شعور محبط أن تخطط، وتنفذ، وتحقق ما حلمت به .. وفي لحظة قطف الثمار تسبق يديك قوي قاومتك أحيانا ورفضتك حينا واختبأت وراءك في عز المظاهرات .. إحساس بالغصة أصاب ثوار التحرير .. شعور بأن ثورتهم سُرقت منهم .. اختطفت بفعل فاعل .. الآن يتصدر المشهد قوي وجماعات وأشخاص لحقوا بذيلها بعد أن تيقنوا أن زمام النظام فلت واقترب من السقوط أحسنوا استغلال الموقف لتنظيمهم المسبق ولغياب قبضة أمنية ظلت تطاردهم لسنوات .. بدأوا في طور نمو الكيانات وتحقيق الأهداف علي حساب دم بذله شهداء! المبدأ الذي خرجت في سبيله الثورة أن نتنفس حرية في المعتقد الديني والتوجه السياسي وحتي أسلوب الحياة .. ونادت بمدنية الدولة بوجهيها في وضع حد لعسكرة الدولة من ناحية وتطبيق القواعد المنظمة للشكل الحديث لها بتطبيق الديموقراطية من عدالة ومساواة وحرية علي أن تذوب النعرات الطائفية والإثنية والعرقية في وعاء المواطنة الكبير الذي يتسع كل المصريين علي السواء. كان لزاما لتحقيق ذلك، وفي ضوء المستجدات السياسية أن يكون مطلب الثوار الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، وهو ما نفذته السلطات بقرارها الإفراج عن عدد كبير من قيادات وأعضاء تنظيمات مختلفة شملت جماعات الإخوان المسلمين والجهاد والجماعة الإسلامية .. تزامن ذلك مع إلغاء جهاز أمن الدولة مما سمح بنشاط أوسع وأكبر علنية من الجماعات السلفية بدرجاتها المتطرفة وكذلك التبليغ والدعوة. الخطأ في الأصل كان من الدولة التي أغلقت المساحات في وجه كل هذه التيارات والحركات واللجوء إلي الحل الأمني فقط سواء بالعنف أو الحوار في مراحل لاحقة لعقود طويلة ظلت تحركاتهم سرية وتحت العين المراقبة .. مع اختلاف الأجواء خرجت دون قيد أو خوف كل هذه الجماعات لتعلن عن نفسها في الشارع دون غطاء فكري متسق مع سياق الثورة وطبيعة المجتمع الغالبة والمنحازة للوسطية والمدنية. فيما تقدم الخطر العظيم علي مكتسبات الدولة، ويؤرق مستقبلها ويحقق ما حذر منه النظام السابق بأن البديل الوحيد له الإخوان والجماعات الإسلامية .. وأتصور أن تصرفات تلك الجماعات هو ما يصطلح عليه «الثورة المضادة» وليس فلول الحزب الوطني لأنه حزب بلا عقيدة أو أيديولوجية سياسية تتيح لها الاستمرار في أجساد حزبية أخري وإن اختلفت السياسات. حالة من النهم والشهوة للظهور والإعلان عن أنفسهم وأفكارهم وتطلعاتهم لإقامة الدولة الإسلامية أصابت التيارات المتأسلمة بعد سنوات عجاف فشلوا فيها للوصول إلي السلطة، فلم يسعفهم العنف أو الدعوة تحت حصار أمن الدولة. --- كان أن أعلن الإخوان في وقت سابق علي يوم 25 يناير عدم مشاركتهم في التظاهرة ومع تصاعد الأحداث بدأ تحول ملحوظ يطرأ علي ميدان التحرير الذي امتلأ بشباب مصري منزوع الهوي السياسي والديني ولا يحركه إلا رغبة جارفة للتغيير ومحاربة الفساد .. أفواج بدأت تحتل مواقعها وتعلن عن هويتها رفضت أن تذوب في الجموع! بمجرد نجاح الثورة وفي الجمعات المليونية تبرع المهندس «ممدوح حمزة» بإقامة مسرح يقود التظاهرة من قلب الميدان، وللغرابة سيطر عليه شباب الإخوان ومنعوا الناشط «وائل غنيم» من اعتلائه ولم يسمح لأحد أن يصعد إلا بمن يشير به د. «محمد البلتاجي» النائب السابق والإخواني البارز في وسط حماية من شباب الجماعة. نفس الرجل هو من عاير شباب التحرير الرافضين لموقف جماعة الإخوان القائل بتأييد التعديلات الدستورية، واعتبروه انتهازية سياسية من الجماعة في هذا التوقيت، وعندها رد «البلتاجي» بأن شباب الإخوان هم الذين ملأوا الميدان ومن صد عنهم موقعة الجمل