اكثر من عامين مرا على التنفيذ السياسى والاجتماعى لواحد من أهم البرامج التنموية التى تمر على مصر خلال الفترة الأخيرة إنه برنامج الألف قرية الأكثر فقرا وقرابة العام على بداية التنفيذ الحقيقى فى المرحلة الأولى من المشروع التى تستهدف 151 قرية فقيرة من الألف قرية، التى يصفها البعض بالمحظوظة الآن، بعدما رأوا بعض الجوانب الإيجابية فى صورة لا تزال صعبة فى أغلبها. العنصر المهم الذى يجعل من هذا البرنامج التنموى مشروع القرن كما يلقبه الفقراء المستفيدون منه، هو أنه يحل كل العقد التى يعانى منها فقراء مصر منذ سنوات، من خلال الاهتمام ب14 محورا من أولويات الحياة منها الوحدات الصحية المتطورة ومدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية قريبة وطرق معبدة ومسكن آدمى يستر من فيه ومراكز اجتماعية تقدم الإعانات المستحقة ومخابز بحصص دقيق متوفرة لا قليلة وأراضى صالحة للزراعة ونظم رى حديثة ومراكزالشباب ومشروعات تحقق فرص عمل لمكافحة البطالة! وهكذا.. طبيعى أن يتحول هذا البرنامج إلى الصورة الأكثر إشراقا فى البرنامج الانتخابى للرئيس مبارك، والذى تحول من مجرد فكرة إلى مشروع قومى يلح عليه الجميع.. المعارضة قبل الحزب الوطنى، وبموازنة ثابتة فى كل عام مع وعد من الحكومة بعدم التنازل عنه، رغم تكلفته الكبيرة، حيث تصل الاستثمارات فى ال19 قرية المستهدفة بالبحيرة ضمن المرحلة الأولى للبرنامج إلى 467 مليون جنيه، أى أن القرية يتكلف تطويرها حوالى 25 مليون جنيه، ورغم أنه حتى الآن لم يمر عام كامل على تطويرات المرحلة الأولى إلا أن بعض الأهالى شعروا بالفارق فى قراهم، خاصة شديدة الفقر التى يعانى فيها الناس من خام الفقر الحقيقى، وأغلبها فى الصعيد، ومنها “ننا” فى بنى سويف و”نزلة القاضى” فى سوهاج، وتصل تكلفة المرحلة الأولى إلى حوالى 5,7 مليار جنيه يتم تنفيذها خلال 3 سنوات! إن البعض يطالب جمال مبارك الأمين العام المساعد وأمين السياسات بالحزب الوطنى للمشروع بالمتابعة المستمرة بدعوى أنه أحيانا تتباعد زياراته للقرى، لكنه فجأة يعود وبثقل إلى هذه الزيارات التى تزرع الأمل فى أهالى هذه القرى، الذين يمثلون نصف عدد الأسر الفقيرة فى مصر، وتتراوح فيها معدلات الفقر بين 40 إلى 80٪. ودائما لا يمل جمال مبارك من الرد على شائعات ومخاوف أهالى القرى الأكثر من 3 آلاف قرية أخرى الخارجة عن نطاق برنامج الألف قرية الأكثر وحوالى 22 ألفا تابعا لها، والتى تركز حول أن هذا البرنامج يعطل التنمية فى القرى غير المستهدفة من البرنامج على أساس أن موازنة مواجهة الفقر وتنمية القرى والتوابع موجهة فقط للألف قرية اللى عليها العين والنية، لكنه أكد من جديد خلال زيارته الأخيرة لوحدة النجاح التى تشمل 9 قرى الأربعاء الماضى أن جهد الحكومة والحزب موزع على كل القرى الخارجة والداخلة فى البرنامج، ولا يعنى تنفيذ البرنامج وقف العمل فى القرى الأخرى، إلا أن الألف قرية تحتاج جهدا إضافيا لأنها الأكثر احتياجا، والعمل مستمر فى كل القرى المصرية بميزانيات محددة! من إيجابيات هذا البرنامج كان القانون الجديد للتضامن الاجتماعى، بعد أن تم اكتشاف سلبيات الواقع خلال الحوارات الساخنة والصداقة التى يجريها جمال مبارك مع أهالى القرى التى يزورها والمستفيدين من خدمات البرنامج الإسكانية فى الغالب حتى الآن على الأقل حيث تعددت وتكررت الشكاوى من معاناة هؤلاء الفقراء من عدم حصولهم على أى إعانات تعينهم على مصاعب الحياة، وإن حصل بعضهم كانت مبالغ ضئيلة لا تتجاوز ال90 جنيها، وكان ينقل الأهالى شكاواهم لجمال مبارك حتى وقع يده على بيت القصيد ودعا الحكومة لضرورة علاج هذا القصور لأن القانون الحالى للتضامن الاجتماعى لم يعد يواكب الظروف المحيطة بالمجتمع، وشروط الحصول على معاش تضامن اجتماعى يؤكد مقولة أن الدعم لا