سادت أجواء من الحزن العميق والأسى فى مركز بنى عبيد بمحافظة الدقهلية، بعد إعلان وفاة السائق البطل خالد محمد شوقى، الذى ضرب أروع أمثلة الشجاعة والتضحية.. إنسان استثنائى قرر أن يُنقذ مدينة العاشر من رمضان من كارثة محققة، فقاد شاحنته المشتعلة بعيدًا عن محطة البنزين؛ ليحمى أرواح المئات وممتلكاتهم، غير عابئ بالخطر المحدق بحياته. تُوفى خالد داخل المستشفى متأثرًا بالحروق التى أُصيب بها أثناء محاولته البطولية، لتتحول قصته إلى ملحمة إنسانية تهز مشاعر المصريين جميعًا.. خيَّمت مشاعر الصدمة والحزن على أهالى قريته، الذين عرفوه بدماثة الخُلق ونُبل السيرة، فهرعوا إلى بيته لتقديم العزاء، باكين على رحيله، وفخورين ببطولته.. واجه النيران وحده، وكتب اسمه فى سجل الشرف الوطنى.
واليوم، «روزاليوسف» تكتب عن قصة البطل خالد، وتسجل الدور الإنسانى الذي قامت به الدولة فى تكريم أسرته، وضمان حياة كريمة لعائلته التى قدمت أغلى ما تملك من أجل الوطن. اللحظة الأولى وبداية الاشتعال تعود تفاصيل الحادث إلى الأسبوع الماضي، حين اندلعت النيران فجأة داخل محطة وقود بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، نتيجة لانفجار «تانك» شاحنة وقود بسبب ارتفاع درجة حرارته.. اشتعلت النار بشكل مفاجئ، مهددة بكارثة محققة فى حال امتدادها إلى خزانات الوقود أو المناطق السكنية المحيطة. وفى ظل الفوضى والخطر، لم يتردد السائق خالد محمد شوقى عبد العال، فاندفع نحو مقعد القيادة بينما كانت ألسنة اللهب تلتهم الشاحنة. قاد المركبة المحترقة خارج المحطة بسرعة مذهلة، محاولًا إنقاذ أرواح المواطنين وإبعاد الحريق عن قلب المنطقة.. وبفضل شجاعته النادرة، نجح فى عزل مصدر الخطر، مانعًا كارثة كانت ستلتهم كل من حولها.. وتداول المواطنون مقاطع مصورة توثق لحظات التضحية، مرفقة بكلمات إشادة وإعجاب واسعة. تم نقل خالد أولًا إلى مستشفى محلي، ثم إلى مستشفى «أهل مصر للحروق» بالقاهرة، حيث وُضع فى العناية المركزة وسط جهود مكثفة لإنقاذه، إلى أن وافته المنية متأثرًا بإصاباته.. ووفق بيان رسمي، كانت مديرية أمن الشرقية قد تلقت إخطارًا بوقوع الحريق، فدفعت بأربع سيارات إطفاء نجحت فى السيطرة على النيران ومنع تفاقمها. أسفر الحادث عن إصابة أربعة أشخاص، كان من بينهم السائق البطل، فيما تم تحرير محضر رسمى بالواقعة وإحالته إلى النيابة للتحقيق.. الواقعة أعادت إلى الواجهة أهمية سرعة الاستجابة وأدوار الأبطال المجهولين فى لحظات الخطر، حيث إنه مواطن قرر مواجهة النار وحده، ليحيا الجميع. اسمه محفور فى العاشر فى لفتة تقديرية تجسد الوفاء، قرر جهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان إطلاق اسم السائق الراحل خالد محمد شوقى عبدالعال على أحد شوارع المدينة، تخليدًا لتضحيته النبيلة التى بذل فيها روحه لإنقاذ الآخرين. حيث إنه فى لحظة مفصلية، ورغم إصاباته البالغة، واصل جهده حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن يفارق الحياة متأثرًا بالحروق التى لحقت به. المهندس علاء عبداللاه مصطفى، رئيس جهاز تنمية المدينة، أكد أن هذا القرار يعكس احترام المدينة لأبنائها الأبطال، مشددًا على أن البطولة ليست حكرًا على ساحات المعارك، ولكنها تسطع أحيانًا فى لحظات عمل عادية تُختبر فيها القيم الحقيقية.. وكان الحريق، الذى اندلع فى المجاورة 70، قد استدعى تدخل أربع سيارات إطفاء وخمس