كتب : محمود عبد الفتاح أعتذر للقارئ العزيز بسبب خروجى على النظام العام والآداب. ففى رحلة معه إلى فقيه، صاحب اجتهادات غير مسبوقة لا مفر من الخروج على النص. فقيه من أعلام الفقه الشافعى أطلق لخياله العنان فسرح بنا ولم يترك شاردة ولا واردة إلا أحصاها. حتى حشفة ذكر القرد لم تنج من (أبى شجاع)، الفقيه (الفارسى) فأدخلها فى اجتهاداته ووضع لها الأحكام الفقهية. لعلك الآن عزيزى القارئ أدركت مغزى الاعتذار. ونعود إلى فقيهنا الهمام واجتهاداته العظيمة. ففى نواقض الوضوء يقول: «والذى ينقض الوضوء خمسة أشياء منها ما خرج من السبيلين».. ويشرح ذلك قائلا: «أى شىء (خرج) من السبيلين من قبل المتوضئ الحى الواضح ولو من مخرج الولد. أو أحد ذكرين يبول بهما أو أحد فرجين تبول بأحدهما، وتحيض بالآخر فإن بالت بأحدهما أو حاضت به فقط فقد اختص الحكم به». وفى التفرقة بين الذكر الأصيل والذكر الاحتياطى لصاحب الذكرين يقول: «ومنه لو خلق له ذكران وكان يمنى بأحدهما ويبول بالآخر فما أمنى به هو الزائد وما يبول به هو الأصلى». (الإقناع فى ألفاظ أبى شجاع صفحة 165 الجزء الأول) وفى تعريفه للنوم كأحد نواقض الوضوء يقول بما يتناقض مع الحقائق العلمية: «ومن نواقض الوضوء (النوم) وهو استرخاء أعصاب الدماغ بسبب رطوبات الأبخرة الصاعدة من المعدة». وفى نواقض الوضوء بالمس، وفى عودة لصاحب الذكرين يقول: «ومن له ذكر إن نقض المس بكل منهما سواء كانا عاملين أم غير عاملين لا زائد مع عامل،أما مس فرج البهيمة أو الطير فلا ينقض الوضوء قياسا على عدم وجوب ستره وعدم تحريم النظر إليه». (نفس المصدر كتاب الطهارة الجزء الأول ص 173 ,172). ومن كتاب الطهارة وفى موجبات الغسل. «ولو أولج حيوان قرد أو غيره فى آدمى ولا حشفة له فهل يعتبر إيلاج كل ذكره أو إيلاج قدر حشفة معقولة قال الإمام: فيه نظر موكول إلى رأى الفقيه. انتهى؟» ومن عجائبه فى مسألة تهم جميع المسلمين «فلو قطع الذكر وفيه المنى قبل بروزه لم يجب الغسل إلا أن برز من الباقى المتصل». وفى باب الزنى يواصل عجائب وغرائب اجتهاداته فى مقدار القدر اللازم لإيلاج الحشفة حتى يتحقق وقوع الحد: «ما لو أولج بعض الحشفة فلا حد عليه، ما لو خلق له ذكران مشتبهان فأولج أحدهما فلا حد للشك فى كونه أصليا». (السابق الجزء الثانى صفحة 238) والغريب والمروع حقا أن يكون هذا الكتاب بما يحمله من هزل وتناقض مع الحقائق العلمية والذى لا يمكن أن ينتمى إلى أى فرع من فروع المعارف الإنسانية من ضمن مقررات الكتب الدراسية بالأزهر. هذا الكتاب الصادم اختاره المجلس الأعلى للأزهر ليدرس على طلاب السنة الثانية من المرحلة الثانوية ليعطيهم - وهم فى هذه المرحلة الحرجة - انطباعا سيئا عن العلوم الإسلامية بما يهز يقينهم ويزعج فطرتهم. فهل مثل هذا الهزل، والذى ينسب إلى الفقه الإسلامى هو ما يريد الأزهر أن يبثه فى عقول وصدور أبنائنا وبناتنا. وإذا كان مثل هذا يدرس لهم منسوبا إلى الفقة الإسلامى، فكيف يكون حالهم ومستواهم بعد إتمام الدراسة وليس معهم من زاد إلا جمل مهزوزة من الأفكار المنقسمة حول الدين، وحكايات خرافية منسوبة إليه. إذن ففيم العجب عندما تطفو على السطح الفتاوى الشاذة ابتداء من إرضاع الكبير