للمرة الأولى فى التاريخ الأمريكى يصدر حكم إدانة جنائية فى حق مرشح رئاسى؛ بل المرشح الأوفر حظًا لنيل منصب رئيس البيت الأبيض فى انتخابات 2024، إنه المرشح الجمهورى والرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، رجل الأعمال الذى تعتبر فترة رئاسته أكثر الفترات الجدلية فى العالم، من يستطيع أن ينسى تصريحاته السابقة بشرب «الكلور» للقضاء على فيروس كورونا إبان فترة الجائحة، صورته المشهورة أمام أعضاء حلف الناتو وهو يعد بالانسحاب من هذا الحلف «عديم الفائدة» من وجهة نظره.. تصريحاته الصاخبة فى حق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عدو أوروبا وأمريكا الأول.. صداقاته مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون.. ترامب استطاع أن يضع بصمة فى التاريخ لن تنسى.. لكن حكم إدانته ب34 تهمة جنائية كان الشىء الغريب والجديد.. رئيس أقوى دولة فى العالم يحكمها من خلف القضبان بتهمة تزوير ودفع رشوة لممثلة إباحية.. كم هى رائعة هذه الديمقراطية الأمريكية! الرئيس المدان قبل 26 عامًا، كانت فضيحة الرئيس الأمريكى بيل كلينتون ومتدربة البيت الأبيض مونيكا ليونسكى بمثابة «عار» على التاريخ الأمريكى، الرئيس الذى خطف قلوب ملايين الأمريكان للشبه الذى تحمله ملامحه مع معشوق الشعب جون كينيدى، يتهم وهو رئيس للبيت الأبيض بتهمة الكذب على شعبه بعد إنكاره العلاقة غير الشرعية مع مونيكا.. ربما كانت هذه أكثر الفضائح التى صاحبتها موجة غضب عارمة للعالم كله، حتى إنه تم تشبيها بأنها تجاوزت فضيحة «ووتر جيت» الشهيرة. قضية مونيكا انتهت مع نهاية الفترة الرئاسية الثانية لكلينتون، لن يستطيع الترشح مرة أخرى واستطاع أن يقدم عددًا من الإنجازات الاقتصادية لأمريكا، أقر قوانين لحماية الأسر الضعيفة وخفض 90 % من الضرائب التى تغذى الأعمال الصغيرة. كما عمل على زيادة الضرائب بنسبة 1.2 % على الأثرياء ورجال الأعمال وغيرها من القرارات التى خدمت قطاعًا كبيرًا من الشعب الأمريكى، كما حاول كلينتون حل القضية الفلسطينية بعد أن عمل على عقد قمة كامب ديفيد 2000 ودائمًا ما كان يصرح بأحقية الشعب الفلسطينى فى أرضه. لكنه عزل.. ثانى رئيس أمريكى يتم التصويت على عزله عام 1998، بتهمة شهادة الزور أمام هيئة المحلّفين الكبرى، بعد أندرو جونسون. استندت إجراءات العزل على المزاعم القائلة بأن كلينتون كذب بصورة غير قانونية ليغطى على علاقته بمونيكا لوينسكي.. لكن من الواضح أن كلينتون لم يكن مثالًا قويًا ليحتذى به رؤساء أمريكا أو المرشحون للرئاسة. قضايا ترامب جاءت فى قضية «أموال الصمت» أو «شراء الصمت» لتصنع فضيحة جديدة لهذا المرشح الذى وفق أغلب استطلاعات الرأى يحظى بنسبة دعم كبيرة وقدرة على مواجهة خصمة جو بايدن فى انتخابات نوفمبر 2024، يمكن أن يدير البلاد من خلف أسوار السجن، أو وهو داخل البيت الأبيض يحمل جهاز التتبع الخاص بالإقامة الجبرية، فلا يستطيع السفر للقاء رؤساء أى دولة أو حتى إقامة مؤتمر يبعد عن البيت الأبيض عدة أمتار.. هل يمكن أن نرى رئيس أقوى دولة فى العالم وهو قيد الإقامة الجبرية؟ أو وهو يرتدى زى الخدمة المجتمعية ويقوم بدهن أسوار المدارس وتنظيف الشوارع بسبب عقوبة حكم أدين به لدفع الرشوة وتزوير سجلات مالية؟ دستور العم سام وفق الدستور الأمريكى هناك ثلاثة شروط يجب أن تتوافر لأى مرشح رئاسى، حيث يجب أن يكون مواطنًا مولودًا فى الولاياتالمتحدة، وألا يقل عمره عن 35 عامًا، وأن يكون مقيمًا بالولاياتالمتحدة ل14 عامًا على الأقل. ويستوفى ترامب الشروط الثلاثة. وهناك معيار آخر مثار الجدل حوله، منصوص عليه فى التعديل 14 للدستور الأمريكى، والذى ينص على عدم أحقية شخص فى الترشح إذا أدى من قبل القسم لمنصب رسمى وشارك فى أعمال تمرد. إلا أن المحكمة العليا الأمريكية قضت فى وقت سابق هذا العام أنه سيتعين على الكونجرس تمرير قانون خاص لاستخدام هذا الحظر، وهو الأمر الذى لم يحدث بسبب سيطرة الحزب الجمهورى على مجلس النواب. كما يقر القانون، بأن المرشح الرئاسى يمكن أن تتم إدانته ويظل مقيمًا فى مقر إقامته فى ولاية فلوريدا، بل ويظل قادرًا على التصويت فى الانتخابات الرئاسية، طالما أنه كان خارج السجن فى ولاية نيويورك،.
