فى منتصف شهر ديسمبر 2011، وبصفتى محررًا عسكريًا، كان لى شرف الإبحار مع الأسطول المصرى من الإسكندرية حتى الشواطئ التركية لتغطية مناورة «بحر الصداقة 3» بين البحرية المصرية ونظيرتها التركية داخل ميناء اكساز الحربى والمياه الإقليمية التركية بالبحر المتوسط. شارك فى التدريب وقتها عشرات القطع البحرية من الجانبين المصرى والتركى من طرز مختلفة، بالإضافة إلى عناصر الصاعقة البحرية وطائرات إف 16 وطائرات «الهل» جى 2 - إس إتش «، التى نفذت أكثر من 23 نشاطًا وبيانًا ومهمة قتالية تمثل مختلف مهام القوات البحرية سلمًا وحربًا، وتنفيذ معركة تصادمية بين القوات، بالإضافة إلى التدريب على تنظيم جميع أنواع الدفاعات بالبحر والتصدى للتشكيلات المعادية والرماية بالذخيرة الحية تحت نشاط العدو الجوى والكيماوى والإلكترونى. كانت مرافقتى للبحرية المصرية (فرصة لا تتكرر كثيرًا) حيث عايشت كل التفاصيل التى أثبتت أن المقاتل المصرى -ليس تحيزًا- قادر على إبهار الجميع بصلابته وحسن تخطيطاته، وشاهدت بنفسى حجم التقدير من الجانب التركى بشجاعة وحوش البحر المصريين، وكيف كانت الغلبة والتفوق المصرى فى كل مناورة مشتركة خلال التدريب، وكانت الإشادة من أصغر رتبة وحتى قائد البحرية التركى نفسه. جاءت بعد ذلك « بحر الصداقة 4» وبدأت صباح يوم الأربعاء 10 أكتوبر 2012، واستمرت حتى 14 أكتوبر 2012 بالمياه الإقليمية المصرية فى البحر المتوسط. شارك الأسطول المصرى بأكثر من 12 قطعة بحرية فى هذه المناورة كما شاركت القوات الجوية المصرية فى المناورة أيضًا من خلال طائرات «إف 16». بينما شارك الأسطول التركى فى المناورات بفرقاطتين وقطعتين بحريتين للهجوم السريع، وسفينتى إنزال وناقلة إمداد وكتيبة مشاة بحرية وطائرتى هليكوبتر وفريق عمليات خاصة. توقف المناورات « بحر الصداقة» منذ ذلك التاريخ (وكانت أولى المناورات عام 2009).. وبعد مرور 13 عامًا من التوقف عادت مرة أخرى هذا العام حيث أعلنت القوات المسلحة المصرية الثلاثاء 23 سبتمبر الجارى، مشاركة عناصر من القوات البحرية المصرية فى التدريب البحرى المشترك المصرى التركى» بحر الصداقة 2025 « والذى ينفذ على مدار عدة أيام خلال شهر سبتمبر الجارى ، بمشاركة وحدات من القوات البحرية المصرية والتركية. وقالت: إن التدريب يشمل تنفيذ العديد من المحاضرات والأنشطة البحرية لصقل مهارات العناصر المشاركة ورفع كفاءتها، وتوحيد المفاهيم العملياتية مما يزيد من قدراتها القتالية على تنفيذ المهام بكفاءة واقتدار. وأوضحت القوات المسلحة المصرية أن تدريب « بحر الصداقة - 2025» يأتى فى إطار خطة التدريبات المشتركة التى تجريها القوات المسلحة بالتعاون مع نظيراتها من الدول الشقيقة والصديقة فى مختلف التخصصات، والتى تساهم فى تعزيز أوجه التعاون العسكرى ونقل وتبادل الخبرات وفقًا لأحدث التكتيكات وأساليب القتال الحديثة. بينما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية زكى أق تورك: إن «مناورات بحر الصداقة» تأتى بهدف تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز العمل المشترك بين تركيا ومصر». وأضاف: إن المناورات شملت تدريبات بمشاركة الفرقاطتين التركيتين «تى جى جى الريس عروج»، و«تى جى جى جيديز»، والزورقين الهجوميين «تى جى غى إيمبات»، و«تى جى غى بورا»، إضافة إلى الغواصة «تى جى جى جور»، وطائرتين من طراز «F-16»، إلى جانب وحدات من القوات البحرية المصرية، مشيرًا إلى أن السفينتين «تحيا مصر»، و«فؤاد ذكرى»، التابعتين للقوات البحرية المصرية، زارتا ميناء «أق ساز». فى هذا الإطار أوضح اللواء هشام الحلبى، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن هذا التدريب هو تدريب قديم وكان يجرى دائمًا فى المكان نفسه فى شرق المتوسط بين مصر وتركيا، وتوقف منذ 2013، ثم أعيد تفعيله مرة أخرى، أى أن الأمر هو استعادة لتدريب قديم ويؤشر لتنامى العلاقات المصرية التركية فى كل أبعادها بما فيها البعد العسكرى، وهو أمر منطقى يقوم على المصالح». ويضيف الخبير الاستراتيجى المصرى: إن هذه التدريبات يُخطط لها منذ فترة ولا تجرى فجأة، ومثل هذا التدريب يستغرق وقتًا طويلًا للتخطيط له ولدراسة حجم القوات المشتركة وأنواعها، وفى رأيى فإن التوقيت ليس له دلالة لكن المعنى له دلالة، فهناك علاقات مصرية تركية متنامية ذات مصالح مشتركة، وهى تعزيز التعاون العسكرى ما يعزز قدرة القوات على أن يكون لها تواجد بصورة محترفة فى منطقة مهمة كشرق المتوسط». وأوضح اللواء أركان حرب محمد فرغلى، المحاضر بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية: إن هذه المناورات تأتى فى توقيت مهم للغاية، وفى ظل ما تموج به المنطقة من أحداث وصراعات، حيث تحمل رسائل طمأنة للشعب المصرى بأن لديه قوات بحرية لديها الجاهزية الكاملة وقادرة على حماية مقدراته الاقتصادية فى مياه البحر المتوسط». وأشار إلى أن القوات البحرية المصرية تصنف ضمن أرقى القوات البحرية تدريبًا وتكاملًا فى الشرق الأوسط، مؤكدًا أن التعاون العسكرى المصرى - التركى يأتى فى سياق جهود دبلوماسية مكثفة بين البلدين، تُرجمت مؤخرًا بزيارات متبادلة على مستوى وزراء الدفاع والخارجية، واتفاقيات فى مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما أوضح العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية فى مصر، أن المناورات المشتركة بين مصر وتركيا ليست مرتبطة بقضية ما أو تطور فى المنطقة، وأن «بحر الصداقة» مناورات مخطط لها مسبقًا، وليست طارئة. وأضاف: إن الجيش التركى من أقوى الجيوش فى العالم، وثانى القوى العسكرية الرئيسة فى حلف شمال الأطلسى (ناتو) بعد الولاياتالمتحدة، والجيش المصرى فى المقابل يمتلك قدرات وإمكانات تجعله من أهم القوى العسكرية فى المنطقة، وأى تطور وتنسيق بين الجانبين لن يعود بالنفع فقط على العلاقات بينهما وإنما على المنطقة كلها.