منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 ظلّت هذه المعاهدة نقطة فاصلة فى مسار الصراع «العربى- الإسرائيلى»؛ إذ أنهت حالة الحرب المباشرة بين أكبر دولة عربية من حيث الثقل العسكرى والبشرى وبين إسرائيل، ورسّخت ترتيبات أمنية صارمة فى سيناء مكّنت من تحييد جبهة شديدة الخطورة لعقود. استمرار الاتفاقية طوال أكثر من أربعة عقود لم يكن مجرد مكسب لمصر وإسرائيل؛ بل مَثّل ركيزة للاستقرار النسبى فى الشرق الأوسط. أثر الاتفاقية على الأمن والسلم العالمى تُعَدّ الاتفاقية ضمانة غير مباشرة للأمن العالمى، فاستقرار مصر وإسرائيل يحدّ من المَخاطر على إمدادات النفط والغاز ويُبقى شريان قناة السويس بعيدًا عن التهديدات العسكرية ويمنع تدفق موجات نزوح جديدة قد تضرب أوروبا والشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى هى حَجَر أساس فى سياستهم الشرق أوسطية بينما تراها روسياوالصين حاجزًا يمنع الغرب من التفرد برسم مستقبل الصراع. سيناريو الانهيار: عودة إلى المربع صفر انهيار اتفاقية السلام ليس احتمالًا تقنيًا فحسب؛ بل زلزال سياسى وعسكرى سيعيد تشكيل المنطقة: - مصر: ستضطر لإعادة التمركز العسكرى فى سيناء بالكامل ما يضاعف الأعباء المالية ويؤثر على خطط التنمية، كما ستواجه ضغوطًا غربية بسبب ارتباط المساعدات العسكرية الأمريكية بالاتفاقية. - إسرائيل: ستجد نفسَها أمام أخطر تحدٍّ منذ حرب أكتوبر؛ إذ يتعيّن عليها توزيع قواتها بين جبهات غزة ولبنان وسورياوسيناء والكلفة العسكرية والاقتصادية قد تهدّد جبهتها الداخلية وتُفاقم الانقسام السياسى. - دول الصراع: مثل غزة ولبنان وسوريا ستشهد تصعيدًا غير مسبوق؛ حيث ستتسابق قوى إقليمية كإيران وتركيا لملء الفراغ وفتح جبهات جديدة ضد إسرائيل. القوى العظمى: من وسيط إلى لاعب مباشر انهيار الاتفاقية سيستدعى سباقًا محمومًا بين القوى الكبرى: - الولاياتالمتحدة ستدافع عن أمن إسرائيل وتحاول الحفاظ على نفوذها العسكرى والسياسى. - روسيا ستسعى لتوسيع وجودها عبر سوريا وملفات الطاقة. - الصين ستدخل بدوافع اقتصادية بحتة لضمان استمرار تدفق النفط والغاز عبر الممرات البحرية. هذا التدخل سيحوّل الصراع من نزاع إقليمى إلى مواجهة ذات أبعاد دولية شبيهة بأجواء الحرب الباردة مع ما يحمله ذلك من تهديد للأمن والسلم العالمى. الموقف العربى والخليجى: فى قلب الدوامة لا خارجها قد يظن البعض أن دول الخليج والدول العربية الأخرى بعيدة عن تداعيات انهيار السلام لكن الواقع يشير إلى العكس: - الاقتصاد والطاقة: أى مواجهة عسكرية ستضع الممرات البحرية فى مرمى الخطر (قناة السويس باب المندب مضيق هرمز. - الشارع العربى: انهيار الاتفاقية سيُعيد الزخم الشعبى للقضية الفلسطينية. - التهديدات الأمنية: إيران وتركيا قد تستغلان الفوضى لتعزيز نفوذهما سواء عبر دعم