الماضى.. ففى خطاب ألقاه محمود عباس قال إن حماس لم تستجب لتحذيراتنا لها من حرب إسرائيلية على القطاع أرسلناها لهم عبر القيادة السورية.. كما رفضوا نصيحتنا لهم بقبول تمديد الهدنة التى عقدوها مع إسرائيل لتجنيب غزة من ويلات الحرب.. وعندما وقعت الحرب هرب قادة حماس وتركوا أهلنا فى غزة يتعرضون للذبح.. وبعدها اتهمونا بأننا متواطئون مع إسرائيل.. وقال إنهم لم يذهبوا للقاهرة للمصالحة لأنهم مرتاحون إلى إماراتهم الظلامية فى غزة التى أسسوها فى القطاع باسم حركة الإخوان المسلمين العالمية وليكن بعد ذلك الطوفان.. ورد أسامة حمدان ممثل حركة حماس فى لبنان قائلا: اللى استحوا ماتوا.. معتبرا أن الرئيس الفلسطينى قد تجاوز حدود اللياقة.. وقال خالد مشعل إن أحدا لايصدق القيادة الفلسطينية فى الضفة.. وطالب بمرجعية فلسطينية جديدة من خلال إعادة بناء منظمة التحرير لكى تكون قيادة حقيقية وأمينة تمثل مصالح الشعب الفلسطينى.. فرد عليه حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح قائلا: إن خطاب مشعل تهريج سياسى لكنه يعبر عن قرار اتخذته حماس باغتيال جهود المصالحة التى تتبناها مصر، وتساءل: لمصلحة من هذا التأجيل؟ وإذا كان بعض المسئولين المصريين الذين يشاركون فى جهود إتمام المصالحة الفلسطينية قد عبروا بدبلوماسية راقية عن استيائهم من التراشق بين فتح وحماس..فإن عددا من القادة فى الفصائل الفلسطينية قد تخلوا عن الدبلوماسية عندما استطلعنا آراءهم فيما يحدث.. فمثلا قال رباح مهنا عضو المكتب السياسى للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: هذا التراشق يمثل وصلة ردح متبادلة بين عباس ومشعل تسىء إلى صورة شعبنا وإلى قضيتنا أمام العالم.. ودعا الطرفين إلى السعى لإنهاء الانقسام فورا. بينما قال بسام الصالحى الأمين العام لحزب الشعب: إن خطابى مشعل وعباس وصل إلى حد الشرشحة المتدنية وهى لاتوفر المناخ الضرورى لتحقيق المصالحة، وطالب بالكف عن كل ما من شأنه أن يوتر الأجواء حفاظا على المصالح الفلسطينية.. على أية حال نجد أنه بالرغم من هذه الفوضى التى تجتاح الساحة الفلسطينية أن هناك جوانب إيجابية أهمها على الإطلاق أن الجهود المصرية المضنية التى بذلت من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية قد توصلت بالفعل إلى مبادرة وافقت عليها كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس.. حيث أكد أحمد يوسف وكيل وزارة الخارجية فى حكومة حماس أن الحركة متفقة على توقيع اتفاق المصالحة الذى تم التوصل إليه بفضل الجهود المصرية.. لكننا نفضل تأجيل التوقيع عليه بسبب الموقف الشعبى فى غزة من قرار السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس بتأجيل عرض تقرير جولدستون على مجلس حقوق الإنسان. وعندما سألناه.. ولكن التقرير يناقش حاليا فى مجلس حقوق الإنسان فلماذا التأجيل.. قال.. لأن الأجواء متوترة الآن.. والمصالحة تحتاج إلى تهدئة قبل التوقيع على اتفاق المصالحة الذى نتفق عليه. وفى النهاية وبعد استعراض أهم ملامح معركة تأجيل اتفاق المصالحة الوطنية بقيت بعض التفاصيل الخطرة.. منها ما نشر عن عدم الارتياح الأمريكى لتوقيت التوصل لاتفاق المصالحة.. ومنها الشائعات التى روجتها بعض الصحف الإسرائيلية والتى تمس الذمة المالية لبعض القيادات على الساحة الفلسطينية.. ومنها ما هو معروف من اختلاف الثوابت بين حركتى فتح وحماس لدرجة أن كلا منهما يتصور أنه يجب أن يكون بديلا عن الآخر، فى حين أن أغلب قادة الفصائل الذين تحدثت معهم أجمعوا على أن الشعب الفلسطينى فى أغلبه يبحث عن مستقبله فى ظل وحدة الموقف الفلسطينى بعيدا عن انفراد فتح أو عن تسلط حماس.. لذلك اتفق الجميع على المصالحة وفق المبادرة المصرية ثم تبادلت فتح وحماس الشتائم والاتهامات.