يبدو أن الإعلان المتكرر الذى كان يردده مهدى عاكف مرشد الجماعة المحظورة بأنه لن يترشح مرة أخرى لمنصب المرشد ما كان إلا جزءا من مسلسل معد مسبقا حفظا لماء وجه الرجل بعد أن وقع الاختيار الفعلى على المرشد القادم، والذى تولى مهامه فعليا منذ أيام، ولكن فى منصب جديد تم استحداثه فى الجماعة المطاطة التى تخلق المناصب على قدر تصعيد رجالها. اختار مكتب إرشاد الجماعة المحظورة الأسبوع الماضى د.محمد بديع - عضو مكتب الإرشاد ومسئول ملف الصعيد بالجماعة- ليكون هو المرشد القادم، وأن يتولى منصبا تم استحداثه خصيصا هو مرشد بالإنابة يقوم بكل ما يوكل للمرشد من أعمال، فى خطوة استباقية تقطع الطريق أمام محمد حبيب نائب المرشد الذى يحلم بالموقع المتوقع خلوه بنهاية العام الحالى.. وهى الخطوة التى لاقت قبولا من أعضاء التنظيم الدولى للإخوان لما يمثله بديع من قوة غير ظاهرة فى الجماعة وتبنيه بشدة لأفكار سيد قطب التكفيرية.. ولم يعترض أعضاء مكتب الإرشاد الدولى على الاختيار، بل تمت مباركته والتصديق عليه فى حال ترشيح نفسه فى انتخابات المرشد القادمة. محمد بديع نفسه يمثل جناح قوة مع محمود عزت أمين الجماعة لما تربطهما من علاقات زنزانة واحدة فى قضية القطبيين عام 5691، فضلا عن علاقة الزمالة فى مكتب الإرشاد.. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه: لماذا يقع الاختيار على بديع غير المعروف إعلاميا ليتولى هذه المهمة حاليا؟! الجواب فى محمود عزت، حيث تتبدل الجماعة وتغير جلدها حسب قوة رجالها الموجودين فى مكتب الإرشاد، وحاليا الرجل القوى هو د.محمود عزت أمين الجماعة، وبالتالى كان لابد من اختيار مرشح جديد لمنصب المرشد بدلا من عاكف الذى انتهى الدور المرسوم له.. ولأن عزت بمثابة المحرك لكل الأحداث داخل الجماعة من خلف ستار، وباقى القيادات ما هى إلا عرائس ماريونت يحركها كيف يشاء، فقد بدأ التنفيذ على الفور بعد الحكم على خيرت الشاطر.. وقتها كان الحديث قد كثر عن أن جناح الشاطر قد اختفى من الإخوان، والذى كان يضم المرشد وعزت وبدأ جناح محمد حبيب فى الصعود والذى أصبح قويا بعد أن انضم إليه عزت، وكانت الأمور كلها تسير فى اتجاه تنصيب حبيب مرشدا حتى قبل انتهاء ولاية عاكف.. ورغم الاختلاف البين بين الشاطر وحبيب إلا أن الأمور كلها كانت تسير فى صالح حبيب. ونجح الثنائى حبيب - عزت فى البداية فى تسيير أمور الجماعة، إلى أن حدثت واقعة منذ أسابيع غيرت التحالف، وهى اكتشاف الجماعة لعدد من الصفقات مع قوى سياسية على غير رغبة الجماعة أو بعيدا عنها لتحقيق مصالح شخصية.. فنقل العطاء على قيادة أخرى من أعضاء مكتب الإرشاد، وهو د.عبدالمنعم أبوالفتوح، رغم الاختلاف الشديد بين أفكار عزت وأبوالفتوح، فالأول يؤمن بالفكر المتشدد التكفيرى، وهو نفس الفكر الذى يؤمن به سيد قطب، ومن بعده تلاميذه محمود عزت ومحمود غزلان ومحمد بديع.. وهؤلاء كلهم كانوا متهمين فى قضية القطبيين فى حين أن أبوالفتوح شخصية لا تقبل التفاوض، رغم أنه إصلاحى من الناحية النظرية وضد كثير من الأفكار التى يتبناها الشاطر وعزت، إلا أن المصلحة تقتضى أن يحدث التحالف، وبالفعل بدأت الجماعة فى نقل عدد من الملفات من تحت يد حبيب إلى عبدالمنعم أبوالفتوح، ليس حبا فى الثانى، ولكن نكاية فى الأول، ومن هذه الملفات التى تم نقلها ملف المهنيين قبل انتخابات نقابة المحامين مباشرة حتى تم إلقاء القبض عليه فى قضية التنظيم الدولى. ولم يجد عزت سبيلا إلا البحث عن شخصية جديدة بعيدة عن الإعلام، وتؤمن بنفس الفكر القطبى المؤمن بالعمل السرى مثلما كان يقوم به مصطفى مشهور مرشد الجماعة السابق، والذى كان له دور كبير مع أحمد حسنين وأحمد الملط، وحسنى عبدالباقى فى إدارة الجماعة أيام المرشد عمر التلمسانى. فمحمود عزت هو استنساخ لمصطفى مشهور فى كل الصفات، ولا يحب أن يكون فى المقدمة، بل يدير من خلف الستار بعيدا عن الإعلام.. وهو يبحث عن شخصية من نفس الطراز. كان هناك اختياران؛ إما أن يتولى عزت