أختلف 180 درجة مع نظام الرئيس مبارك حول الإصلاح السياسي والدستوري.. وأحلم بالديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية في وطني مصر.. وأقف مع من يطالبون بمحاربة الفساد واسترداد أراضي الدولة وأموال الشعب التي نهبت في عمليات الخصخصة.. ورغم اختلافي فإنني مع الدولة ومع النظام في مواجهة أي مساس بتراب مصر ووحدة كيانها كدولة.. ودافعي لتلك المقدمة وهذا الموقف هو المظاهرة التي شاهدتها علي شاشة تليفزيون BBC يوم الأحد 24 يناير الماضي لمجموعة من أقباط مصر في بريطانيا يقودهم ثلاثة من القساوسة بملابسهم التقليدية ويمسك أحدهم بميكروفون ويهتف ويردد المتظاهرون من ورائه الهتافات ضد النظام في مصر وضد ما يدعونه من اضطهاد للأقباط في مصر، ثم وهم يسلمون مذكرة باسم المتظاهرين في مقر رئيس الحكومة البريطانية «10 دواننيج استريت».. وبعد تلك المظاهرة بأيام ظهر المستشار نجيب جبرائيل - رئيس إحدي الجمعيات الحقوقية - علي شاشة قناة الجزيرة الفضائية مدافعًا عن مظاهرات الأقباط خارج مصر ومدعيا أنها ليست استقواء من الأقباط بالخارج وإنما إعلاما بحقيقة أوضاع الأقباط وما يجري من تفرقة ضدهم في مصر.. ولم يكتف المستشار نجيب جبرائيل بمواقفه تلك ولكنه اندفع مهاجما وبنظرات ملئها التعصب والسخط المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص علي «أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع» مطالبًا بإلغائها.. وكأنه يطالب بعدم الاكتراث بإرادة ورغبة 68 مليون مصري من المسلمين.. وصاحب هذا التصعيد من جانب بعض الأقباط المصريين تحركا وتصعيدًا علي محور آخر وهو مشكلة أهل النوبة حيث نشرت إحدي الصحف اليومية وبعض المواقع الإلكترونية علي شبكة الإنترنت أن مجموعة من النشطاء الحقوقيين والنوبيين سوف يتوجهون منتصف شهر فبراير الجاري إلي مدينة جنيف السويسرية لعرض قضية عودة النوبيين إلي أراضيهم علي اجتماع المجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي يناقش أيضًا التقارير المقدمة من الحكومة المصرية والمنظمات المستقلة في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان في مصر.. وأوضح الخبر المنشور أن مشكلة أهل النوبة تتلخص في مطالبتهم بالحق في الأرض بشكل أساسي وحقهم في العودة والاستيطان حول ضفاف بحيرة ناصر.. وعدم تفضيل المستثمرين العرب والأجانب عليهم في الحصول علي الأراضي وزراعتها.. إضافة إلي مشاكل أخري تتمثل في حقهم في الحفاظ علي هويتهم الثقافية وتراثهم ومنع اندثار اللغة النوبية. وهذا التناغم والتوافق في تصعيد وتفجير المشاكل في مصر مرة في اتجاه أهل النوبة.. ومرات في الاتجاه الطائفي.. ومرة في اتجاه بدو سيناء هي أمور تثير القلق وتدعو إلي الخوف علي الوطن.. ويزيد من مشاعر القلق والخوف ذلك الإصرار الغريب من جانب البعض من المثقفين ومن الأقباط علي تصوير حادثة نجع حمادي ليلة الاحتفال بعيد الميلاد السيد المسيح عليه السلام علي أنها مشكلة طائفية وإغفال قصةاستدراج شاب مسيحي لطفلة مسلمة واغتصابها.. وتجاهل حادثة كنيسة محرم بك في الإسكندرية قبل أكثر من عامين والعرض المسرحي «كنت أعمي.. والآن أبصرت» والتي حوت تهكما علي الإسلام والمسلمين.. فضلاً عما يبث من سموم ومغالطات عن أن الإسلام دخل مصر عن طريق الغزو وليس الفتح.. وانتشر فيها بالإكراه وأن من أسلم من الأقباط هم من الفقراء الذين عجزوا عن دفع الجزية.. وأن المصريين الأقباط ليسوا عربا وأن المسلمين هم سلالة الغزاة من العرب.. ويتناسي من يروجون ذلك الكلام أن خليل الله إبراهيم - أبو الأنبياء - قد تزوج من مصرية هي السيدة هاجر التي أنجبت له إسماعيل أبو العرب.. فإذا لم يقبلوا بأن المصريين كلهم عرب فلابد وأن يسلموا بأن كل العرب من نسل هاجر وابنها إسماعيل هم مصريون بالدم والأصل والنسب.. ثم لماذا هذا الإصرار علي خلق طائفية سياسية في مصر ومطالبة الأنبا بسنتي «بكوته» لتمثيل الأقباط في برلمان 2015 أسوة بمقاعد المرأة بينما لبنان القائم نظامه علي طائفية سياسية يسعي في طريق تشكيل لجنة لإلغاء الطائفية السياسية وهو ما كان يوجب علي الأنبا بسنتي أن يتكلم بروح مصرية وطنية بدلا من الطائفية الدينية وأن يسعي هو وغيره مع كل الديمقراطيين في اتجاه الضغط علي الحكومة والنظام لتطبيق نظام القوائم الانتخابية بدلاً من الانتخاب الفردي لضمان تحقيق أوسع مشاركة سياسية للمواطنين جميعًا وتحقيق المواطنة دون تفرقة بين مصري وآخر بسبب الدين أو الملة. وفيما يتعلق بمشكلة أهلنا سكان النوبة فلهم كل الحق في المطالبة بتملك الأراضي الزراعية ولكن ليس بالضرورة أن تكون حول ضفاف بحيرة ناصر خلف السد العالي حيث توجد اعتبارات أمنية لحماية البحيرة من مخاطر أي تلوث، وهي التي تمثل الخزان المائي ومصدر الحياة لكل سكان مصر.. ولكن في المقابل لابد وأن نسلم بحق أهل النوبة في أن تكون الأولوية لهم في أراضي مشروع توشكي وليس للأخوة العرب وأن يتمتعوا بنفس الأسعار التي تم بها تخصيص الأراضي هناك قبل عشر سنوات لشركة المملكة التي يرأسها الأمير الوليد بن طلال وهي 50 جنيهًا للفدان. وما أريد قوله وبإيجاز إن قضايا مصر ومشاكلها يجب أن تطرح وتناقش داخل مصر وليس أمام مقر رئيس وزراء بريطانيا أو في لجان الكونجرس الأمريكي.. ويجب أن تحل القضايا والمشاكل بإرادة وتوافق المصريين وفي إطار من الديمقراطية.. وهنا فإن المجلس القومي لحقوق الإنسان عليه مسئولية الدعوة لحوار وطني عام يضم كل القوي والاتجاهات ورموز الفكر والثقافة من أجل بحث مشاكل المصريين من الأقباط ومن أهل النوبة ومن بدو سيناء والخروج بتوصيات توضع أمام القيادة السياسية المصرية من أجل الحفاظ علي وحدة نسيج هذا الوطن وعلي كيان الدولة.. ومرة أخري نقولها إن مشاكل مصر تبحث وتحل في مصر وليس في لندن أو باريس أو داخل الكونجرس الأمريكي.