جمال أسعد هي مشاكل بين جماعات الوطن الواحد تبني علي أساس التفرقة بين تلك الجماعات في الحقوق والواجبات، وتكون هذه التفرقة علي أساس ديني «مسلمين ومسيحيين» أو علي أساس إثني «نوبة وغير نوبيين» وأساس جغرافي «بدو سيناء» ومن الطبيعي أن تكون للتفرقة بداية وأسباب تبدأ في التراكم حتي تصبح مشكلة ثم تتحول إلي قضية .. والمشكلة تحتاج إلي حل، أما القضية فتحتاج إلي حسم وحل وحكم. وهنا إذا تحدثنا عن المشكلة الطائفية بين المسلمين وبين الأقباط، فهي بلاشك معقدة ومركبة ومتداخلة، فهذه المشكلة لم تكن بنت يومها، ولكنها قد بدأت منذ أكثر من ألف عام عندما حكم مصر حكام يحكمون باسم الإسلام ولا يعرفون الإسلام لا حكما ولا عدلا ولا حياة فكانت هناك تفرقة بين المسلمين وغير المسلمين في المعاملة حقوقا وواجبات مما أوجد مناخا طائفيا يحدث فرزا في التعامل بين هذا وذاك علي المستوي السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ولعزلة الأقباط عن الحياة العامة بشكل عام كان هناك فارق وفروق بين ثقافة الأقباط الخاصة والثقافة العامة لمجمل المصريين، خاصة أنه كانت هناك ثقافات واردة مع كثير من الحكام المستعمرين باسم الإسلام واستمر الوضع بين صعود يخفف تلك المظالم عن الأقباط وهبوط في العلاقة يزيد هذه المظالم لدرجة منعهم من أشياء حياتية كثيرة تفرق بين مصري وآخر وللأسف كانت هذه التفرقة باسم الدين. حتي جاء محمد علي بنظام حديث أفرز بوادر ما يسمي بالمواطنة في الوقت الذي لم يعرف فيه العالم ذلك المصطلح وحتي جاء عام 1855 والذي أسقطت فيه الجزية عن غير المسلمين، وبالتالي أصبح لهم الحق في التجنيد بالجيش المصري الذي أسسه محمد علي علي أسس مدنية ثم كان الخط الهمايوني عام .1856 تلك الوثيقة الدستورية التي ضمنت حقوقا كثيرة لغير المسلمين أسست بالفعل لحقوق المواطنة مع الوضع في الاعتبار أن المتغيرات السياسية والثقافية لا تتم إلا بالتراكم الذي يأخذ من الوقت أفسحه وكان قانون تنظيم ملكية الأراضي الزراعية عامي 1853 و1891 قد أعطي الفرصة للخاصة الذين منحوا تلك الأراضي للصعود الاجتماعي وكان منهم أقباط هم من كانوا ضمن رجال محمد علي في وظائف مثل المالية والمحاسبية. وحصل بعض الأقباط علي لقب الباهوية والباشاوية حتي أصبح من الأقباط من يحسبون في دائرة الإقطاعيين الذين يملكون الأراضي أو الأعيان أي الذين يملكون العين «العقارات»، فكانت تلك المتغيرات السياسية التي أنتجت بعض الأقباط السياسيين وإن كان بعضهم يسير في معية الاستعمار الإنجليزي فحدث ذلك التغيير لتلك الفئة الخاصة من الأقباط الملاك والأعيان عند مقابلتهم سعد زغلول طالبين المشاركة معه في حركته السياسية حيث كان هؤلاء الملاك أيضا في شبه عزلة كباقي الإجماع القبطي. فشارك رموز الأقباط الملاك في ثورة 1919 الشيء الذي جعلهم بالتبعية يشاركون في الحكم من خلال الوزارة والعمل الحزبي بعد تكوين الوفد وأحزاب ما قبل 1952 وهنا لابد