فن التشتت الأمريكى ورقصة الجنون النووى الكورى وقرع طبول الحرب الهندية أحدث تصريحات الزعماء الذين يتبعون نظرية الرجل المجنون فى سياستهم الخارجية فقد اتبع ترامب وكيم ومودى سياسة حافة الهاوية والتلاعب بالمخاطر رغم أن الأبحاث الحديثة لفحص النظرية توصلت بشكل شبه أكيد إلى استنتاج مفاده أنها لا تعمل وأن التهديدات التى تبدو مبالغًا فيها تهديدات تفتقر إلى المصداقية فى ظاهرها لأن تكاليف تنفيذها ستكون هائلة تفوق فوائدها بمراحل كما أن الشعور بالجنون ليس حلًا سحريًا على الإطلاق فإلى جانب صعوبة إقناع الخصم بأنك مجنون بالفعل هناك احتمالية وجود مخاطر التصعيد التى لا يمكن احتواؤها فى الداخل والخارج. أثرت سمات الجنون بلا شك على سياسة ترامب الخارجية إلا أن هذا أدى فى الغالب إلى قرارات متهورة ليس فقط مجرد تصريحات بل خطوات جادة هددت بوضع الولاياتالمتحدة العالمى فتلاعب ترامب بمواقفها التى طالما كانت ركيزة الديمقراطية العالمية إلى حد قد يزعزع استقرار النظام الدولى أو يغيره فى نهاية المطاف إذ شكك فى التزام واشنطن تجاه حلف شمال الأطلسى، وجمد المساعدات العسكرية، وانسحب من مؤسسات رئيسية تابعة للأمم المتحدة وأشعل حربًا جمركية عالمية وعرقل إيصال المساعدات الأمريكية والإنسانية عالميًا وهدد بالتوسع الاحتلالى على كنداوبنما وجرينلاند وغزة وخطط لصفقات سياسية تنتهك القانون الدولى وتنال من سيادة دول مستقلة وتخلى عن دور الولاياتالمتحدة العالمى فى إدارة النظام الدولى وتنازل عن دورها كقائدة وحامية لأكثر ديمقراطيات العالم المتقدمة اقتصاديًا وترك مجالا لمنافسيها للمشاركة فى النظام العالمى بل وكسب أراضى جديدة فى أماكن كان يصعب عليهم عبورها ودخل فى جدال غريب مع الديكتاتور الكورى الشمالى كيم جونج أون إذ انخرط فى تهديدات غير مقبولة دوليا بتدمير كوريا الشمالية وكان هو نفسه متلقيًا للإهانات من الزعيم الكورى الذى أشار إلى ترامب بأنه مختل عقليًا وعلى الرغم من أن ترامب تفاخر بأن قمته مع كوريا الشمالية هى أحد انتصاراته فى السياسة الخارجية إلا أنه لم يحقق أكثر مما حققه أى رئيس سابق وليس من الواضح ما إذا كان اعتباره مجنونًا أمرًا يدعو للخوف أم للسخرية أم الشفقة على دولة عظمى بحجم الولاياتالمتحدة فقد تجلت تقلباته على الساحة العالمية من خلال سلسلة من التصريحات التى نفذ عكسها، حيث هدد بقتل الرئيس السورى بشار الأسد عام 2017 ثم قرر سحب القوات الأمريكية من سوريا فى ديسمبر 2018 والانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى فى فترة ولاياته الأولى والتهديد بقصف مواقع التراث الثقافى الإيرانى والعودة للمفاوضات مرة أخرى كما أن تهديداته لم تثبط طموحات الجمهورية الإسلامية النووية بل على العكس أصبحت إيران على بعد ساعات قليلة من صنع القنبلة النووية وأيضا تهديده بالاستيلاء على بنما ليأتى رد الرئيس البنمى صادما وغير متوقع بالنسبة للولايات المتحدة والذى أعلن أنه قادر عن الدفاع عن أراضيه بكل