كتب : محمود عبد الكريم ثمة خيط رفيع واه تماما لا يمكن تحديده أو رؤيته بالعين المجردة كان يربط بين الديكتاتور المخلوع ووزير داخليته الأكثر قسوة وسادية فى تاريخ الداخلية حبيب العادلى هذا الخيط الرفيع هو الذى ربط بين مصير رجلين تفننا فى إخضاع وإذلال الشعب على مدار 30 سنة منها أكثر من عشر سنوات أبدع خلالها العادلى فى السيطرة على مصر من ناحية وعلى شيخ الخفر الذى كان يحكمها من ناحية أخرى. والحقيقة أن هناك ثلاثة رجال وامرأة كانوا قريبين جدا من الديكتاتور المخلوع هم الذين استطاعوا تحويل الرجل من رئيس جمهورية بحجم وقدر مصر إلى شيخ خفر لا يملك إلا الصراخ فى الخلاء متسائلا مين هناك؟ الأربعة الذين شكلوا رؤوس أو زوايا مربع العصابة التى حكمت مصر هم زكريا عزمى وصفوت الشريف وحبيب العادلى وسوزان ثابت زوجة الديكتاتور. تحكم زكريا عزمى بجوعه وجشعه وأمراضه النفسية فى كل صغيرة وكبيرة داخل القصر الجمهورى ومحيط الرئيس «الموظف». وتحكم صفوت الشريف فى عقل مصر وتوجهها وأصبح هدفه التاريخى تسطيح عقلية المواطن المصرى وتهييفه وإعلاء قيمة الراقصات والممثلات والمغنيات ومن على شاكلتهن وتذويب قيمة العالم والأديب والفنان والمثقف رغم أنه كان وزيرا للإعلام لأكثر من 20 سنة. أما زوجة الديكتاتور فتفرغت لقضيتين أساسيتين الأولى هى كيف توصل رئاسة الجمهورية لابنها «الطاووس» المريض، والثانية جمع مسروقات الوطن وهدايا الخليجيين وإعادة بيعها وتحويل عائدها إلى بنوك الخارج.. والمصيبة أنهم حتى وهم لصوص لم يستفد الوطن من سرقاتهم التى استولوا عليها بل استفاد منها الغرب. أما الرابع فهو الرجل الذى استطاع أن يؤمن للديكتاتور حكما آمنا وإقامة فاخرة فى منتجعات شرم الشيخ والحفاظ على هدوء البلاد خلال جولات «الشحاتة» التى كان يقوم بها الديكتاتور إلى منطقة الخليج وليبيا حيث شكلت تصرفاته مع مشايخ الخليج وحكامها فضائح كان يندى لها جبين كل مصرى حتى أن أحد حكامها فى أخريات أيامه كان يفاجأ به يهبط بطائرته فى مطار بلاده دون ميعاد مسبق فيرسل له أصغر أبنائه ليستقبله وليقول للمحيطين به اعطوه ما يريد وخلوه يمشى وقولوا له أن سمو الحاكم فى رحلة صيد أو سموه تعبان.. وهذه الرواية يعرفها كثيرون ممن عملوا فى دول الخليج أو زوارها فالمواطنون هناك كانوا يتداولونها على نطاق واسع. العلاقة المريبة والمعقدة بين مبارك والعادلى تستوجب أن يحاكما كشخص واحد لأنهما أفسدا كل ما طرأ على بالهما فى مصر من شجر وحجر وبشر وزرع وضرع وأن تنتهى محاكمتهما بحكم لا يمكن المجادلة فيه وهو إعدامهما. حبيب العادلى كان هدفه الوحيد وهو فى السلطة حماية مبارك وعائلته فقط وذلك من منطلق أن حماية الديكتاتور وعائلته تضمن له الحماية والاستمرار فى الاغتراف من ثروات الوطن وأمواله وأراضيه والاعتداء على حرماته ونسائه. كان العادلى مجرما بطبعه حادا فى شخصيته ولديه كراهية فطرية للمجتمع ورغبة مستمرة فى الانتقام منه بدون مبرر.. وصفاته الشخصية تقترب به من المجرم السادى أو «السيكوباتى» وكانت هذه الصفات تكفى قبولا وتوافقا من الديكتاتور الدموى الذى حافظ عليه رغم وقوع كوارث أمنية فى عهده كانت كفيلة بأن يتخلص منه إلا أن الديكتاتور كان يرى فيه لا ما لا يراه فى غيره وما يضمن له تحقيق أهدافه وأهمها سرقة وتوريث ابنه حكم العزبة الكبيرة «مصر». لقد ظهر العادلى فى المحاكمة بنفس هيبته كما كان وزيرا للداخلية حيث جلس على مقعد متفرد وخلفه مساعدوه تماما كما كان يجلس فى الاحتفالات الرسمية.. والحقيقة أن هذا الرجل حافظ على كبريائه حتى وهو يواجه أخطر الاتهامات ويقضى عقوبة فى أول قضية مدتها 12 سنة بعكس رئيسه الذى بدا هشا ومهزوزا فاقدا لأى كاريزما أو اعتداد بالنفس ودخل المحاكمة متمارضا مدعيا الضعف وممثلا للمسكنة والضعف ونظرات الذل فى عينيه وهو ما جعل المثقفين المحترمين يتعجبون ويتساءلون كيف استطاع رجل بكل هذا الضعف والهشاشة حكم مصر طوال السنوات الثلاثين الماضية؟ كيف لرجل ليست لديه أدنى درجة كبرياء واعتزازات بالنفس أن يحكم شعبا من 80 مليونا أقل شخص فيهم لديه عزة وكبرياء أعظم من رئيسه الذى كان رجلا عسكريا يوما ما. لقد أدرك العادلى وهو فى القفص أن التهم المسندة إليه ثابتة لا ريب فيها فقرر أن يحافظ على كبريائه رغم أنه بدا مصدوما ومذهولا ثابت النظرات وكان ينظر للقاعة بوجه صارم مخيف وكأنه يتحدى الجميع ويعلن عدم خوفه من كل هذه المحاكمات وحتى الأحكام وهكذا يكون الرجل العسكرى حتى لو كان مجرما قتل ورود مصر فى التحرير بدم بارد. أما ذلك الذى رفع إصبعه وهو يتمارض ليقول لرئيس المحكمة أفندم فقد أعطى الشعب المصرى أعظم درس فى الحياة وهو أن أعظم الطغاة قد يكون فى داخله وتكوينه أوهى من خيط العنكبوت لم يجد ريحا تقتلعه ولكن شباب 25 يناير كانوا الريح التى اقتلعت الديكتاتور العنكبوت. تحية لشهداء يناير وشهداء حرية مصر.