من ملاحظة، فالمشاركة هنا كانت خاضعة للنظام السياسي الذي يعتمد علي كبار الملاك وعلي الرأسمالية الناشئة حينئذ. وبالطبع لم تكن هناك مساهمة حقيقية لغالبية الشعب الذين هم خارج السلطة ولا حول ولا قوة لهم عبر تسخيرهم في الأراضي والمصانع والعزب واستغلال أصواتهم عند الانتخابات التي كانت لهؤلاء الملاك والرأسماليين. إذن فوضع الأقباط هنا كان مثل باقي المصريين غالبية غالبة مسحوقة ومقهورة ومستغلة وقلة مالكة ومنعمة وحاكمة. وكان هذا للمسلمين وللمسيحيين. وفي هذا المناخ وعلي تلك الأرضية استمرت المشكلة الطائفية في صعود وهبوط حسب الأحوال وتبعا لوجود مواقف وأحداث وطنية تجمع كل المصريين أيا كانوا بدءا من تلك الفتنة الطائفية التي تجلت في المؤتمر القبطي عام 1921 والمؤتمر الإسلامي. الأول كان بأسيوط والثاني كان بالإسكندرية مرورا بأحداث 1934 والتي كانت فيها الفتنة تطل برأسها وكان يغذيها الإنجليز تحت مسمي «فرق تسد» وحماية الأقلية الدينية المسيحية تلك الحماية التي نص عليها تصريح 28 فبراير 1924 ثم كانت ثورة يوليو 1952 وهنا يمكن أن نقول في المجمل أن ثورة يوليو وجمال عبدالناصر تحديدا كانا قد قضيا علي المشكلة الطائفية بشكل مؤقت ولم يقضيا عليها بشكل نهائي وإن كان يمكن علي الأقل وضع أسس راسخة كانت بالتراكم الزمني والممارساتي كان يمكن القضاء علي هذه المشكلة، فكيف قضي عبدالناصر علي تلك المشكلة حتي ولو بشكل مؤقت؟ أولا كان أن وجه ضربة قاضية وموجعة للتيارات الدينية المتطرفة في هذا الوقت. فقد قضي ناصر علي ما يسمي جماعة الأمة القبطية. تلك الجماعة التي اتخذت منهج الإخوان المسلمين نموذجا، فكانت تلك الجماعة تسعي لقيام الدولة القبطية. وكانت تتعامل مع شعار الإخوان المسيح زعيمنا والإنجيل دستورنا، وكانت قد قامت بخطف البطريرك الأنبا يوثاب وأودعوه دير المحرق بالقوصية أسيوط، وقد تم سجن زعماء هذا التنظيم. وتم القضاء علي تنظيم الأمة القبطية وإن لم يتم القضاء علي أفكاره ومنهجه الذي تم إحياؤه الآن، أما الضربة الموجعة فكانت للإخوان المسلمين عند محاولة اغتيالهم لجمال عبدالناصر في الإسكندرية وكانت موجعة وليست قاضية حيث إن الإخوان الآن هم من يستكبرون علي الشعب ويحاولون القفز علي ثورة 25 يناير. ثانيا: كانت هناك علاقة خاصة وحميمية بين عبدالناصر والبابا كيرلس السادس الشيء الذي رطب قلوب الإجماع القبطي تجاه النظام والقيادة السياسية وإن كان هذا الترطيب لم يحدث بالقطع لمن كانوا ملاكا للأراضي والمصانع والمتعصبين والمتطرفين الأقباط الذين هاجروا لأمريكا وكانوا نواة لما يسمي بأقباط المهجر الآن. ثالثا: وهو الأهم أن نظام عبدالناصر كان نظاما منحازا للجماهير والجماهير فقط فكان السد العالي ذلك المشروع الوطني والقومي والذي استنفر إجماع كل المصريين خاصة بعد سحب صندوق النقد الدولي تمويله للسد وتم تأميم القناة ولحقهما العدوان الثلاثي .1956 كل تلك الأحداث التي شارك فيها كل