من واشنطن صحيح أن الترحيب الأمريكى الحار بزيارة الرئيس حسنى مبارك لواشنطن أمر متوقع وطبيعى، إلا أن الاستقبال الرسمى هذه المرة كان استثنائياً، وربما لم تشهد العلاقات المصرية الأمريكية مثيله منذ عهد الرئيس السادات والرئيس كارتر.. من جانبها لم تخف واشنطن الأسباب، فالاعتماد على مصر فى السنوات الماضية لاسيما فى ملف عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية كان موجوداً، إلا أن إصرار الرئيس أوباما على فعل شىء هذه المرة تحقيقاً لوعود انتخابية زاد من هذا الاعتماد بدرجة كبيرة، والأمر لا يتعلق بعملية السلام فقط والتى احتل ملفها الصدارة فى مباحثات الجانبين فى هذه الزيارة الصيفية المهمة، ولكن يتعلق بالعديد من القضايا الإقليمية التى تسعى واشنطن وبأقصى سرعة لمعالجتها، وعلى رأسها ملف إيران النووى. الرئيس أوباما الذى استغنى عن الجانب الأكبر من عطلته الصيفية فى تقليد جديد لم يألفه البيت الأبيض ولا أى إدارة أمريكية سابقة- إلا فى حالة الأزمات- ليعمل وبسرعة على العديد من القضايا الملحة، وليبدأ ومعاونوه على إعداد رؤيته الجديدة لحل الصراع، وهى الرؤية التى كان الجانب المصرى يظن فى اكتمالها لدى وصول الرئيس مبارك إلى واشنطن إلا أنهم فوجئوا بأن هذه الرؤية مازالت فى طور التشكيل، ولم تنتظر الإدارة الأمريكية اللقاء المزمع بين مبعوث السلام جورج ميتشيل وبنيامين نتانياهو المقرر فى لندن الأسبوع المقبل للبدء فى إعداد مسودة لرؤية الرئيس أوباما للبدء فى عملية سلام جادة هذه المرة- حسب قناعة مقربين من هذا الملف- وهى الرؤية المتوقع الإعلان عنها فى وقت قريب، وعقب عودة الرئيس أوباما من إجازة صيفية سيبدأها فى عطلة هذا الأسبوع، وحيث تعد واشنطن لمؤتمر سلام يكون بمثابة أداة تشغيل لمفاوضات تريدها مكثفة ووفق »مدى زمنى محدد« وليس مفتوحاً كما حدث فى الماضى لتحقيق إعلان دولة فلسطينية فى غضون نهاية العام المقبل. وهو المؤتمر المتوقع عقده فى نهاية اجتماعات الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة والمقرر فى سبتمبر، وبحضور عربى على مستوى رفيع، ذلك على الرغم من حرص المتحدث باسم البيت الأبيض على نفى علمه بأن أوباما سيقدم خطته للتسوية خلال سبتمبر. وكانت المباحثات المصرية الأمريكية قد ناقشت مواضيع بعينها تتعلق بنقاط خلافية، وعلى رأسها المستوطنات والحدود، حيث أصرت مصر على ضرورة وجود اتفاق مبدئى على حدود دائمة للدولة الفلسطينية وليس حدوداً مؤقتة، وبينما كان من اللافت أن الجميع لم يناقش مسألة حل الدولتين نتيجة قناعة جميع الأطراف بهذا الحل ضمناً بما فيها إسرائيل التى توقف مسئولوها عن ترديد تصريحاتهم المتناقضة حول القبول بشروط أو رفض حل الدولتين ثم تراجعوا بقبول ضمنى أبلغ للجانب الأمريكى. فإنه يمكن القول بأن مباحثات الرئيس المصرى فى واشنطن ولقاءه مع الرئيس أوباما وقبله مسئولى هذا الملف، حملت ملامح جديدة هذه المرة، حيث أصر الجانب المصرى على قضيتين رئيسيتين متعلقتين.. أولا: بقضايا الحل النهائى. ثانيا: بالمدى الزمنى المحدد لطرح تصورات واشنطن، وهو حسب