في فيلم «كف القمر» للمخرج خالد يوسف الذي افتتح به مهرجان الإسكندرية السينمائي قرأت لأول مرة اسم «هيثم أحمد زكي» فقط «هيثم زكي» قد تبدو تفصيلة صغيرة إلا أنها تحمل دلالة كبيرة وهي أن هيثم قد شب عن الطوق وصار من حقه أن نشاهده ونقيمه ونحبه باعتباره فنانا موهوبا بعيداً عن والده عبقري فن الأداء «أحمد زكي». في رمضان الماضي حقق «هيثم أحمد زكي» حيث كان لايزال يكتب اسمه ثلاثيا من خلال مسلسله الرمضاني «دوران شبرا» قفزة جماهيرية لا يمكن إنكارها وضعته في مكانة النجم الشاب الموهوب بعد أن ظل أكثر من خمس سنوات في مرحلة التخبط الفني.. لم يكن يملك فقط من المؤهلات الفنية سوي أنه ابن «أحمد زكي» الذي رحل عام 2005 قبل أن يستكمل فيلم «حليم» فاستعانوا بابنه الوحيد لاستكمال دور أبيه. كانت هذه هي البداية الخاطئة في مشواره الفني خاصة أن 90% من أبناء الفنانين في مصر صاروا بالوراثة مثل آبائهم يمارسون نفس المهنة سواء أكانوا ممثلين أو مطربين أو مؤلفين أو مخرجين لا نستطيع أن نلغي علم الوراثة أو ننكر دور البيئة، إلا أن الأمر كان يبدو كنوع من الاحتكار.. وكأنهم مثل عائلة «الحلو» التي احتكرت علي مدي قرن من الزمان ترويض الأسود في مصر ولايزال أحفاد الأحفاد يمارسون المهنة رجالا ونساءً!! لم يستطع أغلب أبناء الفنانين تحقيق نجاح يقترب إلي ما وصل إليه الآباء.. لم أنزعج من ظاهرة توريث الفن حتي لو شابها بعض الصفقات والمجاملات لأنني أثق تماماً أن شباك التذاكر لن يتم تزويره، لن يستطيع أحد في نهاية الأمر أن يفرض فناناً علي الناس. كان من الممكن أن يفرض بالقوة جمال رئيساً لمصر لولا ثورة يناير ولكن لن يستطيع أحد أن يفرض فنانا علي الناس. إلا أن من أسوأ عوارض التوريث الفني حالة الزحام التي تؤدي أحياناً إلي ذهاب بعض الفرص إلي من لا يستحق ناهيك عما كان يجري في الكواليس من صفقات مشبوهة ابن النجم يستعان به في عمل فني وعلي المقابل يقدم النجم الكبير خدمة مماثلة لجهة الإنتاج التي تعاملت مع ابنه.. جزء لا يستهان به من الأعمال التي يشارك فيها أبناء الفنانين من نتائج قانون المقايضة. «هيثم أحمد زكي» حالة استثنائية بين النجوم فهو لم يمثل بدعم من والده بل إن «أحمد زكي» كان حريصاً أن يتخذ «هيثم» طريقاً آخر.. انطلاق «هيثم» جاء بعد رحيل والده عندما أكمل دوره في فيلم «حليم»، لم أشعر بارتياح أثناء تنفيذ الفيلم لأن «أحمد زكي» كان غير قادر علي الأداء والمبرر الذي ساقوه وقتها أن «أحمد زكي» مريض ويؤدي دور «عبدالحليم» الذي كان في الواقع مريضاً أيضاً وهذه الحجة تخاصم الفن بقدر ما تخاصم الإنسانية لأن الممثل الذي يؤدي مثلاً دور سكران ينبغي أن يتمتع بكامل قواه الجسدية والعقلية لتقمص الدور وكان «أحمد زكي» بالتأكيد يشعر بكل تفاصيل الشخصية التي يؤديها إلا أن أدوات التعبير المتمثلة في جهاز الحركة والنطق لم تكن تساعده علي أن يقدم كل ما يشعر به داخلياً.. توقع منتجو الفيلم أن «حليم» سوف يحقق إيرادات ضخمة في دور العرض، فهو آخر فيلم مثله «أحمد» وأول فيلم يمثله «هيثم» ولكن جمهور السينما كان له رأي آخر وعندما يعاد عرض الفيلم في الفضائيات لا أتصور أنه يحقق أي قدر من نجاح مع المشاهدين!! بعدها بأربع سنوات لعب «هيثم» بطولة فيلم «البلياتشو» وشعرت أن الانطباع الإيجابي الأول مع «هيثم» يتلاشي تماماً وأن النصيحة التي ينبغي أن تصل إليه هي أنه يشبه والده بحكم قانون الوراثة إلا أنه لم يرث عنه الموهبة!! وابتعد «هيثم» نحو ثلاث سنوات وعاد مع مسلسل «دوران شبرا» هذه المرة لديه نص ودور ومخرج يستطيع توجيه الممثل وهو «خالد الحجر» ورأيت «هيثم» في حالة ألق يحلق إبداعياً ولا تقيده مفردات أبيه الخاصة وهو ما تكرر في دور ياسين في «كف القمر» رغم أن «أحمد زكياً» فنان مؤثر تجده قد تسلل لا شعورياً إلي أعماق أكثر من ممثل شاب مثل «عمرو سعد» و«محمد رمضان» و«محمود عبدالمغني» إلا أن «هيثم» تمكن أن يفلت حتي من هذا النوع من التأثير غير المباشر.. «هيثم» صار حالة نادرة في الحياة الفنية المصرية لفنان شاب اقتحم دنيا الفن متكئاً علي موهبته وليس الوراثة «هيثم أحمد زكي» صار «هيثم زكي»!!