نفسه منصب المرشد بالإنابة أو يختار بديلا، عزت رفض الحل الأول لأسباب تتعلق بعمره، حيث يعد أصغر من بديع بعامين، فضلا عن كونه غير مهيأ لتولى المنصب وترك أمانة تنظيم الجماعة.. فكان الحل الثانى هو صديقه محمد بديع، وبدأ التنفيذ تدريجيا عن طريق تقليص سلطات حبيب الذى تغول وأصبح هو المسيطر على ملفات الجماعة، وذلك بدعوى أن الجماعة قد أرهقته بملفات كثيرة، ولابد له أن يستريح فى الفترة القادمة.. وبدأت الجماعة فى سحب الملفات التى تحت يديه واحدا تلو الآخر.. بدأت بملف المهنيين الذى ذهب إلى أبو الفتوح وعاد إلى بديع مرة أخرى فضلا عن قسم التربية الذى يشرف عليه، وكان يديره رشاد بيومى تحت إشراف محمد حبيب، كما أسندت الجماعة أيضا إليه ملف الدعوة وكان يتولاه الشيخ عبدالله الخطيب.. وقد بدأ بالفعل بديع فى وضع مناهج التربية، حيث يعد هذا القسم من أهم أقسام الإخوان ومن يسيطر عليه يسيطر فى المقابل على كل فكرة فى عقول أفراد الصف الإخوانى! ويرجع اختيار بديع ليس فقط لكونه من الجماعة القطبية ولكن لعامل مهم آخر، وهو أنه مسئول ملف الصعيد بالجماعة، ويعد أول مسئول من الصعيد يتم تصعيده لهذا المنصب، كما أنه من جيل بعيد عن الرعيل الأول وبالتالى يحقق مطالب الشباب فى تولى المسئولية القيادية، فضلا عن التاريخ التنظيمى لبديع فى سبيل الجماعة. وبديع من مواليد المحلة الكبرى عام 3491، حاصل على بكالوريوس طب بيطرى من جامعة أسيوط عام 5691، وعمل بكلية الطب البيطرى جامعة الزقازيق ورئيسا لقسم الباثولوجى بطب بنى سويف لمدة دورتين ووكيلا لنفس الكلية.. كما أن بديع كان أحد أذرع الإخوان فى النقابات المهنية حيث كان أمينا عاما لنقابة الأطباء البيطريين لدورتين وأمينا لصندوق اتحاد النقابات المهنية لدورة واحدة. وحُبس بديع فى قضية سيد قطب عام 5691 حيث حكم عليه بالسجن 51 عاما قضى منها 9 سنوات ثم خرج فى4/4/4791 وعاد لعمله بجامعة أسيوط، ثم نقل إلى جامعة الزقازيق، وسافر بعدها لليمن وعاد من هناك إلى جامعة بنى سويف، كما ظل بالسجن لمدة 57 يوما فى قضية جمعية الدعوة الإسلامية ببنى سويف عام 8991، حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية.. كما قضى عقوبة أخرى فى قضية النقابيين عام 9991 حيث حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن خمس سنوات، قضى منها ثلاثا وخرج بعد انتهاء ثلاثة أرباع المدة سنة 3002. كان غريبا أن يوافق حبيب وبعض القيادات الأخرى على اختيار مرشد جديد دون اعتراض، لكن مصدرا متابعا للجماعة قال إن حبيب وجد أنه مثل الطائر الذى أصبح بدون ريش بعد سحب كل السلطات منه فلم يعلق على الأمر، على أن يظل فى منصبه الشرفى أمام الإعلام فقط، وحتى المرشد المغلوب على أمره أصابه ما أصاب حبيب فى أن يظل على منصبه حتى نهاية دورته الحالية بنهاية العام، وأن يواصل عمله كمرشد للجماعة من خلال رسالته الأسبوعية فقط، ولكن بدون مهام فعلية أو قرارات تتعلق بالعمل التنظيمى دون الرجوع للثنائى عزت - بديع. أما عصام العريان- مسئول المكتب السياسى- فحالته غريبة تشبه التجميد.. وهو بدون عمل فعلى، وقد يصيبه ما أصاب مختار نوح من تجميد قبل التخلى عنه تماما! يؤمن المرشد الجديد إيمانا كاملا بما ورد فى كتاب معالم على الطريق، وأن الجماعة لابد أن تختفى عن السطح تدريجيا، وأن تنظم أمورها قبل الظهور من جديد، وحتى قرار الجماعة بالمشاركة فى انتخابات مجلس الشعب القادمة يجب أن يتقلص إلى ما يقرب من 08 مرشحا فقط، مع عدم الترشح لانتخابات مجلس الشورى والمشاركة بعدد قليل فى انتخابات المحليات. ويبدو أن عزت قد أعد الأمر جيدا فحتى قبل إبلاغه بقرار مكتب الإرشاد بمسئوليات بديع الجديدة كانت الاتصالات قد انتهت مع أعضاء مكتب الإرشاد الدولى بموافقتهم على قبول بديع دون اعترض.. حتى المطالبات المسبقة بتدويل المنصب، وأن يخرج من إخوان مصر، تم التراجع عنها معتبرين أن اختيار بديع يلبى بعضا من مطالبهم خاصة أن المنصب يتولاه عدد من القيادات الشابة!