مع استمرار الضربات الإسرائيلية - الإيرانية المتبادلة اختلط العديد من المفاهيم بشأن المنشآت النووية، مما أثار الكثير من اللغط بين الناس خوفًا من كوارث التسرب الإشعاعى، تارة ولغط بشأن مستقبل المشروع النووى العسكرى الإيرانى ومن ثم كيفية انتهاء الحرب الحالية. الأمر باختصار يتعلق بالمشروع النووى العسكرى لإيران وليس بالمفاعلات النووية المستخدمة لتوليد الطاقة الكهربائية، وهنا فرق كبير وشاسع بينهما، لذلك فإن إسرائيل تستهدف تلك المنشآت النووية الخاصة بتخصيب اليورانيوم وليس المفاعلات. ولكن ما هو التخصيب؟ من المعروف أن اليورانيوم المشع يوجد فى الطبيعة فى أكثر من صورة مشعة يطلق عليها النظائر، أشهرها النظير 238 وهو الأكثر شيوعًا بنسبة %99 لكنه غير قابل للانشطار النووى وهو التفاعل النووى الذى ينتج عنه طاقة حرارية ضخمة تستخدم فى توليد الكهرباء أو تفجير قنبلة ذرية، وهناك أيضًا النظير 235 ويوجد بنسبة %0.7، أى اقل من واحد فى المائة وهو قابل للانشطار النووى، وكذلك النظير 233 وهو شديد الندرة وقابل أيضًا للانشطار النووى. أما التخصيب فهو فى واقع الأمر عبارة عن فصل لليورانيوم 238 عن اليورانيوم 235 من خلال أجهزة الطرد المركزى لتعظيم نسبة النظير 235 وعندما تصل إلى 6 % وما فوق من اليورانيوم المستخدم يصبح هذا المكون وقودًا نوويًا لتوليد الطاقة الكهربائية، وبعد استخدام هذا الوقود يتبقى فى المفاعل اليورانيوم 238 المعروف باسم اليورانيوم المنضب أو «النفايات النووية»، ورغم أنه مشع؛ فإن له استخدامات كثيرة فى المجالات العسكرية والمدنية نظرًا لكونه شديد الصلابة فيستخدم فى صناعة المقذوفات ودروع الدبابات. القنبلة الذرية تتطلب القنبلة الذرية يورانيوم مخصب بنسبة %90 بمعنى أن كل كيلوجرام من اليورانيوم يحتوى على 900 جرام من النظير 235 و100 جرام فقط من النظير 238. وبالفعل استطاعت إيران الوصول بنسبة التخصيب إلى %60 عبر أجهزة الطرد المركزى الموجودة فى موقعين رئيسيين هما «نظنز» و«فوردو» وبكل موقع آلاف من وحدات الطرد المركزى وإن كان الموقع الأخير به أجهزة طرد مركزى أكثر تقدمًا من الموقع الأول ومؤهلة لتخصيب اليورانيوم بنسبة %90، ولدى إيران حاليًا مخزون يبلغ 400 كيلو جرام من اليورانيوم %60. لهذا نجد أن الضربات الإسرائيلية تركز على موقع «نطنز» الموجود معظمه (16 ألف جهاز طرد مركزي) تحت الأرض على عمق ثلاثة طوابق، بينما موقع «فوردو» لا يزال عصيًا على الضربات الإسرائيلية لأنه على عمق يقال إنه يبلغ 900 متر أسفل جبل صخرى شديد الصلابة ولا توجد قنبلة تصل إلى هذه الأعماق إلا لدى الولاياتالمتحدة، ومن هنا تحاول إسرائيل بكل ما لديها من وسائل ضغط دفع الولاياتالمتحدة لتدمير موقع «فوردو». والسؤال هنا هل تدمير هذه المواقع سيقضى على المشروع النووى العسكرى الإيراني؟ الإجابة غالبًا لا، وإن كان سيعرقل المشروع لسنوات، لأن إيران لا تزال تمتلك 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 %، وتستطيع تعويض أجهزة الطرد التى سيتم تدميرها ومن ثم استئناف التخصيب. إذن القضاء على البرنامج النووى الإيرانى يتطلب سيناريوهات عدة، أما أن توافق إيران طوعًا على وقف التخصيب داخل أراضيها أو تلتزم بتخصيب منخفض لا يتجاوز %6، مع تسليم ما لديها من اليورانيوم المخصب بنسبة %60، وهذا ما ترفضه إيران فى الوقت الراهن، أو أن ينهار النظام الإيرانى الحالى ويأتى نظام آخر يوافق على الشروط الأمريكية، أو حتى ينهار النظام وتدخل إيران فى حالة من الفوضى وهو أيضًا سيناريو مستبعد أو يصعب تحقيقه على الأقل فى المدى المنظور. لذا فإن الحرب الحالية لن تقضى على المشروع النووى الإيرانى والحل لن يتم إلا من خلال الطرق الدبلوماسية ووقف الضربات الإسرائيلية، وإلا عمت الفوضى الإقليم بكامله وفى هذه الحالة سيكون الجميع خاسرين بما فيها أمريكا وإسرائيل.