تخرجت يوم الأربعاء الماضى الدفعة 105 من ضباط الكلية الحربية، أقدم الكليات العسكرية فى العالم.. إذ بلغ عمرها ال 200 هذا العام. إلا أن رقم الدفعة حديثة التخرج يأتى فى قائمة الخريجين من عام 1931 وذلك عندما صارت كلية حربية بعد أن كانت منذ عام 1811 ولمدة 120 عاما تحمل اسم «المدرسة الحربية» وكان «عزيز المصرى» آخر من تخرج فى هذه المدرسة قبل أن تصير كلية، لكنه ظل الأب الروحى لكل الخريجين من الكلية، خاصة ضباط ثورة 23 يوليو. يعتبر المدير الحالى للكلية اللواء «عصمت مراد» رقم 15 لمديرى الكلية فيما بعد ثورة يوليو وأيضا ترتيبه ال 44 للمدراء الذين أداروا هذه الكلية منذ نشأتها. ويرجع تاريخ المدرسة الحربية لعام 1811 عندما أسسها «محمد على» رائد نهضة مصر الحديثة، وجعل مقرها بالقلعة، ثم انتقلت المدرسة فى عام 1821 إلى أسوان.. وفى هذا يذكر أحد ضباط المدرسة الحربية البكباشى «على حلمى أفندى» فى مذكراته التى كتبها عام 1938 بعد إحالته إلى المعاش وكان قد استمر لمدة 28 عاما يعمل فى وحدات الجيش والتدريس والإدارة بالمدرسة الحربية، ويقول: «كان المقصود أن يكون هؤلاء نواة ضباط الجيش النظامى فى مصر، ولذا جعلت أسوان المركز العام للتعليم الجديد، وكان اختيارها لهذا الغرض لخلوها من الملاهى التى تشغل الشباب وبعدها عن الأنظار المتجهة إلى عمل الوالى فيتفرغ هؤلاء الذين وضعوا المستقبل بين أيديهم للمهمة التى وجهوا إليها بعيدا عن مواطن الدس والمؤامرات التى كان يخشى منها من جانب فئة المحافظين من مشايخ أو مماليك، ولذلك شيدت هناك أربع ثكنات كبيرة لتكون مأوى لهؤلاء الطلبة ومدرسة يتلقون فيها مبادئ العلوم العسكرية الجديدة فى آن واحد». وقد كان جميع أفراد الجيش الجديد من الفلاحين المصريين الذين ما لبثوا أن مالوا إلى المعيشة العسكرية وألفوا حياة الجيش. وفى عام 1879 تم نقل المدرسة الحربية إلى العباسية، ويذكر «كلوت بك الفرنسى» فى مذكراته عن الجيش المصرى الآتى: «ربما يعد المصريون أصلح الأمم لأن يكونوا من خيرة الجنود لأنهم يمتازون بقوة الأجسام وتناسب الأعضاء والقناعة واحتمال المشاق، ومن أخص مزاياهم العسكرية وصفاتهم الحربية الامتثال للأوامر والشجاعة والثبات عند الخطر والتذرع بالصبر فى مقابلة الخطوب والمحن والإقدام على المخاطر والاتجاه إلى ساحة الوغى وخوض معامع القتال بلا وجل ولا تردد». فى عام 1908 تم تأسيس مدرسة أخرى للحربية بالسودان بعد أن أثبتت التجربة أن طبيعة السودانيين البدنية لا تتلاءم والتدريب فى المناخ المصرى، حيث كان محمد على قد جلب منهم فى عام 1823 ثلاثين ألفا إلى منفلوط، لكن هذه التجربة لم تتوج بالنجاح، حيث فشا المرضى والموت فى السودانيين فهلك الآلاف منهم لعدم ملاءمة مناخ البلاد لهم من جهة ولضعفهم على تحمل مشاق الخدمة العسكرية من جهة أخرى، غير أن هذا الإخفاق لم يكن ليثنى أبناء «محمد على» من عزيمتهم لتدريب باقى القطر المصرى ممثلا فى السودان على الحياة العسكرية للدفاع عن كل حدود القطر، ومن هنا كان إنشاء مدرسة أخرى تلائم السودانيين فى البر الجنوبى. وفى عام 1930 تم تعديل الاسم من المدرسة الحربية إلى الكلية الحربية الملكية، وصار مقرها بكوبرى القبة.. ومنذ عام 1955 تم نقل الكلية الحربية ليصير مقرها بمصر الجديدة حتى الآن. وتعتبر الكلية الحربية أقدم كلية عسكرية فى الشرق الأوسط، لذا فهى قبلة للمبعوثين والوافدين للدراسة فيها منذ نشأتها ينضم لها من سائر الأقطار. إنها مصنع الأبطال الذين خاض بهم «محمد على»» حروبه وفتوحاته بعد أن جعل الجندية حكرا على أبناء الوطن وخلصها من المرتزقة للأجناس الأخرى التى كانت تقوم بهذا العمل من قبل.. ولذلك أصبح لمصر فى عهده وبعد سنوات قلائل من تدريب المصريين على فنون القتال، جيش قوى تام العدة حتى أضحت مرهوبة الجانب من جميع الدول العظمى يحسب حسابها فى التوازن الدولى. هذا المصنع الذى خرجت منه ثورة عرابى عام 1882 وبعدها ب 130 عاما منحتنا الكلية الضباط الثوار الأحرار الذين حولوا مجرى الحياة السياسية المصرية من ملكية إلى جمهورية عام 1952 وبعدها ب 21 عاما قادوا حرب أكتوبر 73 تلك الملحمة الاستنزافية فى نهاية القرن العشرين، وظل الجيش المصرى بضباطه خريجى الكليات العسكرية التى تفرعت من الكلية الحربية الأم مظلة وحماية للشعب المصرى يؤازره أينما أراد، فكان الحفاظ على مكاسب الشعب ومتطلباته والانحياز الكامل له من قبل جيشه العريق الذى عقد مجلسه الأعلى فى العاشر من فبراير 2011 مع بداية القرن الحادى والعشرين ليحمى ثوار 25 يناير ويفى بطموحات الشعب المصرى.