على مدى أكثر من مائة عام قدمت السينما المصرية عددا ضخما من الأفلام الناجحة والتى تركت بصمة قوية فى أذهان الجمهور وقف خلفها جيل من العمالقة أمثال (صلاح أبوسيف) و(حسن الإمام) و(كمال الشيخ) و(يوسف شاهين) و(حسين كمال) إلى أن جرفها التيار لتخرج من ساحة المنافسة بسبب الاستهانة بتقديم فن رخيص لا يهدف إلا للربح. تساءلنا متى تعود السينما المصرية إلى مجدها، خاصة بعد أن شهدت فى الفترة الأخيرة حالة من التراجع رغم توقع الكثيرين بإمكانية حدوث انتعاشة بعد الثورة إلا أن الأفلام التى تم إنتاجها خيبت الظنون، وقد اتفق عدد كبير من السينمائيين بأن هناك كارثة حقيقية تواجه مستقبل السينما المصرية من خلال سلسلة من الأفلام الرديئة التى هطلت عليها كالمطر فى محاولة لإفسادها بشكل عام وإفساد الذوق العام بشكل خاص. (داود عبدالسيد) أكد أن السينما المصرية تعانى من تراجع كبير لا يتناسب مع تاريخ صناعة السينما التى أنتجت أعمالا ناجحة ظلت محفورة فى أذهان الجمهور لما تحمله من قيمة فنية كبيرة بالإضافة إلى أن شخصية الممثل اختلفت تماما عما كان فى السابق، خاصة من ناحية الجدية فى تناول الشخصية وإتقانها. (داود) أشار إلى أن هذا التراجع ناتج عن مجموعة من الأسباب يأتى فى مقدمتها أنه لم يعد هناك المنتج الذى يسعى لتقديم رسالة فنية هادفة تترك بصمة حقيقية. (بعد أن أصبح) الشغل الشاغل للمنتجين هو تقديم أعمال بهلوانية الهدف منه الربح فقط. (محمد خان) أكد أن السينما المصرية بدأت تنصاع وراء غرائز عدد كبير من الشباب دون التطرق إلى فكرة حقيقية تترك البصمة ولو بنسبة 50% إلى أن التركيز على تحقيق إيرادات عالية أصبح هو المقياس الأول لنجاح الفيلم. وأضاف : خاصة الأفلام التى تستهدف المواسم كعيد الفطر أو عيد الأضحى والتى أصبحت لا تحمل القدر الكافى من تقديم رؤية سينمائية حقيقية كما كان يحدث فى السابق. (سمير سيف) أشار إلى أن الجيل الجديد من المخرجين أقل ما يجب أن نطلقه عليهم لقب (جيل الأقزام) هذا الجيل رغم محاولته السير على خطى السابقين من العمالقة والمبدعين فإن أغلبهم يعانى من التسطيح الفكرى بالإضافة إلى انعدام الموهبة. (سيف) أكد أن الانصياع وراء أقاويل بعض المنتجين والمؤلفين بأن الجمهور عايز كده من خلال الأفلام الرديئة التى يقدمونها هو أمر غير صحيح، فمثلا هذه الأعمال لم تترك بصمة ولو بنسبة 1% وينتهى تأثيرها بمجرد الانتهاء من مشاهدتها وظهور كلمة النهاية. سيف طالب الجيل الجديد بوضع بصمة خاصة تؤكد هويته وتفرض على الساحة بشكل جيد. بشير الديك أشار إلى أنه لا يمكن الجزم بأن الأعمال السينمائية فى الفترة الأخيرة كلها سيئة فيوجد منها ما هو جيد ويوجد منها ما هو سيىء وقد يرجع ذلك إلى الحالة التى نعيشها الآن من عدم الاستقرار والأمان. أما بالنسبة للمنتجين فلا سوق محددة أو جيدة لهم فى هذه المرحلة خصوصا مع الاضطرابات السياسية التى نمر بها الآن. يقول رءوف توفيق إن ما نراه الآن لا يطلق عليه سينما إنما هو مجرد محاولات قائمة بإمكانات ضخمة دون خطط عمل وإنتاج وتسويق مسبق، أى أننا نفتقد كثيرا من صناعة السينما. ومن هنا أطالب القائمين على صناعة السينما أن ينظروا لها من وجهة نظر مختلفة على اعتبار أنها شىء مهم فى حياتنا ومن أهم مصادر الدخل لمصر وليست وسيلة (أكل عيش) الهدف من ورائها هو تحقيق الربح فقط ويضيف إننا لدينا عناصر جيدة من الشباب يمكن استغلالها ولدينا كم رهيب من الأفكار الجديدة والمعالجات السينمائية المميزة.. أرجو أن نستفيد منها، (توفيق) نسب