بعد مرور عام على تولى الإدارة الجديدة فى سوريا، تواصل إسرائيل سيطرتها على بلدات فى الجنوب السورى، كما تتوغل فى مناطق أخرى مثل جبل الشيخ التى عملت إسرائيل على تحويلها إلى مركز تجسس إسرائيلى ليس على سوريا فقط، بل على معظم الدول المجاورة لها، وذلك رغم المحادثات التى ترعاها الولاياتالمتحدة لتعزيز علاقات تل أبيب ودمشق، فيما ألمح ضابط بالجيش الإسرائيلى إلى أن بلاده لن تغادر سوريا فى أى وقت قريب. ولم تعد الحروب الحديثة تخاض بالأسلحة الثقيلة وحدها، بل باتت الاستخبارات والتجسس أحد أعمدة التفوق الاستراتيجى الذى يحدد مسار المعارك قبل اندلاعها. استعادة أجهزة تنصت والعملية الأخيرة التى نفذتها وحدات كوماندوز إسرائيلية قرب دمشق، والتى استمرت ساعتين كاملتين بإسناد جوى، كشفت مجددًا مركزية هذا السلاح فى العقيدة العسكرية الإسرائيلية. وبينما ذكرت التقارير أن الهدف من العملية كان استرجاع أجهزة تنصت متطورة لا تملكها سوى واشنطن وتل أبيب، فإن التحليل الأعمق يطرح فرضيات أخرى أكثر خطورة تتعلق بالتحكم بمسار الصواريخ الإيرانية والحوثية، وتأمين المجال الجوى من تهديدات استراتيجية. ومع الثورة التقنية والاتصالات، أصبح التجسس أسهل من أى وقت مضى، لكنه لم يعد مقتصرًا على جمع البيانات عبر الوسائل الإلكترونية فقط، بل أصبح يقوم على مزاوجة بين القدرات السيبرانية والعمل البشرى من خلال العملاء المنتشرين على الأرض. وكانت إسرائيل قد شنت غارات جوية جديدة على سوريا مستهدفة مدينة الكسوة فى ريف دمشق الجنوبى. وتشير التقارير إلى أن الغارات استهدفت قوات سورية اكتشفت أجهزة مراقبة وتنصت قرب مسارات الدوريات. وتزعم مصادر أن الهجوم الجوى كان يهدف إلى منع الجنود السوريين من تفكيك أو استعادة معدات المراقبة الإسرائيلية. وكانت صحيفة تايمز أوف إنديا، قد نشرت أن الجيش السورى أعلن ضبط أجهزة تجسس إسرائيلية فى دمشق، وجيش الاحتلال الإسرائيلى يرد بضربات تقتل 8 جنود. الوحدة 8200 وتعد الوحدة 8200 من أبرز الوحدات فى العالم فى مجال التجسس السيبرانى وتحليل البيانات، بينما يحتفظ جهاز الموساد بقدرات عالية على التغلغل البشرى وجمع المعلومات من مصادر داخلية فى أماكن حساسة، وهذا التوازن بين التقدم التقنى والاعتماد على الخبرة التقليدية يتيح لإسرائيل بناء صورة استخباراتية أكثر تكاملًا. فى ذات السياق رافقت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية مجموعة من جنديات الاستخبارات الميدانية اللواتى يتجسسن على عناصر وصفتها الصحيفة بالمعادية فى سوريا. وقامت الصحيفة بزيارة إلى عدة مواقع حساسة، بما فيها الموقع 720 على الحدود الثلاثية بين إسرائيل وسوريا والأردن، وأجرت مقابلات مع قائد الكتيبة 595 فى الجيش الإسرائيلى (المقدم ج) وضابط العمليات (الرائد م) وجنود جمع المعلومات الاستخبارية س، د، وف- وجميعهم من الإناث، باستثناء (ج)- لتقديم صورة مفصلة عن كيفية التسلل عبر الأراضى السورية. الجنديات الثلاثة تخصصن فى جمع المعلومات الاستخباراتية الميدانية- (س، د، وف)- من خلال الطائرات بدون طيار، وفى حين يبدو الأمر كأنهم يجلسون بأمان فى المقر الرئيسى، إلا أنهم فى عمق الميدان، ويستخدمون طائرة بدون طيار تكتيكية من مسافة قريبة حتى يتمكنوا من