سيارات إسعاف، لكن النهاية كانت موجعة. ومع ذلك، فإن خالد الذى غاب بجسده، ترك اسمه حيًا فى وجدان المدينة، كرمز للفداء والإخلاص. دعم ومساندة أعلنت مؤسسة فاعلون لخدمة المجتمع المدنى تخصيص إعانة شهرية ثابتة بقيمة 10 آلاف جنيه لأسرة الشهيد، الذى قدّم حياته فداءً لإنقاذ مدينة العاشر من رمضان من كارثة محققة. وفى كلماته المؤثرة، قال المهندس أحمد حلمي، رئيس مجلس أمناء المؤسسة: «خالد لم يكن يسعى إلى مجد شخصي، بل اندفع بدافع من ضميره الحيّ، وتحرك بإنسانية نادرة، ليحمى أرواح الآخرين ولو على حساب حياته». وتبرع أيضا الدكتور سعيد كامل، صاحب إحدى شركات الأدوية بمدينة العاشر من رمضان، بمبلغ نصف مليون جنيه دعمًا لأسرته.. هذه المبادرات مجتمعة تُعد تأكيدًا حيًا على أن التضحية فى سبيل الآخرين تظل محل تقدير وعرفان معًا من الجميع. تكريم وثناء شعبى ورسمي تلقت أسرته صباح الثلاثاء 10 يونيو 2025، اتصالًا هاتفيًا من السيدة انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية، وقدمت فيه واجب العزاء، مؤكدة أن تضحيته النبيلة ستظل خالدة فى وجدان كل مصرى ومصدر فخر للأجيال القادمة، مشيدة بما فعله من بطولة وعزيمة، وأن مصر لا تنسى أبناءها الذين ضحوا بأنفسهم حماية لسلامة الآخرين. وفى إطار التكريم الرسمي، وجّه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، بصرف مكافأة عاجلة قدرها 200,000 جنيه لأسرة البطل، ورصد معاش استثنائى دائم، مع أمر بتوفر فرصتى عمل بإحدى شركات قطاع البترول لأفراد من الأسرة، وكلف بصرف التعويضات فى أسرع وقت. وعلى مستوى المجتمع المدني، أبرمت وزارة البترول وجمعية الأورمان بروتوكول تعاون وقّعا بموجبه وديعة بقيمة 1,000,000 جنيه تُصرف عوائدها الشهرية إلى زوجة الفقيد وأسرته، بجانب تحمُّل كامل المصروفات الدراسية لابنته. كما تقرر إطلاق اسم السائق خالد شوقى على أحد شوارع مدينة العاشر من رمضان تخليدًا لذكراه، وتكريمًا لتضحيته التى أنقذت أرواح العشرات، فيما اقترح نادى دكرنس إطلاق اسمه على قاعة «حامد مهدي» بالنادي، وتركيب لوحة تحمل اسمه، وتعليق صوره داخل القاعة ومحيط الملعب، وتنظيم حفل تأبين شعبى ورسمى بحضور أسرته وأهالى المدينة، وتقديم تبرع مالى لورثته خلال الحفل. لم تقتصر مظاهر التكريم على الدعم المالى أو الرمزى فحسب، ولكنها امتدت لتشمل حضورًا رسميًا وإنسانيًا لافتًا؛ حيث زار المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، منزل أسرة الشهيد فى عزبة المصادرة فى مركز بنى عبيد بمحافظة الدقهلية، مقدمًا واجب العزاء باسم الدولة، وأعلن قرارًا فوريًا بتعيين نجل الشهيد وابن شقيقه فى وظائف بقطاع البترول، دعمًا لاستقرار الأسرة واعترافًا بتضحية خالد. كما أقيم عزاء رسمى بمدينة العاشر من رمضان فى دار مناسبات «الأردنية»، بحضور قيادات تنفيذية ومحلية، أعقبه قرار بإطلاق اسم البطل على أحد شوارع المدينة. وفى مظهر من مظاهر التقدير الشعبى الواسع، نظّمت مطاعم محلية بمدينة العاشر مبادرات تطوعية لتوزيع 150 وجبة مجانية على الفقراء صدقة جارية على روح الشهيد، فيما شارك حزب «المصريين الأحرار» فى تقديم العزاء، مؤكدًا أن بطولته ستظل منارة وطنية للأجيال القادمة.. هذه المبادرات، الرسمية منها والشعبية، تكرّس خالد شوقى رمزًا للشهامة المجردة من المصالح، وتثبت أن الوطن لا ينسى من قدموا أرواحهم طوعًا لحماية الآخرين. 2