يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. د.كريمة بولخراص أكاديمية جزائرية بجامعة وهران، حاصلة على دكتوراه فى الكتاب والسنة عام 2014م، وعلى شهادة التأهيل الجامعى عام 2015م، وهى عضو بالمجلس العلمى واللجنة العلمية لقسم العلوم الإسلامية، وشاركت فى ملتقيات دولية ووطنية.
د.كريمة بولخراص لها كتابان: نظرية المقام تأصيلًا وتنزيلًا، ومقامات الخطاب فى القرآن الكريم.. الترغيب والترهيب أنموذجًا، إضافة إلى أبحاث ومقالات منها: «الخطاب القرآنى بين الطبيعة التشريعية العامة والخصوصية التنفيذية، آليات تقويم السلوك فى القرآن الكريم: الترغيب والترهيب أنموذجًا، أثر العولمة على الثوابت والمعتقدات الدينية، الإضافات المنهجية لمالك بن نبى فى التفسير». فى القرآن الكريم تكرر الكلام عن الأحلام، ويأتى الحلم على هيئة رموز لتعكس واقعا أو خيالا يعيشه صاحب الحلم، وبذلك يكون صاحب الحلم وعن طريق عقله الباطن الذى غذاه بالأفكار والمعتقدات والأحاسيس من خلال حياته اليومية هو واضع هذه الرموز والدلالات وهو نفسه خير من يقوم بربط معانيها وتفسير دلالاتها ومن يحس بها. فى العقل الباطن تتجمع الأفكار والتجارب والأحاسيس التى يؤسس لها ذات الإنسان فتتجلى تلك على شكل دلالات ورموز وأفكار فى النوم أحيانًا عندما يكون العقل الباطن بعيدًا عن سيطرة الإنسان النائم، وأحيانًا تتسرب له بأحلام يقظة. الرؤيا والأحلام الصور المشاهدة فى الرؤيا لها دلالات عن حدث مستقبلى أو عن حدث فى الماضى لم ينتبه له الفرد بوعيه وإدراكه العادى، غالبًا ما تؤثر فى شعور الرائى وتترك انطباعا عنده بوجود خطر، أو شيء مهم سيحدث. وكلمة أحلام تأتى فى القرآن بمعنى الرؤيا فى النوم: (قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ) يوسف 44، وأحلام بمعنى العقول، كقوله تعالى عن مشركى قريش: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) الطور32. فى القرآن إشارات لرؤى رآها بعض الأنبياء، منها حلم النبى إبراهيم حين رأى أنه يذبح إبنه إسماعيل: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنّ) البقرة 124، (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى) النجم 37، وعن اختبار الرؤيا التى تعرض له: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيم) الصافات 104-109. بالنسبة للنبى محمد عليه الصلاة والسلام فقد كان للرؤى دور فى سيرته، فى غزوة بدر كان المسلمون يواجهون جيشًا يفوقهم عددًا رأى النبى فى منام له جيش العدو قليلًا: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ) الأنفال 43، والهدف أن يتشجع المؤمنون ويتغلبوا على مخاوفهم فى أول لقاء حربى لهم (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِى أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) الأنفال 44. ثم أراد النبى أن يحج فرأى فى المنام أنه يدخل المسجد الحرام بأصحابه فى أمن وسلام، وتحقق الحلم: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح 27. سورة يوسف ضمن الملامح التى تتميز بها سورة وقصة يوسف تلك الأحلام الثلاثة التى تقوم عليها، ودور كل منام منها فى أحداث القصة فى مسيرة يوسف من بيت أبيه، إلى الجب، ثم بيت العزيز، ثم السجن، ثم منصب عزيز مصر، ثم لقائه بأخوته وأبويه. تبدأ قصة يوسف بالحلم الذى رأه يوسف طفلًا وحكاه لأبيه وأدرك الأب أن ابنه الصغير سيتعرض إلى مصاعب عديدة، فأوصى ابنه ألا يقص هذا الحلم على إخوته حتى لا يكيدوا له. يتلخص الحلم فى أن يوسف رأى فى المنام أن أحد عشر كوكبًا مع الشمس والقمر يسجدون له: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ) يوسف 