لم أعد أقوى على السهر مثل أيام زمان، إلا أننى تحاملت على نفسى ليلة رأس السنة الجديدة لأتابع احتفال شباب ميدان التحرير بمولد العام الجديد، كانت احتفالية رائعة أذهبت عنى الإحساس بالتعب والإرهاق من متابعة أحداث متلاحقة حلت بالوطن على مدار الشهور والأسابيع التى أعقبت الثورة الشعبية فى 25 يناير. خيم على الميدان فى تلك الليلة مزيح من الفرح الحزين والبهجة على استحياء، تنازعت الجمهور أحاسيس مختلطة وتساءل بعضهم هل من حقنا أن نفرح وعلى أرض الميدان دماء شهداء؟! هل من حقنا أن نغنى ودموع أهالى الضحايا لم تجف بعد؟ لكن الحياة دائما أقوى من الموت وسنة الله فى خلقه أنه يخرج الحياة من الموت ويخرج الموت من الحياة. كان الحدث الأبرز بلا منازع فى العام المنصرف 2011 هى ثورة 25 يناير فى بداية العام، التى أدت إلى خلع الرئيس السابق وتولى المجلس العسكرى السلطتين الرئاسية والتشريعية بعد حل مجلسى الشعب والشورى. خلال العام جرت فى نهر الوطن مياه كثيرة كان أبرزها من وجهة نظرى الاستفتاء التاريخى فى 19 مارس الماضى رغم اختلاف كثير من النشطاء حوله. سجل ذلك الاستفتاء إقبالا جماهيريا غير مسبوق وسحب جزءا من شرعية الشارع الذى قام بالثورة كممثل للشعب المصرى ليضعها فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة كمدير للفترة الانتقالية عليه أن يرتب لإعادة انتخاب المؤسسات الدستورية ووضع دستور جديد وتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة. الملاحظ هنا أن البرنامج الذى وضعه المجلس العسكرى من اليوم الأول جرى الالتزام به فى خطه الرئيسى بصرف النظر عن بعض التغييرات التى لحقت بالجدول الزمنى نتيجة التضاغط بين بعض نشطاء الثورة وبين السلطة الحاكمة المؤقتة المسئولة رسميا عن إدارة البلاد. كان من المفروض أن يهل العام الجديد 2012 ولدى مصر مؤسسات دستورية جديدة ديمقراطية لكن ما حدث من مقاطعات واحتجاجات أدى إلى التأجيل والتأخير ونشبت حالة من النزاع المصطنع بين بعض الفصائل السياسية الوافدة حديثا على الساحة وبين المجلس العسكرى اتهمته الفصائل بأنه لا يريد التخلى عن السلطة ورد عليها بجدول زمنى محدد نجحت المرحلة الأولى منه بكفاءة عالية وهى تشكيل مجلس الشعب الجديد مع بداية العام الجديد ودعوته إلى الانعقاد فى الثالث والعشرين من الشهر الحالى. الظاهرة الجديدة الأخرى التى شهدتها مصر بعد الثورة هى رفع الحظر عن تيار الإسلام السياسى وعن جماعة الإخوان المسلمين، أما المتغير الذى ينبغى رصده فهو تكوين حزب سياسى منبثق عن الجماعة وفى اعتقادى أن تكوين حزب سياسى مستعد للالتزام بقواعد النظام الديمقراطى ومنفصل عن الجماعة يعفى الحزب من كثير من الملاحظات على تاريخ الجماعة الذى لا يستسيغه البعض من ناحية، ومن ناحية أخرى يشجع المجتمع السياسى بعد الثورة على قبول دوره كأغلبية برلمانية فى مجلس الشعب الجديد فى انتظار برنامجه التطبيقى للتعامل مع المشكلات التى تنتظر الحكومة المنتخبة. تجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أن مشكلة بين حكومة ما بعد الثورة وبين الشارع المصرى أكبر من مشكلتها مع النشطاء السياسيين الذين يعتقدون أن الثورة انسرقت منهم، فالشارع الذى انضم إلى الثورة وكان عنصرا حاسما فى نجاحها لم ينضم إليها لأسباب سياسية بالدرجة الأولى وإنما لأسباب فئوية ومطالب اجتماعية واقتصادية لذلك يرتفع سقف التوقعات من الحكومة المصرية فى عام 2012 وهو ما أدركه الدكتور الجنزورى ويحاول التعامل معه بجدية شديدة. بالطبع الناس تتطلع إلى التغيير وإلى الديمقراطية ليس من أجل مجرد التغيير والديمقراطية وإنما لتحقيق طموحاتهم الحياتية والفئوية بالدرجة الأولى، أما كيف تتحول الطموحات والمطالب الفئوية إلى برنامج تنموى شامل فتلك هى القضية التى تتحدى الحكومة المقبلة. ربما يكون مناسبا من أمنيات العام الجديد أن يتعاون البرلمان الجديد مع حكومة الجنزورى حتى نهاية فترة نقل السلطة إلى الرئيس الجديد للاستفادة من خبرته الطويلة فى التخطيط لوضع برنامج واضح ومحدد لمصر خلال الفترة المقبلة.