المشكلة أننا نتحاسب مع الثورة المصرية بالقطاعى.. مع أن الأصول أن يكون الحساب بالجملة.. ولو أن الحساب كذلك.. لما احتجنا إلى هذه الجمعات المليونية لتذكير المسئولين بمطالب الثوار.. أسوة ببلاد العالم المختلفة.. التى يحاسبون فيها الحكام الفاسدين على مجمل أعمالهم.. لا أن يحاسبوهم على فيللا اشتراها أحدهم بتراب الفلوس..! فى بلاد الخواجات يحاسبون الحاكم ويحبسونه لو أن قطارا خرج عن الخط فى إحدي الضواحى البعيدة.. وتسبب فى مقتل عدد من الركاب.. يحاسبونه ويحبسونه على اعتبار أن الحاكم مسئول عن رعيته بحق وحقيقى..! عندنا ومنذ شهور نحاكم حسنى مبارك فى مسئوليته عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين.. ولو تمكنت المحكمة من إثبات مسئوليته.. فسوف يعترض الدفاع وسوف يطلب التحقيق عما إذا كانت الأوامر بإطلاق الرصاص شفهية أم مكتوبة، ولو ثبت للمحكمة أن الأوامر مكتوبة.. فسوف يسأل الدفاع عن ختم النسر على الأوامر.. وربما يكون مبارك قد نسى الختم.. وحينئذ سوف يضمن البراءة..! مبارك يا سادة أطلق الرصاص عمدا على المتظاهرين.. ليس لأنه كان ممسكا بكل خيوط الحكم فى يده.. ولا تتم صغيرة أو كبيرة دون إذنه وأوامره المباشرة.. وليس لأنه المستفيد الأوحد من إطلاق الرصاص.. ولكن لأنه الحاكم.. وعليه أن يدفع ثمن المسئولية السياسية كما يحدث فى كل بلدان الدنيا. القصد.. أننا نحاسب مبارك بالقطاعى.. نسأله عن جميع التفاصيل الصغيرة خلال الثلاثين سنة فى حكم البلاد.. وهو ما يسهل عمل الدفاع المتخصص فى التفتيش والاعتراض على كل صغيرة وكبيرة.. والأصول أن نحاكمه بالجملة.. نحاكمه سياسيا عن مجمل الأعمال التى قادت البلاد للخراب ودفعتها للوراء كثيرا. والمشكلة أن الثورة تفتقد الخبرة فى التعامل مع ألاعيب المحامين.. والخيبة أن المسئولين عن تسيير شئون البلاد يفتقدون الحس الثورى.. هم أناس طيبون مخلصون لا تشوبهم شائبة.. وهو ما أدى إلى ما نحن فيه الآن وقد سلمنا لهم أمورنا وجلسنا نتفرج..! وزمان.. وعقب نجاح ثورة يوليو.. أدركت بحس الثوار.. أن فلول النظام السابق يمكن أن يكونوا عائقا ضد الدفع الثورى.. فلجأت إلى محكمة الثورة وحاكمت بسرعة كل من ساهم فى خراب الوطن.. وعزلت جميع قيادات ما قبل الثورة.. وظلمت العديد منهم.. وعندك مصطفى النحاس على سبيل المثال.. لكنها كانت ثورة.. حاكمت الماضى والسابق بسرعة.. ثم بدأت فى البناء من جديد.. ومن أول السطر.. أما بعد ثورة يناير.. فنحن لم نحاكم أحدا.. ولم نطو صفحة الماضى.. ومازلنا نتفرج.. ومازلنا نخرج فى مسيرات مليونية فقدت تأثيرها وعنفوانها بدوام التكرار.. وصرنا فى محنة حقيقية لابد لنا من الخروج منها حتى ننجو بالثورة من عراقيل صنعناها بأنفسنا..! إن محاكمة الحكام الفاسدين لابد أن تكون محاكمة شاملة لكل ما ارتكبوه.. دون الدخول فى تفاصيل.. والاتهامات التى يستحق مبارك أن يحاكم من أجلها كثيرة.. ليس فقط حصوله على فيللا.. أو إطلاقه الرصاص على الشعب فى الأسبوع الأخير من حكمه.. ولابد من محاسبته على الاستيلاء على الحكم بالحيلة لمدة 30 عاما.. قام خلالها بإفقار الشعب المصرى ودفع البلاد إلى الوراء.. وربطها بالمصالح الأمريكية الإسرائيلية.. على حساب علاقاتها الأفريقية والعربية كدولة من دول عدم الانحياز. الجرائم التى يستحق مبارك أن يحاكم من أجلها جرائم سياسية بالأساس.. والطبيعى أن يحاكم سياسيا.. أمام محكمة من رجال السياسة.. تماما كما فعلتها ثورة يوليو زمان.. عندما حاكمت الرموز والفلول بموجب قانون العزل السياسى.. ثم التفتت إلى البناء.. فهل نفعلها ونحاكمه بالجملة.. لنبدأ مشوار الثورة بحق وحقيقى؟!