قوة بل ألمح بسلاح الباب الخلفى للهجرة المتدفقة شمالًا من فجوة دارين أخطر طرق الهجرة بين بنما وكولومبيا للوصول إلى أمريكا وعلى الرغم من ذلك مازال ترامب يتبنى نظرية الجنون التى لا توفر له أى مزايا فى التفاوض بل إنها فى الواقع تضعف مصداقيته كقائد وتقوض المصالح السياسة الخارجية لبلاده على المدى الطويل. كيم جونج أون الرجل الخطير الذى كان ولا يزال يشكل خطرًا على الاستقرار الإقليمى إن تصرفات كيم المجنونة وتهديداته المتجاوزة للعقل من تجارب كوريا الشمالية للقنبلة الهيدروجينية وإطلاق الصواريخ وتهديداته بشن هجمات نووية وإعدام كبار المسئولين حتى أفراد عائلته ومن بينهم عمه ومرشده جانج سونج-ثايك رميًا بالرصاص الذى وصفته وسائل الإعلام الرسمية بأنه خائن لكل العصور بعد أن اعترف بالتخطيط لانقلاب على كيم وقتل كيم جونج-نام الأخ غير الشقيق الأكبر له بعد تعرضه لغاز الأعصاب شديد السمية فى إكس أثناء استعداده للصعود على متن طائرة فى كوالالمبور وسجن معارضين سياسيين واعتقال المواطنين بدون أسباب تذكر ومنع كل وسائل التواصل والترفيه وحتى الحياة فى بلده واتباعه نظرية الرجل المجنون تأتى من واقع دولة معاقة بالعقوبات وزعيم يستخدم الدعاية والقوة لفرض عبادته على شعبه من أجل الحفاظ على قبضته المحكمة على السلطة ورغم أن بعض المحللين يرون أن الديكتاتور الشاب شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وغير عقلانى ويسعى إلى الصراع المسلح وأن كيم ربما يتصرف بسلوك غير مستقر بناء على استراتيجية سياسية مدروسة من أجل إبقاء الزعماء الأجانب فى حالة من عدم التوازن ويرى البعض الآخر وبالنظر إلى الواقع أنه عقلانى إلى حد ما وبعيد كل البعد عن الانتحار وأن هدفه الأساسى هو حماية نظامه ونفسه فمثلا العالم لم يتفاجأ بالتجربة النووية السادسة لكوريا الشمالية ويرى نيكولاس إيبرشتات الباحث فى معهد أمريكان إنتربرايز والمتخصص فى دراسة الأمن الدولى فى شبه الجزيرة الكورية أن تطوره فى الجنون منطقى للغاية فهو يسعى إلى إرساء معايير دولية جديدة من خلال تطبيع مفهوم التهديدات النووية الكورية الشمالية وأن العالم اعتاد على جنونه المحدود والمسموح فى إطار إقليمه وأصبح قادرا على التنبؤ بما سيأتى لاحقًا من التهديدات النووية فى الخطاب الدبلوماسى الكورى الشمالى ويؤكد أن هناك أسبابا عملية بحتة وأخرى استراتيجية واسعة النطاق متجذرة فى علم النفس ونظرية الألعاب وراء جنون كيم والتجارب النووية والصاروخية التى أجرتها كوريا الشمالية إلى جانب التقدم التقنى الذى سيتم اختباره وإثباته فإنها ترسل أيضًا رسالة إلى المجتمع الدولى وخاصة الولاياتالمتحدة مفادها أنها لن تخيفها العقوبات وأنها عازمة على إكمال برنامجها النووى والصاروخى وعلى اكتساب قدرات لما تزعم أنه ردع ضد الولاياتالمتحدة كما أن كونها قوة نووية بحكم الأمر الواقع سيضعها فى وضع أفضل إذا ما جرت المفاوضات فى المستقبل وعلى عكس ترامب فالرئيس الشاب أثبت نجاحا استثنائيا