فى محيط إقليم يغلب عليه التهور والإشتعال، وفى توقيت تتصاعد فيه نُذُر الحرب، تقف الدولة المصرية، كعادتها لتنادى بضرورة العودة إلى صوت العقل والحكمة؛ منعًا لاتساع رقعة الصراع فى المنطقة، وتبذل فى ذلك كل الجهد؛ لحشد إجماع إقليمى ودولى، يدعم مسار التهدئة والحلول السياسية والدبلوماسية. وتؤكد القاهرة على دورها كصمام أمان للمنطقة، وتُفعّل أدواتها الدبلوماسية لا ك«طرف سياسى» أو «طرف فى الصراع القائم»؛ بل كواجب استراتيجى لحماية ما تبقى من اتزان فى خريطة الشرق الأوسط. منذ اشتعال شرارة المواجهة المباشرة بين تل أبيب وطهران، فجر 13 يونيو، لم تهدأ الاتصالات المصرية على المستويات كافة، ذلك أن القاهرة تدرك أن الحرب لا تعرف حدودًا، وأن صاروخًا طائشًا قد يُشعل أزمة فى البحر الأحمر؛ لذلك اختارت أن تكون فى قلب الأزمة، لا على هامشها. فى الأيام الأخيرة، تحرّكت مصر باتصالات عاجلة مع الولاياتالمتحدة، فرنسا، الصين، روسيا، والعديد من العواصم العربية والإسلامية، مؤكدة على ضرورة وقف التصعيد فورًا، وضبط النفس، والعودة إلى أدوات السياسة والعقل.. وتنوعت الاتصالات المصرية لتشمل الآتى: اتصالات رئاسية: جاءت الاتصالات المصرية، على مستوى رفيع، من خلال الدبلوماسية الرئاسية، والاتصالات المتبادلة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعدد من نظرائه، بينهم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والرئيس القبرصى. اتصالات دبلوماسية: فى الوقت نفسه؛ انخرط وزير الخارجية المصرى، بدر عبدالعاطى، مع سلسلة من الاتصالات المكثفة مع نظرائه العرب والإسلاميين والأوروبيين وأفارقة، واستهدفت جميعها؛ حشد موقف عربى إسلامى ودولى موحد ضد التصعيد فى المنطقة. اتصالات على الصعيد الجماعى: إلى جانب الاتصالات المصرية، انخرطت القاهرة فى اتصالات دبلوماسية على الصعيد الجماعى، عبر مواقف مشتركة مع دول عربية وإسلامية، ولم يكن بيانها المشترك مع 21 دولة عربية وإسلامية سوى تعبير صريح عن إرادة دولية ترفض اندلاع حرب كبرى فى المنطقة. والواقع أن الدولة المصرية، رسمت مجموعة من المحدّدات المهمة، التى يمكن تحقق غاية التهدئة واستعادة الاستقرار بالإقليم، وأهم هذه المحدّدات ما يلى: التأكيد على ضرورة وقف الأعمال العدائية الإسرائيلية ضد إيران، التى تأتى فى توقيت يشهد فيه الشرق الأوسط مستويات متزايدة من التوتر، وأهمية العمل على خفض التوتر وصولاً إلى وقف لإطلاق النار وتهدئة شاملة. التأكيد على أهمية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وفق القرارات الدولية ذات الصلة ودون انتقائية، والتشديد على ضرورة سرعة انضمام كافة دول المنطقة إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ضرورة العودة لمسار المفاوضات فى أسرع وقت ممكن باعتباره السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق مستدام حول البرنامج النووى الإيرانى. التأكيد على أن السبيل الوحيد لحل الأزمات فى المنطقة يتمثل فى الدبلوماسية والحوار والالتزام بمبادئ حُسْن الجوار، والتشديد على أنه لا يمكن تسوية الأزمة الراهنة بالسبل العسكرية. إن مصر، بما تملكه من علاقات متوازنة مع كل الأطراف، تعيد التأكيد على دورها اليوم ك«حائط صد سياسى» أمام الانهيار، ليست وسيطًا تقليديًا؛ بل حارس لتوازن هش، وصوت عاقل فى زمن التهور. وفى اللحظة التى تتسابق فيها الغارات والردود الصاروخية؛ تواصل الدبلوماسية المصرية الرهان على القوة الناعمة، وعلى تاريخ القاهرة الذى أثبت أن النفوذ لا يُقاس بعدد الطائرات؛ بل بقدرة الدولة على كبح العاصفة، لا الانجراف معها.