مراقبة كل شىء. ساعدت الكتيبة 595 فى تحديد مكان الإيرانيين وأعضاء حماس والجهاديين، وأى شخص آخر يمكن أن يهدد إسرائيل فى منطقتها الأمنية السورية، بحسب الصحيفة، أو بالقرب منها والقبض عليهم. وتعد (س، د وف) جزءًا من جيل جديد من المقاتلات فى الجيش الإسرائيلى، وتزعم الصحيفة أنهن لا يترددن فى الانقضاض على الأعداء فى الأراضى المعادية، ويبدو أنهن نوع ضابطات الاستخبارات الميدانيات الواثقات والطموحات، اللواتى يساهمن فى قيادة استراتيجية إسرائيل بعد 7 أكتوبر، والمتمثلة فى زيادة العدوانية فى الأراضى السورية. ولم يكن لدى (س) وهى جندية استخباراتية فى سوريا أى فكرة أنها ستصبح جندية قتالية، وضابطة استخبارات ميدانية، وعندما أجرت المجلة معها مقابلة كانت قد قضت عامين ونصف العام فى الخدمة، وقبل غزو جيش الاحتلال الإسرائيلى لسوريا فى ديسمبر 2024، وبعد سقوط نظام بشار الأسد وإنشاء منطقة عازلة، أمضت وقتًا كبيرًا فى أراض معادية، لكنها لم تذهب بالضرورة إلى العمق، حيث لم تكن هناك قواعد لجيش الدفاع الإسرائيلى فى سوريا. وفى إحدى العمليات، قالت (س) إنهن تجاوزن المنطقة العازلة بكيلومترات عديدة، وتضمنت العملية تقديمهم توجيهًا ميدانيًا لوحدة المظليين 890، وكانت هناك عملية شملت دراسة أربعة أفراد يعملون لصالح إيران، أو مع جهاتٍ تابعةٍ لها، أو عملاءٍ لها. وقالت (س) إنه كان لا بد من تحليل كل منهم على حدة، من حيث تحركاتهم وتوقيتهم وعاداتهم. بينما قالت (د) وهى جندية استخبارات ميدانى لجيروزاليم بوست، إنهن يعملن فى الغالب فى الليل لتجنب اكتشافهن وزيادة مخاطر الصراع مع العناصر المعادية، وإنهن يدرسن من يدخل ويخرج من كل مبنى تم تعيينهن فيه لجمع المعلومات الاستخباراتية. وفى إحدى العمليات، ذكرت (د) أنهن أمضين أربع ساعات فى إعداد فخ لاصطياد شخص معادٍ من وجهة نظرهم، وأوضحوا لمجموعة كبيرة من الجنود كيف أنه من المرجح أن يحاول الفرد الهروب من الأسر، وكيفية إحباط هروبه. فشل السيطرة على اختراقات حدودية وفى يوليو الماضى اعترف جيش الاحتلال بفشله فى منع أعداد كبيرة من الدروز الإسرائيليين من دخول الأراضى السورية، ومع ذلك قال (ج) وضباط كبار آخرون فى الجيش الإسرائيلى، إن الشرطة يجب أن تأخذ زمام المبادرة فى التعامل مع مثل هذه المواقف الصراعية المعقدة مع المواطنين الإسرائيليين، حيث لا يتم تدريب الجيش الإسرائيلى بشكل عام على السيطرة على الحشود من المواطنين الإسرائيليين باستخدام وسائل غير مميتة. ويقول (ج) إنه يأمل أن تؤدى التحذيرات السريعة من التحركات الأولية التى قد يقوم بها الدروز الإسرائيليون إلى دفع الشرطة والجيش الإسرائيلى إلى مواقع تغلق الحدود، وتمنع الدروز من الاقتراب منها. وأضافت (م) أن المعلومات الاستخبارية ضرورية فى قضية الدروز والسويداء، حتى يتمكن جيش الاحتلال من التقدم ولا يفاجأ كما فعل فى وقت سابق من هذا العام. وعندما سئل (ج) عن كيفية ومتى يأمر باعتقال أو الهجوم على عناصر إيرانية أو جهادية أخرى بالقرب من حدود إسرائيل أو منطقتها العازلة، قال إن هناك عوامل عديدة، ومن المهم للغاية معرفة أى ساعات من اليوم يكون فيها هدف معين وحيدًا، وأى ساعات يكون محاطًا بآخرين قد يشكلون مقاومة أكثر صعوبة لعملية الجيش الإسرائيلى.