جماعات مسلحة أو ضرب المنشآت الحيوية فى الخليج كما حدث سابقًا مع «أرامكو». - المشاريع التنموية: خطط التحول الاقتصادى (رؤية 2030 فى السعودية ومشاريع الإماراتوقطر والكويت) ستتضرر بشدة فى بيئة مضطربة تهرب منها الاستثمارات الأجنبية. - خطر وجودى: إذا تحوّل الصراع إلى حرب كبرى بين القوى العظمى قد تصبح أراضى دول الخليج مسرحًا للمواجهة وعلى رأسها دولة قطر ما يهدّد وجودها ذاته لا مجرد مَصالحها. انعكاس على المجتمع الدولى التداعيات ستتجاوز الشرق الأوسط لتطال النظام الدولى برمته: - ارتفاع أسعار الطاقة وتهديد الأمن الغذائى. - موجات لجوء جديدة باتجاه أوروبا وأفريقيا. - تصاعُد الإرهاب العابر للحدود فى ظل فراغ أمنى. - اهتزاز الثقة بالقانون الدولى كنظام قادر على حفظ السلام. السيناريوهات المستقبلية 1 - السيناريو الأفضل (استمرار الاتفاقية مع تطويرها) يبقى الوضع القائم قائمًا مع إدخال تعديلات محدودة تتماشى مع المستجدات الأمنية فى سيناءوغزة. فى هذا السيناريو: - مصر تحافظ على تركيزها التنموى. - إسرائيل تضمن جبهة جنوبية هادئة. - الدول الخليجية تبقى بعيدة نسبيًا عن ضغوط الحرب وتواصل مشروعاتها الاقتصادية. - المجتمع الدولى يواصل استخدام الاتفاقية كنموذج لاستقرار طويل الأمد. 2 - السيناريو الأسوأ (انهيار كامل للاتفاقية) يحدث انهيار مفاجئ نتيجة تصعيد عسكرى أو سياسى، ما يؤدى إلى: - إعادة عسكرة سيناء بالكامل وعودة مصر وإسرائيل إلى حالة الاستنفار العسكرى. - اندلاع مواجهات بالوكالة فى غزة ولبنان وسوريا. - انجرار دول الخليج إلى معادلات الحرب عبر استهداف الممرات البحرية ومنشآت النفط. - تدَخُّل مباشر للقوى الكبرى، ما يحوّل الصراع إلى حرب «إقليمية- دولية» تهدد الأمن العالمى. 3 - السيناريو الأكثر ترجيحًا (اهتزاز لا انهيار) تتعرض الاتفاقية لهزات متكررة بسبب التطورات فى غزة أو الضغوط الشعبية لكن دون انهيار كامل فى هذا السيناريو: 1 - يظل السلام باردًا بين مصر وإسرائيل مع استمرار التنسيق الأمنى المحدود. 2 - تصعد التوترات فى المنطقة، لكن يتم احتواؤها بدخول القوى الكبرى على خط الوساطة. 3 - الدول الخليجية تواجه ضغوطًا اقتصادية وأمنية غير مباشرة، لكنها لا تصل إلى مستوى التهديد الوجودى. 4 - المجتمع الدولى يتعامل مع الاتفاقية باعتبارها «هشة» لكنها لا تزال قائمة وهو ما يفرض يقظة دبلوماسية دائمة. وختامًا؛ تشبه اتفاقية السلام «المصرية- الإسرائيلية» خط التوازن الدقيق فى لوحة شديدة التعقيد استمرارها يعنى الحفاظ على خيوط هذا التوازن أمّا انهيارها فيفتح الباب لدوامة من الفوضى قد لا ينجو منها أحد من القاهرة وتل أبيب إلى الرياض وأبوظبى وصولًا إلى واشنطن وموسكو وبكين.. وفى النهاية يظل السؤال الأكبر: هل يستطيع العالم أن يتحمل كلفة انهيار ركيزة السلام الأقدم فى الشرق الأوسط؟