وذلك لأن فلوريدا تخضع لقواعد حرمان المقيمين المدانين بارتكاب جرائم خارج الولاية من حق التصويت فى الولايات الأخرى. فى حالة ترامب، لا يزيل قانون نيويورك حق التصويت للأشخاص المدانين بارتكاب جرائم إلا عندما يكونون فى السجن. بمجرد خروجهم من السجن، تتم استعادة حقوقهم تلقائيًا، حتى لو كانوا فى حالة إطلاق سراح مشروط، وفقًا لقانون عام 2021 الذى أقره المجلس التشريعى الديمقراطى للولاية. وفيما يتعلق بإمكانية سجن ترامب، فان هذا الأمر ربما يكون مستبعدًا بسبب عمره الذى تجاوز السبعين، كما أن كل الاتهامات التى يواجهها تعد ضمن الفئة الأقل فى نيويورك. لكن فى حين أن عقوبة السجن أمر وارد، فإن قاضى المحكمة غير مطالب بالحكم على ترامب بالسجن، ويمكن أن يحكم بخضوعه للمراقبة والإقامة الجبرية أو بالسجن لمدة تصل إلى 4 سنوات لكل تهمة فى سجن الولاية، بحد أقصى 20 عامًا حيث أن الحد الأقصى للعقوبة لكل تهمة تزوير سجلات تجارية هى السجن 4 سنوات، ويتمتع القاضى بسلطة تقديرية بشأن المدة التى ينبغى أن تكون عليها عقوبة السجن لكل تهمة، وما إذا كانت الأحكام ستنفذ متتالية (واحدة تلو الأخرى) أو متزامنة (فى نفس الوقت). وحتى لو أمر القاضى بتنفيذ الأحكام على التوالى، فإن قانون نيويورك يحدد إجمالى الأحكام لهذا النوع من الجنايات المنخفضة المستوى ب20 عامًا. ويجوز للقاضى أيضًا أن ينظر فى حبسه مدة لا تقل عن جزء من الحد الأقصى للعقوبة. لكن من الممكن تمامًا أن يتخلى القاضى عن السجن تمامًا ويحكم عليه بالمراقبة والغرامة، خاصة فى ضوء الطبيعة غير العنيفة للتهم ولأن الرئيس السابق ليس لديه سجل إجرامى. من ناحية أخرى، عمل ترامب على استغلال قرار إدانته فى جميع التهم الموجهة إليه فى قضية أموال الصمت كوقود لحملته الانتخابية. هى الضربة التى يمكن أن تقضى على طموحات أى سياسى. لكن ترامب، بدلًا من ذلك، عمل على تحويل «حكم» كان سينهى مسيرته إلى وقود لتحفيز حملته الانتخابية، وأصبح «متهمًا سياسيًا» بسبب محاكمة «الساحرات» كما يطلق عليها ترامب.. أمريكا ستظل بالفعل دولة العجائب وما زال المستقبل يحمل الكثير من المفاجآت على ما يبدو لبلاد العم سام.. لكنى أعتقد أن مجرد تخيل مشهد ترامب بملابس السجن لن يفارق مخيلة أحد.