لاحترافهم القتال! هو أيضا ذات الرجل الذي كان يقف خلف د. «عصام شرف» - رئيس مجلس الوزراء - يوم نزوله للميدان ليلقي القسم أمام الثوار الذين فرضوه وطلبوه بالاسم، ولم يسمح لأحد أن يحتل ذات المكانة.. الأمر بدا أنه كان مقصودا. --- من صلب الجماعة خرج الشيخ «القرضاوي» .. المسن الثمانيني انتظر حتي أينعت الثورة وعندها قرر العودة من منفاه الاختياري في قطر ليؤم الشباب في إحدي الجمعات ويخطب فيهم، البعض كان أن شبه رجوعه كان أقرب بعودة الخوميني إلي إيران مع الفارق .. فالأخير وعبر خطبه المحرضة علي الثورة من منفاه كانت أحد أهم عوامل قيام الثورة في إيران وإقامة الجمهورية الإسلامية .. أما القرضاوي فكان يتحسس خطاه .. سبقه ابنه «عبد الرحمن» في الموقف والخطوات .. الأب مارس نضالا منقوصا، وفي غير محله وحسب مصالح النظام في قطر الذي تشارك قواته في التحالف الدولي ضد نظام القذافي الذي أفتي بإهدار دمه ولم يكررها لا في اليمن أو البحرين أو سوريا .. الفتوي لديه حسب الطلب القطري. القرضاوي لا يزال علي عقيدة الإخوان .. صلته التنظيمية ربما انقطعت لكنه أحد أبناء الجماعة ومنظريها .. بعودته خطف الأضواء: وبخطبته شوش علي مطالب الثوار وصبغ الثورة علي غير حق بصبغة دينية إسلامية! -- مشهد غير مبرر لاحتفاء إعلامي وجماهيري بخروج «عبود الزمر» وابن عمه «طارق الزمر» المتهمين في اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات .. خطابه الإعلامي عكر أجواء التسامح التي شهدها الميدان هرولت خلفه الفضائيات دون وعي .. انتظروا أن يجدوا لديه الجديد من خزينة أسراره أو أن يعلن ندمه علي فعلته .. وجدوه علي نفس حالته إن لم يكن أكثر تعصبا وتطرفا .. وانشغل الجميع عن مسار الثورة وأهدافها في التساؤل حول من وافقوا علي خروج «الزمر» الذي لم تغيره السجون والمعتقلات وتسبب في انقسام حاد في الجماعة الإسلامية بعد إصراره علي أفكاره المتطرفة ورفضه ما كان استقر في مجلس شورتها عبر مبادرات «كرم زهدي» و«دربالة» بنبذ العنف! --- علي خط المواجهة شرعت الجماعات السلفية في التنفيذ.. لم تهادن أو تعطي نفسها فرصة لقياس التغيرات في المجتمع أو تقيس مدي القبول ليس لأفكارها فقط ولكن بالسلوك العنيف الذي انتهجته في الشارع بالنهي عن المنكر ذ من وجهة نظرها ذ بتصرفات همجية حمقاء تجاه المواطنين العاديين. ليس هذا فحسب، بل جنح الأمر إلي ما هو أبعد من تحالفات بين الجماعة الإسلامية والجهاد والسلفيين ضد الإخوان كما دعا «الزمر» في مواجهات فعلية علي أرض الواقع لوجود خلافات فكرية عنيفة .. كذلك تلك المتوقع نشوبها بين السلفيين والصوفية علي خلفية هدم الأضرحة. نقطة نظام جاء بها الإعلان الدستوري يحمي بها جور المنهج الديني علي خصائص الدولة المدنية .. لكن الأزمة ليست في معترك سياسي أو حزبي فقط، تجاوزت ذلك إلي تهديد أمن المواطن في الشارع وحتي بيته، وحريته في اختيار أسلوب حياته . استمرار هذا الأمر دون ردع قانوني وليس أمنيا - الفارق كبير- سوف يؤدي بنا إلي نداءات أبعد إلي استحضار أمن الدولة في صورته السابقة بشكل أسرع مما نتوقع، ولعل ما جري في الصلح العرفي للقبطي المقطوعة أذنه في قنا سيؤدي بنا إلي نفس السبيل، وكان الأحري والأجدي أن تطال يد القانون كل المتورطين في هذه الواقعة. للثوار حق القلق، وعليهم حق العمل، بعد أن انشغلوا في الحوار مع المجلس العسكري فقط أو الظهور الإعلامي دون دور يذكر في الشارع مع الجماهير الغفيرة التي دق الإخوان عليهم منازلهم وقت الاستفتاء لتبني موقفهم، وإحاطتهم الخشية من انفلات السلفيين!