فى نظرية المجنون، حيث تمكن من فرض نفوذه على الساحة العالمية مما منحه قوة ردع هائلة ونفوذًا تفاوضيًا وتمكن من مواصلة برنامج الأسلحة الباهظ بوتيرة سريعة رغم غياب التبادل التجارى. مودى رئيس الوزراء الهندى الذى ينتظر العالم إشارته لإنهاء حياة أكثر من 30 مليون إنسان بدأ استخدام مودى لنظرية الرجل المجنون بعد عامه الأول فى المنصب دون تحقيق الكثير من الإنجازات وبعد أن شعر بثقل توقعات الشعب على حكومته الذين اعتقدوا أن مودى سيضع البلاد على مسار النمو الاقتصادى والتنمية الاجتماعية لكن معظم الوعود لا تزال مقترحات والعديد منها يواجه احتمالًا ضئيلًا للوفاء فبدأ بإظهار جنونه بالتلويح بالحرب النووية ضد الجارة باكستان وتعليق معاهدات السلام ووقف العمل باتفاقيات المياه التى هى شريان الحياة للمناطق الحدودية وإلقاء الاتهامات بشكل عشوائى على الدول المجاورة بدون أدلة واضحة والتلاعب بالدبلوماسية وإثارة الفتن الطائفية فى دولة متنوعة الأديان والطوائف والسعى إلى تغيير اسم البلاد التاريخى من الهند إلى بهارات الأمر الذى اعتبره البعض جنونا سياسيا وليس إلا حيلة انقسامية دبرها القوميون الهندوس لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل. وكانت أكثر الأمور جنونا التهديد بفقدان القطب الثالث للكوكب الأنهار الجليدية فى حوض نهر السند العلوى إذ يضم أكبر تركيز للجليد بعد القطبين الشمالى والجنوبى ومغامرة مودى بشنِّ حرب على ثالث أكبر تركيز للجليد فى العالم ضرب من الجنون لم يكن للماء أى دور فى حادثة باهالغام لكن التهديد المائى غير المبرر من مودى سيشعل فتيل حرب محتملة بين منابع أنهار السند وجيلوم وتشيناب وذلك على مقربة شديدة من الأنهار الجليدية فى حوض السند العلوى التى لها أهمية كبرى لبقاء مليارات البشر فى أفغانستأن وباكستانوالهند ونيبال وبوتان والصين لا توصف بالمبالغة، لا سيما وأن هذه الأنهار الجليدية من المرجح أن تفقد ثلث جليدها بحلول نهاية هذا القرن ولحوض نهر السند الأعلى أهمية بالغة أيضا للمناخ العالمى تتجاوز كل التصورات ومع ذلك وكما جاء فى دراسة بحثية حديثة تاريخيًا كانت أزمات المياه العابرة للحدود فى المنطقة تعتبر محلية دون أى تهديد وشيك للأمن العالمى لكن الوضع يتطلب الآن فهمًا أشمل لقضايا الموارد المائية فى منطقة تمتلك ترسانات نووية خاصة مع جنون مودى الذى يعتبر الماء هو أحدث سلاح تستخدمه الهند الهندوسية المتطرفة فى حملتها لإكراه باكستان بعد فشلها سابقًا فى الغارات الجوية ومزاعم التوغلات البرية المحدودة والاغتيالات السرية والحرب التقليدية والهجمات الدبلوماسية اللاذعة وقد استدعت حماقة مودى رد فعل صادما من القيادة المدنية والعسكرية فى باكستان حتى أعلنت أن أى محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه التى تنتمى إلى باكستان وفقًا لمعاهدة مياه نهر السند واغتصاب حقوق الدول الواقعة فى أسفل النهر سوف تعتبر بمثابة عمل حربى وسوف يتم الرد عليها بكل قوة. 1 2