وانتهاء بمدى جواز أكل لحم الجن. ولماذا نتساءل عن عدم جدوى الوعظ وانعدام فائدته، وفى أسبوع واحد تنطلق من آلاف الميكروفونات ملايين من الخطب والدروس الدينية قبل وبعد الصلوات وتنطلق إلى السماء مليارات الدعوات والاستغاثات ولا فائدة ملموسة من ذلك لأن أغلب الدعاة مازالوا على درب أبى شجاع؟! ولكن كيف التقت عقلية أبى شجاع مع عقليات أعضاء المجلس الأعلى للأزهر وأغلبهم من حملة الدكتوراه فى العلوم الإسلامية. وهم الوحيدون المنوط بهم رسم السياسة التعليمية بالأزهر. فالمجلس الأعلى للأزهر تطبيقا لأحكام المادة التاسعة من قانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961 يتكون من: شيخ الأزهر وله رياسة المجلس. وكيل الأزهر. رئيس جامعة الأزهر. نواب رئيس جامعة الأزهر. أقدم العمداء فى كل فرع من فروع الأزهر بالمحافظات. الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية. المستشار القانونى لشيخ الأزهر. وكيل الوزارة لشئون المعاهد الأزهرية. الأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر. أربعة أعضاء من البحوث الإسلامية يختارهم المجمع لمدة سنتين. أحد وكلاء الوزارة من كل من وزارة الأوقاف والعدل والتربية والتعليم وشئون الأزهر والمالية. ومن ضمن اختصاصات المجلس الأعلى للأزهر رسم السياسة التعليمية التى تسير عليها جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية والأقسام التعليمية فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية. واقتراح المواد والمقررات التى تدرس لتحقيق أغراض الأزهر. فماذا يحقق تدريس هذا الكتاب لطلاب وطالبات فى سن المراهقة من أغراض الأزهر؟ الحقيقة أن الانسجام الفكرى الذى حدث بين أبى شجاع والمجلس له أسبابه التى لا تخفى على أحد، فمازالت كل مدونات عصور الانحلال من الأحاديث المفتراة والقصص المدسوسة نصوصا علمية وأقوالا ثقات يستخدمها الكتاب والخطباء على غير منهج أو إلى غير غاية. ولا يزال الأمر يمضى هكذا دون اهتمام بتنقية التراث ودون قواعد ثابتة لتصحيحه وتقييمه والرد على شبهاته ثم العمل على إحيائه ونشره. هذا العمل الجليل والذى يدخل ضمن واجبات مجمع البحوث الإسلامية والذى أنشئ خصيصا له مازال معطلا حتى اليوم. وفى ظل هذا الواقع المؤلم، وفى ظل تعامل أغلب المشتغلين بالعلوم الإسلامية مع كتب التراث على أنها مسلمات لا تقبل معاودة النظر. إزاء ذلك لم يجد المجلس الأعلى للأزهر إلا هذا الكتاب فالبدائل كلها نسخ كربونية من أبى شجاع. والمدهش حقا بل المحزن أنه بعد تدريس مثل هذا الكتاب وغيره من كتب لا تختلف كثيرا عنه جميع العلوم الإسلامية يتحدثون عن تخلف المسلمين وانحدار أحوالهم وضعف مستوى الخطباء وتجديد الخطاب الدينى إلى آخره من مشكلات. ثم يعقدون المؤتمرات السنوية لمناقشة هذه المشكلات تنتهى إلى إصدار توصيات إنفاق ملايين الجنيهات على طباعة وتدريس كتب غير محققة، وبكل ما تحمله من أثقال مترسبة عليها تجعل حركة المسلمين مع الحياة مستحيلة. ثم إنفاق أضعافها من الملايين على مؤتمرات لبحث مشكلة تخلف المسلمين عجائب وألغاز وتناقضات؟ فأين أنت ياأبا شجاع لتحل لنا هذه الألغاز مؤسس الحركة الوطنية لتنقية الثقافة الإسلامية