تقول التقارير إن تحويلات المصريين العاملين بالخارج تتراجع بقوة، وإن مصر خسرت نتيجة لهذا التراجع خمسمائة مليون دولار في الفترة من أول أبريل إلي أول يوليو الفائت، وترجع تقارير البنك المركزي المصري التي رصدت الظاهرة أن يكون سبب التراجع هو الأزمة المالية العالمية الراهنة. لقد أصدر البنك الدولي في الثالث عشر من يوليو الماضي تقريرا عن تحويلات المهاجرين من الدول النامية إلي عائلاتهم جاء فيه: إن التحويلات ارتفعت في العام الماضي عن العام الذي سبقه بحوالي 15 بالمائة صاعدة من 285 مليار دولار في 2007 إلي 328 مليارا في 2008. وهو ما يفوق تقديرات سابقة كان البنك الدولي قد اعتمدها لتقدير حجم التحويلات من مهاجري الدول النامية إلي ذويهم في عامي 2007 و.2008. لكن التقرير انتقل بعد هذا الخبر السار إلي خبر غير سار بالمرة عندما أوضح أن معدل التراجع المتوقع في تحويلات المهاجرين من البلدان النامية إلي ذويهم في 2009 لن يكون خمسة بالمائة بل سيكون أكثر من سبعة بالمائة. وقد جاءت هذه التقديرات المعدلة نتيجة لبيانات جديدة تفيد بأن التراجع في تدفق التحويلات بالمعدل الذي شهده الربع الأخير من العام 2008 استمر طوال النصف الأول من العام 2009 وهو ما ربطه التقرير باستمرار التدهور في سوق العمل الأمريكية، علما بأن تقرير البنك الدولي، الذي نقل عنه تقرير البنك المركزي المصري، صدر في يوم 13 يوليو الماضي أي قبل الانتعاشة الضئيلة في سوق التوظيف الأمريكية؛ وهي انتعاشة كان لها مردود إيجابي فوري في أسواق المال. وفي تقرير للهيرالد تريبيون العالمية: إنه من المتوقع أن تواصل الشركات الأمريكية الاستغناء عن أعداد من العاملين لديها طوال العام الحالي، لكن تقرير وزارة العمل الأمريكية يشير إلي أن الاقتصاد الأمريكي.. الذي يجر وراءه الاقتصاد العالمي.. قد يكون علي الطريق إلي مواصلة النمو بعد أسوأ وأطول فترة ركود مر بها منذ الثلاثينيات من القرن العشرين. وينقل التقرير عن الخبير الاقتصادي البارز مارك زاندي قوله: نحن علي وشك الانتقال من مرحلة الاستغناء عن أعداد (هائلة) من العاملين إلي مرحلة الاستغناء عن أعداد (كبيرة) من العاملين، في الطريق إلي سوق عمل مستقرة.. وهو ما يمكن أن يتحقق في الربيع المقبل. وترجع أهمية سوق العمل الأمريكية إلي أن مهاجرينا في الولاياتالمتحدة لهم نصيب الأسد في تحويلات المصريين بالخارج، وأي تحسن في أوضاع العمالة هناك له - بالتالي - مردود مباشر علينا. الأمور المتعلقة بأوضاع العمالة في الخارج وبالظروف الاقتصادية العالمية - رغم التفاؤل الأمريكي - لا تشير إلي أي استقرار حقيقي قبل سنوات طويلة مقبلة.. ولو صدقت التوقعات البيئية التي تنذر باحتمال ارتفاع منسوب ماء البحر المتوسط لدرجة تؤدي إلي إغراق مساحات شاسعة من أراضي الدلتا بحلول العام 2020 فهذا يعني أن زمن أزماتنا قد يطول. إن بلادنا تحتل الآن مرتبة متقدمة بين الدول العشر الأكثر استفادة من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، فهي الثامنة بعد الهند والصين والمكسيك والفليبين وبولندا ونيجيريا ورومانيا حسب تقرير يوليو الماضي للبنك الدولي، وأضيف أنا كخبير في شئون الهجرة أن المهاجر المصري قد يكون الأول، أو الثاني بعد المهاجر الهندي، علي قائمة ما أسميه الهجرة النظيفة، وهي الهجرة التي تنحصر تدفقاتها في مجالات البحث عن العمل دون تورطات جنائية إلا فيما ندر، خاصة بعد انحسار هوجة الغواية الأصولية النضالية في تسعينيات القرن الماضي. فما الذي يجب عمله لتعظيم الاستفادة من التحويلات في مواجهة أزمات الحاضر والمستقبل؟ توجيه التحويلات إلي مجالات التنمية دون أن ننسي أنها في النهاية موارد خاصة، وأن التنمية يجب ألا تتناقض مع سد احتياجات الأسر التي سافر المهاجرون أصلا لإعالتها وسد احتياجاتها. والخطوة الحاسمة علي هذا الطريق هي إنشاء آليات تحويل آمنة ورخيصة وسهلة.؟