لم يعرف شعب مصر طريق الهجرة من البلاد إلي دول العالم المستقبلة للعمالة أو للهجرة إلا في عصور متقدمة من التاريخ المصري ! فالمصريون ليسوا كغيرهم من جنسيات عربية أخري فنسمع ونشاهد عن جاليات عربية في جميع دول العالم، وخاصة بالقارات حديثة التاريخ مثل أمريكا اللاتينية أو الولاياتالمتحدةالأمريكية أو كندا أو استراليا. جاليات عربية وخاصة من لبنان، تليها فلسطين، وسوريا، لهم الغالبية العظمي في الأعداد بين الجاليات الأجنبية المهاجرة لتلك الدول. أما المصريون فكلنا قرأنا وسمعنا وشاهدنا أن المصري حينما يسافر من القاهرة إلي أسوان فهو في عداد المهاجرين، يخرج الأهل والأقارب لتوديعه في محطة سكك حديد مصر، والبكاء يظل قائما في البيت المهاجر منه المصري، إلي مدينة أو محافظة أخري غير التي يسكنها. وعرف المصريون الهجرة لأسباب عديدة بعد قيام ثورة 1952، فمنهم من هاجر لأنه منتسب للإقطاعيين أو من سمتهم الثورة الرجعيين وأيضا بعض من المصريين اليهود فضلوا الهجرة إلي أرض الميعاد «إسرائيل» أمام ضغط ثوري وقومي في مصر، وتبني المصريين لقضيتهم الأولي وهي عودة حقوق شعب فلسطين وإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. كما عرف المصريون الهجرة إلي العالم الحر (أوروبا وأمريكا) حينما توجهت السياسات المصرية إلي الشرق، وكانت البعثات التعليمية من الجامعات المصرية كلها توجه إلي شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي حتي مرحلة جاءت عقب حرب 1973، وتوجهت البعثات جميعها إلي أوروبا الغربيةوالولاياتالمتحدةالأمريكية، أمام ضعف البنية الأساسية في مصر، حيث خرجنا من عدة حروب آخرها تلك الحرب المجيدة الوحيدة التي انتصرت فيها الإرادة المصرية وعبرنا أكبر حاجز عسكري وهو (خط بارليف) علي ضفاف قناة السويس، ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 . وانفتحنا من خلال مبادرة الرئيس الراحل السادات علي العالم الغربي، وتوجهنا إلي السلام ، فكانت بعثاتنا الخارجية للغرب منهم من عاد للوطن لكي يؤدي دوره في الجامعات المصرية ومنهم من فضل البقاء في مقر دراسته وبعد تخرجه وتفوقه لكي يظهر في العالم الحر أمثال الدكتور (أحمد زويل) والدكتور (مجدي يعقوب) والدكتور (مصطفي السيد) وعشرات وآلاف من المصريين المهاجرين الناجحين في مناخ سمح لعبقرياتهم بالنمو والازدهار والتفوق عالميا، ورغم أن الجنسيات المكتسبة لهؤلاء المصريين، إلا أن مصريتهم وجنسيتهم الأصيلة هي المحور الرئيسي في حياتهم. فجميعهم دون شك عيونهم علي بلادهم وقلوبهم في مصر. واتضح ذلك في عدة مواقف وشخصيات فحينما حصل الدكتور أحمد زويل علي جائزة نوبل كان فرحه الأعظم حينما تقلد قلادة النيل من الرئيس السابق في مصر. وهذا ما نرجو أن نتحدث عنه اليوم، بعد ثورة 25 يناير وهي الهجرة العكسية للبلاد، ففي ظل النظام السابق وأمام انغلاق كل أبواب الرزق والنعمة أمام الغالبية العظمي من المصريين، وخلال ثلاثين عاما وأكثر ازدادت الهجرة إلي الدول العربية من أجل العمل في أي شيء، ولعل أحداثا سياسية ليس للمصريين دور رئيسي فيها بين رئيس مصر السابق ورئيس لإحدي الدول العربية (كليبيا مثلا)، نجد الآلاف من المصريين مطرودين علي الحدود المصرية. وكانت تتم المواءمات السياسية حتي لا نصدم بطرد المصريين من الدول العربية تجعلنا نقبل ما لا يقبله أحد، والعكس بالعكس. ظللنا وشاهدنا العشرات والمئات من الشباب المصري يغرق في عرض البحر المتوسط في الهجرة غير الشرعية، بغية الوصول لشاطئ أوروبي يسمح لهؤلاء الشباب بالعمل في غسل الأطباق وتنظيف الشوارع، وغالبيتهم من خريجي الجامعات والمدارس المتوسطة، ولا يمكن بعد ثورة 25 يناير، أن نسمح لمثل هذه الظاهرة البعيدة تماما عن أخلاق وفكر وتركيبة الإنسان المصري، لا نسمح بالهجرة بمثل هذه الطرق المهدرة للكرامة وللأرواح أيضا أن تتم أو تحدث. نحن نطالب بهجرة عكسية إلي مصر من علمائنا وأبنائنا، ويجب أن نشحذ لهم الهمم لبناء هذا الوطن. كما يجب أن نراجع أنفسنا فيما اتخذ من إجراءات مثل التعديلات الدستورية (الثمانية بنود)، بأن المصري الذي حمل جنسية أو جواز سفر غير مصري لا يسمح له بالترشح لرئاسة الجمهورية، هذا من وجهة نظري عبث ورثناه من ترزية القوانين في العهد السابق للثورة، يجب أن نتلافاه لمصلحة مصر العليا اليوم !!؟