علي الصفحات التالية نواصل الاحتفال بالذكري المئوية لميلاد الأديب العالمي نجيب محفوظ وهو احتفال بدأناه منفردين علي مدي أسبوعين ونعد بأن نواصله طوال العام الحالي. وإن كنا نتمني ألا نحتفل بمفردنا وأن تشاركنا الجهات المختلفة سواء كانت رسمية أم أهلية الاحتفال بالرجل ذي القيمة الكبيرة. خاصة أننا في الشهر القادم نشهد مرور 23 عاماً علي حصول أديب مصر الكبير علي جائزة نوبل، وهو ما يعني أننا مقدمون علي اليوبيل الفضي لنوبل نجيب محفوظ خلال عامين فقط، ولعله من الغريب أن يتم الاحتفال بنجيب محفوظ في العالم كله بينما المصريون عنه ذاهلون بما تجري به الحوادث والمقادير. علي هذه الصفحات نواصل الاحتفال بأديب مصر الكبير ونجدد الدعوة للجميع للاحتفال بمئوية أديب نوبل العالمي. «روز اليوسف» حوار عمره أكثر من 33 سنة: «ون - تو» بين الخطيب ونجيب محفوظ عثرت «روزاليوسف» علي هذا الحوار الوثيقة صدفة.. اللقاء كان بين العالمي نجيب محفوظ وساحر الكرة محمود الخطيب أما الذي نجح في إجرائه فهو الصحفي الراحل الكبير والناقد الرياضي بجريدة الأهرام عباس لبيب الذي أجري لقاء السحاب ونشره في عدد يوليو من مجلة الطليعة التي كانت تحمل وقتها شعار (مجلة الإنسان وعلوم المستقبل).. وكان يترأس تحريرها وقتها الأستاذ صلاح جلال نقيب الصحفيين الأسبق. وصفت المجلة اللقاء بلقاء العمالقة. وقد تم في مكتب نجيب محفوظ بالدور السادس بالأهرام أي أن عملاق الكرة - الخطيب - هو الذي ذهب إليه، ويكشف الحوار عن التعامل الراقي بين المبدع واللاعب. وعن عشق نجيب محفوظ للكرة في صباه. وعن رؤيته حول مقولة أن كرة القدم كانت السبب في هزيمة 1967 وإلي نص هذا اللقاء. الوثيقة والقنبلة. • الأدب والرياضة في حوار بين: نجيب محفوظ عملاق القصة المصرية والخطيب نجم مصر في كرة القدم. لقاء العمالقة: لقاء قائم ومستمر.. وإن كان يتم أحيانا عن بعد.. وإذا تم عن قرب فهو دائماً ممتع وجذاب خاصة إذا تم خلاله حوار مفتوح وصريح.. فحوار العمالقة غذاء دسم للروح والعقل. ولكن ما يزيد الحوار متعة أن يكون بين عملاقين كل منهما يتربع علي عرش بعيد تماما عن الآخر.. ميدانان مختلفان في نوعية الخلق والأداء.. بل وفي أسلوب العرض والإنتاج. حوار بين عملاق القصة المصرية صاحب الثلاثية والكرنك وثرثرة فوق النيل وميرامار الروائي الكبير نجيب محفوظ. وعلي الطرف الآخر من الحوار عملاق كرة القدم وصاحب أسرع قدم تعرف طريقها إلي المرمي.. ونجم مصر الكبير محمود الخطيب. وجري الحوار في الدور السادس بمبني «الأهرام» حيث صومعة نجيب محفوظ الذي كان بتعبيره الخاص «لعيبا في صباي ولم تكن تفوتني أية مباراة للكرة.. رحم الله حجازي والتتش». ويمتد الحوار عن الأدب والرياضة، والقصة وكرة القدم، و.... محفوظ: أهلا إحنا عجزنا وكنا نتمني لو قدرنا نتتبعك في المباريات ولكن السن والظروف لا تسمح. • الخطيب: إني أشكر الحظ الذي أتاح لي لقاء عملاق القصة، وهل تقبل الدعوة لحضور مباراة لفريقي الأهلي، وما هي آخر مباراة شهدتها. - محفوظ: أنا لعبت زمان كورة كقلب دفاع في ثانوي، وبعدين ظروف دراسة الجامعة منعتني من الاستمرار، وآخر مباراة شهدتها عام ,1930 وما كانش يفوتني ماتش زي السينما بالضبط، وأنا آسف بالنسبة للدعوة، فصحتي لا تتحمل الانفعال الشديد، ساعات وأنا باكل يتصادف رؤيتي للقطات كورة، أروح مندمج وناسي الأكل، فألحق نفسي وأروح منسحب من أمام التليفزيون. • الخطيب: من يعجبك من نجوم زمانك؟ - محفوظ: التتش وحجازي، وأنا سمعت أنك بتتعرض للخشونة، ودي حاجة قديمة في الملاعب، واحنا زمان كنا بنمزج السياسة بالكورة خلال اللعب مع الفرق الإنجليزية، ونعمل علي الفوز عليهم حتي بالعنف، كسبيل لرد الاعتبار. • الخطيب: ما رأيك في تعصب الجماهير لأندية معينة؟ - محفوظ: التعصب موجود من زمان، والزيادة جاءت من التليفزيون، ولكن الحماس والتعصب كان موجوداً، وكل واحد له ناديه، وكان فيه أتوبيس شرطة للطوارئ. • الخطيب: قيل أن الكرة كانت من أسباب هزيمة 1967؟ - محفوظ: هذه سخافة، ولا أساس لذلك من الصحة، طيب ما كان فيه كورة أيام حرب أكتوبر المجيدة، أسباب الهزيمة معروفة، وعيب نلزقها في الكورة وأم كلثوم، الرياضة قوة ونشاط، وإنجلترا في عز مجدها السياسي كانت مجنونة كورة. • الخطيب: ما هو تفسير عشق الجماهير في العالم لكرة القدم؟ - محفوظ: بمقارنتها بجميع الألعاب نجدها تختلف - السباحة والمصارعة لا يراها إلا قلة، أما الكرة فتلعب في مساحة كبيرة، ويشهدها مجموعات ضخمة، وهي تعكس الحياة الاجتماعية أكثر من أي لعبة أخري، فهناك التعاون والأخلاق، بل والروح السياسية، ويندمج فيها المتفرج بكل حواسه، وبالتالي فهي قمة الألعاب، ولا شك أن الأداء المرتفع المستوي يعطي إحساسا بالجمال تماما كالصوت الحلو أو النغم الشجي. • الخطيب: لماذا يفلت الزمام أحياناً ويحدث الشغب؟ - محفوظ: تلك هي طبيعة الإنسان، يحب الفوز، ويكره الهزيمة، ومن ثم يأتي رد الفعل خاصة لو أحس أنه قد ظلم، وبالتالي نري انفلات الأعصاب. • الخطيب: لو عاد بك العمر هل كنت ستستمر في الرياضة؟ - محفوظ: كنت عاشقا ولهانا لها في صباي، وكان يتهيألي أن عمري ما أتركها، وسبحان الله فقد حصل. • الخطيب: هل يمكن أن يحدث ذلك لي؟ - محفوظ: ما تقدرش احنا كنا علي الهامش، ولكنك فنان مشهور، وستضحي بالتالي بأي شيء في سبيل حبك لها، وذلك تماما كالأدب بالنسبة لي، خاصة أن الكرة مستقبل مضمون الآن. • الخطيب: بالعكس، إننا نعيش ليومنا ولا ضمان للمستقبل. - محفوظ: ذلك خطأ، مادام هناك دخل كبير. وهناك متعة مؤكدة للجماهير، فيجب أن يكون هناك ضمان للمستقبل بعد الاعتزال. • الخطيب: نصدم أحياناً، عندما نقرأ عن آراء تستهين بالكرة ولاعبيها، ولقد تعرضت للنقد الشديد وبلا ذنب بسبب تأليف كتاب عني! - محفوظ: العملية اختلاف في الأفكار، وقد يعجب الأب باللعبة ويتعلق بها بشدة، ولكنه قد يحرم ابنه من مزاولتها، وتأليف كتاب عنك شيء طبيعي في حسباني، مادام الجمهور مهتماً، وهناك ضمان من الناحية التجارية، وعادة تحب الجماهير معرفة كل دقائق حياة النجوم التي تعشقها، وأنت شخصيا لك مكانة خاصة في نفوس أولادي، وياتري ما هو تأثير الشهرة الكبيرة دي عليك؟ • الخطيب: وجدت أنها نعمة من الله، يجب أن أحافظ عليها، بالبعد عن أية تصرفات شخصية قد تسيء إلي سمعتي، وحرمت نفسي من أشياء كثيرة جداً. - محفوظ: الشهرة ثمنها غالي، وهي مقياس النجاح، الشهرة في حلاوتها وجمالها في نفس الوقت هي مسئولية وحرمان وعبء والدنيا أخذ وعطاء، في رمضان مثلا أتمني لو أقعد في الفيشاوي، ما أقدرش. • الخطيب: شخصيات قصصك تكاد تنبض بالحياة، فهل قصصك من الواقع أم من الخيال، وهل هناك احتمال في أن نقرأ عن شخصية لاعب كرة في قصة جديدة لك؟ - محفوظ: شوف الفن بياخد من الواقع ويرجع للواقع، والمادة حتي من الحياة، وقد يلهمني الخطيب مثلا شخصية، وإن كانت تتغير خلال القصة، إلي حد قد لا تتبينه، وقد يحدث أن تتضمن قصة لي شخصية لاعب كرة، ولم لا ولقد سبقني الكاتب ارنولوينيت في الكتابة عن كرة القدم. • الخطيب: أحس بقلق شديد قبل كل مباراة خشية ألا أجيد فهل ده طبيعي؟ - محفوظ: القلق في حياة المشاهير حقيقة واقعة، وأنت ماشي لفوق المسئولية محدودة، ولا يعرفك أحد، ولكن لما توصل القمة، فهنا المشكلة، فالمحافظة علي القمة أصعب من الوصول إليها، فهناك جيش زاحف لمنافستك، في الأول يمكن تظهر بحالة 60 في المائة ولكن دلوقت أي حركة البلد كلها بتبص للخطيب، وأنا شخصيا أشعر بالقلق دوما، ولا تصدق أن أحداً لا يحس به، أما إذا زال القلق فهنا الغرور والنزول من القمة. • الخطيب: يسعدني أن أجد ذلك التقدير لكرة القدم من قمة أدبية. - محفوظ: الرياضة أمر خطير، وهي من أسباب وحدة الإغريق، وبالتالي الوحدة العالمية في الألعاب الأوليمبية، والرياضة أحد العوامل الرئيسية للتربية، وفيما يتعلق بكرة القدم فعندما نتوصل بحسن مستواها إلي إمتاع الجماهير، فيجب أن تعتبر كفن مثل أي فن آخر كالغناء مثلا، ولي سؤال لك، ما هو رد الفعل إزاء هتاف الجماهير وتعلقهم بك؟ • الخطيب: أحس بجميلهم حول عنقي، والتزامي نحوهم بتقديم كل ما أستطيع لأسعدهم، وأدعو الله دوما أن يوفقني. - محفوظ: شيء جميل، وأنا أحيي فيك ذلك الوفاء، وأنا سعيد بأن نجم الكرة الأول علي هذا الإيمان، وأنا أوصيك بالتقوي ومقاومة الشهوات، لقد عرفت في زماني أبطالا عظاما، كانوا ضحية للشهوات، وقوام الإنسانية القيم والسمعة الطيبة، والإيمان ثقة بالنفس وقوة علي بذل الجهد ويحمي من شرور لا حصر لها وعلي فكرة هل تقبل التمثيل بالسينما لو عرض عليك؟ • الخطيب: الحقيقة لم أفكر في الأمر. - محفوظ: من رأيي ألا ترفض، ولكن بشرط ألا تعتمد علي شهرتك كلاعب فحسب، فيجب أن يكون لديك موهبة التمثيل، الجمهور حيروح علشان الاسم، وبعد دقائق من بداية الفيلم يبحث عن الممثل، فإذا كانت لديك الموهبة فلا تتردد، وبشرط أن تقدم وتحصل علي ما يوازي اسمك. • الخطيب: لقد زادت محبتي للكرة، فلقد مكنتني من لقاء نجيب محفوظ. - محفوظ: ياابني أنا اللي سعيد، لقد أعدتني إلي شبابي والذكريات الحلوة، وعلي فكرة أنا أهلاوي قديم جدا، وإن كنت نقلت تعلقي إلي نادي المختلط لما انتقل له حسين حجازي، علي كل حال أنا أعدك بمتابعة كل مباراة لك في التليفزيون وفقك الله وأكثر من أمثالك في الرياضة.