4، وجاء تأويل الحلم فى نهاية القصة: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا) يوسف 100، حين سجد له أبواه وأخوته. وقد قال الأب لابنه: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يوسف 6. وقد تآمر إخوة يوسف عليه، وانتهى به الأمر فى قصر عزيز مصر، وفى شبابه يتعرض لمكيدة يدخل بها السجن مظلومًا، وفى بداية السجن يرى كل من رفيقيه حلمًا: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف 36. وقام يوسف بتفسير الحلم لكل منهما: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) يوسف41. وبعد سنوات يرى الملك حلمًا يعجز عن تفسيره: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) يوسف 43، وقام يوسف بتفسير الحلم للملك: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يوسف 47-49. وتلعب المنامات الثلاث وتحققها عمليًا دورًا مهمًا فى الأحداث، حيث خروج يوسف من بيت أبيه إلى الجب ومن الجب إلى القصر ومن القصر إلى السجن ومن السجن إلى الحكم والنفوذ. أحلام تتحقق فى قصة يوسف هناك رؤيا الملك، وأخرى للخباز، وثالثة للساقى، وكلهم كانوا مشركين، ولهذا بدأ قبل تفسير الحلم للساقى والخباز بدعوتهما إلى إخلاص العقيدة لله تعالى، مع ملاحظة أن المشركين الثلاثة رأى كل منهم حلمًا وقد تحقق، وبذلك فالأحلام الصادقة لا ترتبط بصلاح شخص أو فساده، فكل إنسان قد يرى أضغاث أحلام وقد يرى رؤية صادقة تتحقق. ومن خلال قصة يوسف نرى الأحلام تأتى بصورة رمزية تحتاج إلى من يقوم بتفسيرها وتأويلها، فيوسف رأى الشمس والقمر و11 كوكبًا يسجدون له، والتفسير بأن أخوته هم الأحد عشر كوكبًا وأن الشمس والقمر هما والداه، وتحقق الحلم فى الحقيقة. وفى رؤيا الخباز أنه يحمل فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه، والتفسير أنه سيعاقب بالقتل صلبًا، وتحقق الحلم. وفى رؤيا الساقى أنه يعصر خمرًا، والتفسير إطلاق سراحه وعمله ساقيًا للملك، وتحقق الحلم. وفى رؤيا الملك كانت السنابل الجافة السبع والبقرات العجاف السبع هى سنوات المجاعة، وكانت السنابل الخضراء السبع والبقرات السمان السبع هى سنوات الرخاء. وهناك منامات جاءت صريحة واضحة، مثل رؤيا النبى إبراهيم أنه يذبح ابنه، ورؤيا النبى محمد أنه يدخل بأصحابه المسجد الحرام يؤدون الحج. من خلال قصة يوسف نرى أن الله قد جعل الآية الخاصة به هى قدرته على تفسير الأحلام أو تأويل الأحاديث، وقد قال له أبوه حين كان يوسف طفلًا ورأى المنام: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) يوسف 6، وقال تعالى عن يوسف: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) يوسف 21، وعبر يوسف عن الشكر لله على ما أنعم عليه من معرفته بتأويل الحديث: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) يوسف 101. وفى تفسيره لحلم الملك: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يوسف 47 - 49. الإعجاز العلمى يأتى فى قوله: (فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ)، فأفضل طريقة لحفظ القمح هى أن يبقى فى سنابله، وآية علم الغيب التى لا شأن لها بحلم الملك: (ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ). نحن هنا أمام رؤى وأحلام تتحدث عن المستقبل، وتفسيرها الصادق لا يأتى إلا من نبى أعطاه الله تعالى بعضًا من علم الغيب المستقبلى، وبهذا فليس متاحًا وفق دين الله تعالى الحق لأى بشر أن يفسر الأحلام المستقبلية تفسيرًا صادقًا. يتبقى بعد ذلك الجانب الأكبر من المنامات وهى أضغاث أحلام، منها ما يعبر عن رغبات النفس ومنها ما لا يعبر عن أى شىء، وتفسيرها مجرد اجتهادات وتوقعات قد تصيب وقد تخطئ.