علمنا الأمر الذى وجد قبولاً من الجانب الأمريكى فيما يتعلق بإعادة النظر فى الجدول الزمنى المحدد مسبقاً، أما بالنسبة للمستوطنات فقد كان النقاش حول بنود وتفاصيل تتعلق بتقديم إسرائيل لفتات إيجابية، فإن واشنطن ستناقش تلك النقاط والتى كانت محوراً أساسياً فى المحادثات المصرية الأمريكية على أساس النظر فيما كان ستتم معالجة هذه القضية بتحريك للمستوطنات، إما بتعلية مبانٍ قائمة بالفعل لاستيعاب ما تصفه إسرائيل بالنمو الطبيعى، أو استثناء 004 منشأة ترغب إسرائيل فى توسيعها بالفعل من قرار إسرائيلى استبق لقاء ميتشيل نتانياهو لتجميد الاستيطان بالضفة الغربية. أيضاً فإن نقاطا أخرى تتعلق بوقف التحريض ضد إسرائيل وهو مطلب إسرائيلى أمريكى فى مختلف وسائل الإعلام والجهات السياسية فى أنحاء العالم العربى، و»لفتات إيجابية« حسب الطلب الأمريكى بمعنى التطبيع لاسيما أن هناك دولاً عربية أبدت استعدادها بالفعل لإعادة فتح مكاتبها »مكاتب تمثيل« بإسرائيل مقابل تشغيل عجلة عملية السلام جادة وهى البحرين وعمان وقطر وتونس والمغرب، بينما بقيت دول عربية معارضة لطلبات إسرائيلية أخرى تطبيعية ومن بينها السماح لطائرات إسرائيلية بالمرور واستخدام المجال الجوى. على أية حال فإنه وفق مصادر أمريكية ومصرية تابعت المباحثات الثنائية فإنه من المنتظر أن يتولى الرئيس أوباما بنفسه تفعيل عملية السلام، والاطلاع والإشراف أولا بأول على إعداد مسودة إعلان خطته، وهى الخطة المعرضة للتعديل »نحو الأفضل« فى حال جاءت أخبار جيدة من القاهرة حول المفاوضات الفلسطينية- الفلسطينية من جهة، ومن تقرير ميتشيل المقرر أن يقدمه للرئيس أوباما نهاية الشهر الحالى عقب لقائه مع نتانياهو، ومن هذه النقطة سيتحدد موعد مؤتمر السلام الأول، ثم محطات التفاوض والتى ستكون شرم الشيخ إحدى مواقعها، ثم بعد ذلك ستتولى واشنطن وبشكل أساسى وعلى أراضيها، وبإشراف مباشر من أوباما وفريقه برئاسة ميتشيل المتابعة مع وجود دور غير مسبوق »لمصر«، أيضاً فإن واشنطن ستشرك المجتمع الدولى لاسيما الدول الدائمة العضوية واللجنة الرباعية، للتأكد من استمرار عجلة المفاوضات بسرعة وجدية، وأن أوباما يرغب ليس فقط فى التركيز على المسار الفلسطينى الإسرائيلى، بل أيضا بقية المسارات العربية الإسرائيلية، حيث ظهرت بوادر إيجابية لتحريك المسار اللبنانى السورى- الإسرائيلى بالتزامن مع المسار الفلسطينى. وسيكون السيناتور ميتشيل مبعوث السلام الأمريكى هو المسئول الأول عن عملية السلام »أمريكياً« وسيكون له جميع الصلاحيات، وأن دينيس روس ستتم الاستعانة به ولكن على الأرجح فى إطار التفاهم مع الجانب الإسرائيلى، على الرغم من أن مهامه الأولى تتعلق بالتعاطف مع الملف الإيرانى، أيضاً سيكون دينيس روس ضمن »كل رجال الرئيس« المعنيين بعملية السلام، وخلال لقاء الرئيس أوباما والرئيس حسنى مبارك بالمكتب البيضاوى أمس الأول لوحظ وجود دينيس روس الذى يتمتع بعلاقات قوية وتفاهم مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن وكثيراً ما أثنى عليه، وعلاقات بالطبع هى الأقوى مع تل أبيب.