يصل لمستحقيه،، وبالفعل لم تمر سوى عدة شهور حتى بدأ يتبلور شكل للتعديلات التى تحل قصورات القانون الحالى لتجاوزها فى القانون الجديد الذى ناقشته اللجنة التشريعية الوزارية، ومن المنتظر إحالته للدورة البرلمانية القادمة! وأيضا من فوائد هذا البرنامج وجولاته، الذى قرب قيادات الحزب والحكومة من فئة معينة من المصريين كان حلم حياتهم أن يقابلوا رئيس المجلس المحلى التابع له قريتهم، لا أن يأتى إليهم جمال مبارك وبصحبته حوالى 5 وزراء، وأحيانا ستة فى كل مرة، هو المواجهة غير التقليدية فى الأسلوب لقضية الانفجار السكانى، حيث اضطر أمين السياسات لفتح الكلام فى هذا الموضوع الشائك رغم أبعاده الدينية التى يقلق منها البعض بالإضافة للتسيس، بعدما لاحظ أن متوسط الأسرة فى مثل هذه القرى يتجاوز الثمانية أفراد، وأغلب الشاكين والمطالبين بالخدمات والرعاية من هؤلاء، فقال لهم إذا نقلتم هذه الثقافة لأبنائكم لن تستطيع مصر أن توفر لكم حياتكم المتوفرة الآن، ودعا الأزواج الجدد إلي الاكتفاء باثنين أو حتى ثلاثة أبناء فقط حتى يمكن تربيتهم، بأفضل صورة، وأشار إلى التأمين الصحى الجديد والذى من ضمن خدماته تنظيم الأسرة، والأفكار المطروحة لمواجهة الزيادة السكانية بالحوافز الإيجابية والسلبية! وكان من ضمن تحديات البرنامج فى البداية ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت، حيث لم تكن ال 15 ألف جنيه التى كانت تمنحها الحكومة للمستفيدين على 3 أقساط لبناء مسكن جديد بدلا من المتهدم لا تصلح لفعل أى شىء بها، وما كان من المستفيدين إلا أن طالبوا بتسهيلات إضافية تعينهم على هذه الأسعار، خاصة أن قلة الموارد تجعلهم يتعطلون وبالتالى يتضررون من عدم البناء بسرعة كما حدث مع مشروع ابنى بيتك، ولكن بصورة مختلفة، وفكر وقتها المسئول عن البرنامج فى إضافة مبالغ أخرى، لكن ما لبثت أن هدأت أسعار الحديد ولا تزال تحت رحمة الأسمنت حتى الآن! الأغرب، أن وسط كل ذلك، ورغم أهمية القضايا والمجادلات التى أثارها هذا البرنامج، لم تهتم المعارضة إلا بالحديث غير المفيد عن أن هناك أجنحة فى الحكومة تتصارع على الحصول على التلميع الإعلامى من وراء هذا البرنامج بعدما أصبح جماهيريا ويجذب الأنظار له أكثر من أى شىء آخر!! فيما لم يركز “جمال مبارك” مع هذه الأحاديث ليؤكد أن مكافحة الفقر ليست منحة من الحكومة وحزبها، بل حق للناس، مشيرا إلى أنه أظهر بعض الاختلافات التى بدأ التنفيذ فيها، حتى أن هناك مشروعات ستسلم قبل موعدها المسبق بعدة شهور. ومن القضايا التى تهم “جمال مبارك” واستطاع من خلال هذا البرنامج التركيز عليها هي اللامركزية ودعم المجتمع المحلى، ولقد أثير نقاش مهم فى هذا الإطار خلال اللقاء الجماهيرى الذى عقد بعد الإفطار يوم الأربعاء الماضى، حيث كان قد طالب الحاضرون بتخفيض التبرعات التى تحصل عليها المحليات من تحويل الأراضى من حيازة زراعية لمعمارية، فأكد المحافظ أنه من الضرورى أن نوفر موارد لدعم المجتمع المحلى للقيام بواجباته ولايدفعها إلاَّ القادرون منهم أهل القرى الأكثر فقرا، لكن يدفعها من هو من القادرين كنوع من أنواع المساعدة لمجتمعه ولا تتجاوز ال 15 جنيهاً في المتر، وأشار وزير الرى د.محمد نصر علام إلى أنكم مستعدون للمخالفة وشراء المياه لزراعة الأرز، لكنكم ترفضون مساعدة مجتمعكم بهذه التبرعات القليلة، وقال “جمال مبارك” إن هذا الحديث يفتح حوارا حول تنمية ومسئولية المجتمع المحلى، خاصة أنه سيكون هناك دور كبير فى تنفيذ هذا البرنامج فى مراحله القادمة، ولذلك يعقد جلسات بين الحين والآخر بين جمعيات محلية خلال زيارته للقرى ليطلع على قدراتهم، وقال إنه كان يمكننا أن نعتمد على التبرعات منذ البداية، لكن كان يجب أن نؤكد أننا جادون فى المضى قدما لتنفيذ هذا البرنامج ونفتح الباب بعد ذلك للتبرعات!