مصري مما ساهم في ترسيخ الانتماء الوطني لكل المصريين. رابعاً: ثم كانت تلك المتغيرات الحقيقية علي أرض الواقع والتي أرست ورسخت ما يسمي بحقوق المواطنة تلك الحقوق التي لا تفرق بين مصري ومصري.. فكانت العدالة الاجتماعية أيقونة النظام الناصري فساوت بين المسلم والقبطي فكلاهما أخذ نصيبه من أرض قانون الإصلاح الزراعي. فأصبح مالكاً للأرض بعد أن كان أجيراً وكلاهما شارك في أرباح المصنع الذي يعمل به مع قوانين العمل التي قننت العلاقة بين العامل وصاحب العمل. وكلاهما تعلم بالمجان ذلك الذي لم ولن يتاح لأبناء العمال والفلاحين الأجراء وفقراء مصر الذين كان يحتويهم الثلاثي الغادر الفقر والجهل والمرض فأصبح ابن الفقير ضابطاً ووكيل نيابة وأستاذ جامعة ونائباً عن الشعب في المجلس التشريعي. كان كلاهما يتخرج في الجامعة بعد دخوله الكلية عن طريق مكتب التنسيق ودون تفرقة لكي يجد العمل الذي يجعله يبدأ حياة جديدة سعيدة. هذه هي مكتسبات العهد الناصري علي أرض الواقع التي كانت قد قضت مؤقتاً علي الفتنة وآثارها. ولكن هل يمكن الآن أن نعيد العهد الناصري؟ بلا شك إن تقييم أي مرحلة سياسية يخضع للظروف والملابسات والمعطيات السياسية الداخلية والخارجية المصاحبة للمرحلة. فنحن الآن لسنا في عام 1952 ولكننا في عام .2011 الآن يجتاح المشهد السياسي ليس جماعة الإخوان فقط ولكن الجماعة الإسلامية والجماعات السلفية المتكاثرة المتنافرة علي الحصول علي المكاسب السياسية التي لا علاقة لهم بها. الآن هناك من يستمد قوته من المشكلات الطائفية ويتاجرون بها من خلال أجندات أمريكية وأجنبية ويطالبون للأسف بالدولة القبطية وينددون مع الصهيونية مما يوسع الفجوة بين الأغلبية العددية والأقلية العددية وكل هذا يساهم ويكرس المناخ الطائفي ويؤجج الفتنة الطائفية الحقيقية وهناك الآن العلاقة الملتبسة بين النظام وبين القيادة الكنسية والتي تغيرت من الحميمية وقت ناصر إلي الصراع المكتوم ثم المعلن بين السادات والبابا شنودة الذي تحول إلي مبادلة مصالح بعد ذلك في نظام مبارك تلك المبادلة التي ساهمت كثيراً في هجرة الأقباط إلي الكنيسة مما جعل القيادة الكنسية تتحول إلي قيادة سياسية بصمت وقبول النظام السياسي مما ساهم في تكريس الطائفية. الآن لا يوجد مشروع قومي يجمع المصريين الآن نسعي بعد يناير إلي تلك العدالة الاجتماعية الغائبة والمغيبة حتي نعود لحقوق المواطنة التي لا تفرق بين مصري ومصري علي أي أساس. ومع ذلك فالحياة أمل وعمل وطموح. ولا حياة مع اليأس والتقاعس والخضوع وبعد ثورة يناير زاد الأمل وتأسس الطموح في حل كل المشاكل الطائفية دينية وإثنية وجغرافية عن طريق بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي تحترم الدين ولا تقصيه حيث هناك التدين المصري النموذج لكل المصريين تلك الدولة التي تعلي من حقوق المواطنة لكل المصريين فيتم حل جميع المشاكل علي أرضية ومسافة واحدة حتي تعود مصر لكل المصريين.