«زي النهار يا فتي وإحنا اللي ليلنا طال جاي في أوان جرحنا والشدة ليها رجال صوتك جميل رنته تنقش علي الأرواح ترسم بداية زمن بالبهجة والأفراح قلبك يساع النيل فجرك بداية ليل حلمك وطن نبنيه ونلاقي لينا مكان إنت اللي من حلمنا وجرحنا يا جمال» الكلمات للمبدع الشاعر إبراهيم عبدالفتاح في تيتر آخر عمل علي الشاشة يجسد حياة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وسيرته الذاتية.. الأروع أنها ترسم الصورة الأسطورية لرئيس مصر الأسبق التي استدعاها أبناء هذا الوطن في وقت المحن والأزمات ولم تخرج منها أبدا رحيله وكأنها أغنية وطنية تلخص مزاج شعب في حالة ثورة رفض وخرج مستنجدا بزعيم اختزلت إنجازاته طموح أمة بأكملها.الأغنية قدمها بصدق صوت متمكن و«بكر» وبإحساس نبيل وهو وائل جسار. الأغنية الجميلة كانت مناورة إبداعية حية علي جثة أعمال وطنية سائدة، كما أنها استلهمت روح الزعيم قبل ثورة مصر وفي الوقت نفسه تتنبأ بظهور مخلص أسطوري أو مهدي منتظر علي الأرض الطيبة لاستعادة ذاكرة الإنجازات والمنجزات والأحلام المؤجلة. إن روعة الحضور «الناصري» تجلت في المشهد الإبداعي الغنائي، حيث انتقلت الأغنية الحماسية من مرحلة الأناشيد إلي مرحلة الأغنية الوطنية التي مثلت نبضا جديدا في الغناء المصري لايرسم خريطة الثورة ومبادئها وإنجازاتها فقط بل آمال وطن. والمدهش أن تيتر أغنية مسلسل «ناصر» الذي استلهم روح الزعيم وأرهص بالثورة وألمح إلي افتقاد الأمة إلي مواصفات قائد لها ما يقابلها في تاريخ الأغنية الوطنية، حيث قدم صوت مصر الفلتة محمد قنديل أغنيته الشهيرة «علي الدوار» واعتبرها مؤرخو الغناء أنها كانت تبشر بالثورة، بينما كان جمال هو الراعي الرسمي للأغنية الوطنية التي تترجم أحلام الأمة.. كما أنه أيضا الراعي الرسمي لثورة يناير. في حضرة المحبوب «جمال عبدالناصر» كان العصر الذهبي للغناء الملهم علي خلفية مشهد سياسي ذهبي للكرامة المصرية والكبرياء وأيضا الريادة بأصوات أم كلثوم وعبدالوهاب ومحمد قنديل، واكتمل هلال هذا العصر بمولد العندليب الأسطوري عبدالحليم حافظ ومعه شادية ونجاة وفايدة كامل وصباح ووردة وغيرهم من نجوم تلك الفترة وتجسدت روعة هذا الجيل في سيمفونية «وطني الأكبر» التي كانت محطة الوصول إلي أمة عربية موحدة قبل حضور زعماء التفكيك والتشويه والكابوس العربي! ورغم إسهامات نجوم الجيل الذهبي وإيمانهم الكبير بثورة يوليو، فإن «حليم» وحده انفرد بالمشهد بوصفه الابن الحقيقي للثورة التي شهدت مولد موهبته، فبينما احتفظت كوكب الشرق أم كلثوم بعرشها سار حليم في طريقه لإشهار عرشه الغنائي بفريق عمل لن يتكرر يتألف من صلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي ومعهم العمالقة مأمون الشناوي وأحمد شفيق كامل وحسين السيد ومرسي جميل عزيز وبموسيقي محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي، قدم «حليم» في بداية مشواره أغنية «احنا الشعب» بعد انتخاب ناصر رئيسا لمصر عام 56 والطريف أن نفس الأغنية كانت لسان حال الثوار إسقاطا علي الرئيس المخلوع وبكلمات تلخص رفضهم لبقائه. وعندما توالت إنجازات الثورة لاحقها صوت حليم بأغنيات رددها البسطاء والوجهاء من شعب مصر منها «حكاية شعب» و«صورة» و«يا جمال»، و«يا جمال يا حبيب الملايين». و«بالأحضان» ووسط روائع «حليم» لم تغب إبداعات أم كلثوم عندما غنت للثورة أغنية «والله زمان يا سلاحي» عام 56 أثناء حرب السويس وقتها تحولت الأغنية إلي نشيد وطني لمصر. إنجازات «ناصر» لم تقتصر علي ملاحقة الكاميرات، بل كان يرافقها كلمات وألحان وأصوات مبدعة، وكما يقول دائما مفتاح سر العصر الذهبي للأغنية الإعلامي وجدي الحكيم أن حالة الوهج السياسي تابعها وهج غنائي صادق تحرك مع إنجازات شعبية. لم يكن غريبا أن تكون أغنيات العصر الذهبي «صورة» لحليم و«احنا الشعب» لأم كلثوم هي المعبر الحقيقي لثورة 25 يناير في قلب ميدان التحرير وفي حضرة غياب نجوم مصنوعة علي خلفية عصر فاسد ليتجدد الحضور اللامع لعمالقة الغناء مع ذكري ناصر.وحسنا ختم «إبراهيم عبدالفتاح» رائعته«ناصر» حينما قال: ولو دار الزمن أو مال واتبدل علي البشر أحوال مكانك في القلوب يا جمال ولا كل من ركب الحصان يبقي يا بشر خيَّال مكانك في القلوب يا جمال