حالة التدهور التى تشهدها السينما فى هذه المرحلة إلى الحرب الدائرة بين المنتجين على حجم الإيرادات وليس جودة العمل الذى يقدم متحججين بأن الجمهور عايز كده وهذه المقولة الشهيرة من ابتداع المنتجين أنفسهم لتبرير رداءة الأعمال التى تقدم والجمهور برىء تماما من هذه الاختيارات. ويشير توفيق إلى أن الإيرادات التى حققتها بعض الأفلام الرديئة فى الفترة السابقة تحققت نتيجة للضغوط التى تعرض لها الناس نتيجة الأحداث السياسية المتوالية التى دفعتهم لأن يعطوا إجازة لعقولهم فجاءت الأعمال السينمائية ضد العقل والتفكير. (نادر جلال) قال : تعتبر سنوات الأربعينيات من أخصب السنوات التى أسهمت فى تعزيز صناعة السينما المصرية وجعلتها جدارا محصنا لا يمكن الاقتراب منه كما أنتجت نسيجا قويا من النجوم لن نعوضهم مرة أخرى، لافتا أن ما يحدث الآن هو حالة من التخبط تشهدها السينما المصرية لعدم تحديد الأدوار فهناك عدد من النجوم اتجهوا مؤخرا، لإنتاج أفلامهم لمجرد الظهور والتواجد على الساحة دون التطرق إلى قيمة العمل وبصرف النظر عما إذا كان يناقش قضية ملموسة تخدم المجتمع أم لا ؟! (مجدى أحمد على) أبدى حزنه الشديد على ما يحدث للسينما المصرية من تقديم سيناريوهات هزلية يقف وراءها تمويل يدفعه منتج لا يسعى إلا للربح فقط بصرف النظر عن القيمة الفنية التى يقدمها العمل، مشيرا إلى أن هناك مؤامرة كبيرة لإسقاط زمن الفن الجميل والعودة إلى الوراء حتى تسقط مصر من على خريطة السينما والمشاركات الدولية والمهرجانات السينمائية التى تشارك فيها. وهو ما يدل على أن قدرة الفن المصرى أصبحت بعافية فى ظل المنافسة القوية والشرسة فى عالم الفضائيات. يقول (إبراهيم عبدالمجيد): معظم الأفلام التى تم تقديمها مؤخرا لم تنضج جيدا بسبب الاستعجال الشديد لعرضها، ولذلك خرجت على الجمهور بهذا المستوى الضعيف ويكفى الحكم عليها من أسمائها ؟! ويضيف: إن إقبال الجمهور على فيلم شارع الهرم خلال عيد الفطر الماضى يعنى أننا مازلنا (محلك سر) ولم نتحرك على الإطلاق ولو حتى خطوة واحدة إلى الأمام خاصة فيما يتعلق بنظرة المنتجين للربحية التى يفوزون بها مثل هذه النوعية من الأفلام مما أفسد الذوق العام للجمهور. ويضيف عبدالمجيد: نحن فى هذه المرحلة فى حاجة إلى تكاتف كل العناصر لصناعة فيلم جيد وعلى المنتجين أن يتخلصوا من هاجس الربح الذى يسيطر على اختياراتهم للسيناريوهات التى يقدمونها للجمهور، فبالتأكيد الربح شىء مطلوب لأى منتج لكن لابد ألا يكون الهدف الوحيد ! (عبد المجيد) طالب شباب المؤلفين بعدم الوقوع فى خطأ دارج وهو الخضوع لرغبات النجوم الكبار بوصفهم المتحكمين فى العمل الفنى سواء فى اختيار القصة أو الممثلين المشاركين بحجة علاقة التوزيع بأسمائهم كنجوم فى السوق العربية التى أرى أنها سوق متخلفة تهتم باسم النجم على حساب قيمة العمل. كما يتمنى التحرر من سيطرة نوع واحد من الأفلام على السوق السينمائية مثلما يحدث مع الأفلام الكوميدية والأفلام التجارية. (محمد كامل القليوبى) اتهم الرقابة والدولة معا بانهيار السينما المصرية لما كانت تمارسه من حجب الحرية والديمقراطية على الفكر السينمائى بينما رفضت الدولة دعم الإنتاج الفنى. (القليوبى) أشار إلى أن المقارنة بين جيل العمالقة والجيل الحالى ظالمة ومستحيلة لأسباب عدة من بينها الفارق الزمنى بين الجيلين كما أن وعى الجمهور أصبح مختلفا، فنحن الآن فى عصر الانفتاح وأصبح كل شىء مباحا، ولكن علينا أن ندعم شباب المبدعين بدلا من أن نتركهم دون وعى.